أعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر «الاعتزال النهائي» و«غلق كافة المؤسسات» المرتبطة بالتيار الصدري، مستثنياً المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر، مشدداً على قرار بعدم التدخل في الشؤون السياسية، ومعلناً أن «الكل في حلّ مني». وفي تغريدة على موقع تويتر أضاف الصدر: «ما أردت إلا أن أقوّم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية، باعتبارها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم، وأن يشعروا بمعاناته» كما حرص على توجيه رسالة مبطنة حول مصيره الشخصي وإمكانية استهدافه قائلاً: «وإن مت أو قُتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء».
ورغم أن الخطوة مفاجئة من حيث المدى الأقصى الذي تذهب إليه من زعيم تصدّر تياره الانتخابات التشريعية الأخيرة وهو غير بعيد عن احتلال موقع الزعيم السياسي الشيعي الأكثر قدرة على تعبئة الشارع الشعبي، إلا أنها من حيث الشكل والأهداف القريبة تبدو وفاء بمبادرة الصدر التي دعت إلى توقيع اتفاقية بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، تشمل جميع الأحزاب والشخصيات السياسية التي شاركت في العملية السياسية منذ 2003 وحتى الآن، بما في ذلك التيار الصدري ذاته.
وأما من حيث المضمون والأهداف البعيدة فإنها ضربة استراتيجية واستباقية حاسمة، تستكمل خطوة جذرية سابقة اتخذها الزعيم الشيعي في حزيران/ يونيو الماضي وتضمنت استقالة نواب التيار الـ74 من البرلمان العراقي، وأعادت وضع المسؤولية عن استعصاء الاستحقاقات الدستورية على عاتق الإطار التنسيقي وسائر خصومه السياسيين داخل الصف الشيعي. هي كذلك إجراء بارع يحتاج إليه التيار الصدري وزعيمه نفسه على سبيل النأي بالنفس عن احتمالات مستقبلية تنذر بمخاطر اشتباكات أهلية عنيفة ودامية بين شارع شعبي صدري التوجهات يحتشد في المنطقة الخضراء وأمام مقر البرلمان ومجلس القضاء الأعلى ويطالب بحل البرلمان، وشارع شعبي مقابل يناصر «التنسيقي» يعتصم في البوابة الجنوبية للمنطقة ذاتها ويدعو إلى تشكيل حكومة جديدة ومواصلة جلسات البرلمان.
ولم يكن بغير مغزى بالغ الأهمية أن الصدر استهل تغريدة الاعتزال برد سجالي على المرجع الشيعي كاظم الحائري أحد كبار تلامذة محمد باقر الصدر والمقرب من إيران، الذي اعتزل مؤخراً لأسباب صحية شكك فيها الصدر معتبراً أن اعتزال الحائري «لم يك من محض إرادته» وكذلك البيان الذي صدر عنه. وكان الحائري قد حثّ على «إطاعة الولي قائد الثورة الإسلامية علي الخامنئي» وأوصى بما سماه «حشدنا المقدس» و«دعمه وتأييده كقوة مستقلة». كما كانت لافتة أيضاً إشارته إلى أن «من يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين (رضوان الله تعالى عليهما) أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو – في الحقيقة – ليس صدرياً مهما ادعى أو انتسب».
الصف الشيعي العراقي في حال من الانقسامات العميقة إذن، على مستوى يتجاوز السياسة والتعبئة الجماهيرية والمطالب الإصلاحية والاستحقاقات الدستورية إلى انشقاق المرجعيات وتصارعها بين النجف وقم، وبالتالي فإن نُذُر المستقبل حبلى بمفاجآت عاصفة لا تخلو من أخطار فادحة.
القدس العربي