نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقال رأي للكاتب ديفيد فيلينغ تساءل فيه عن السبب الداعي لعودة أمريكا إلى أفريقيا بعدما بنت الصين القارة ونشرت روسيا فيها مرتزقتها.
وقال إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اعتقد أن القارة الأفريقية تنتشر فيها الكثير من “حفر البراز” ودول تحمل أسماء مثل “ناميبيا”، ولم يستطع باراك أوباما رغم علاقاته العائلية وأصوله من كينيا تشكيل سياسة واضحة إزاء أفريقيا، القارة التي عادة ما تراجعت في القوائم الأخرى من أولويات الإدارة الأمريكية الخارجية.
وعليك العودة إلى جورج دبليو بوش الذي حاول القضاء على وباء الإيدز أو بيل كلينتون بمبادرة “نماء أفريقيا” أو قانون الفرصة، وهي معاهدة تجارية تفضيلية لرئيس أمريكي بعروض لا ترد.
وإذا كان الدور الأمريكي متدنيا في القارة، فلم يتوان الآخرون عن العمل. فمنذ بداية القرن الحالي، تحركت الصين من لاعب جزئي إلى مستثمر رئيسي وشريك تجاري للكثير من الدول من أنغولا إلى إثيوبيا. فمعظم البنى التحتية التي ظهرت في القارة بنتها الشركات الصينية.
وفي خارج صناعة التنقيب، كان الأمريكيون بطيئين في التعامل مع الفرص التجارية أكثر من دول أخرى مثل تركيا والهند. وفي الفترة الأخيرة اتبعت روسيا دبلوماسية تخفيض الأسعار حيث أرسلت مرتزقتها إلى مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى لدعم الديكتاتوريين والشركات المثيرة للشك.
ويبحث الرئيس الأمريكي جو بايدن الآن عن فرصة لمعالجة ميزان القوة. وربما كان إحجام الدول الأفريقية عن التصويت لإدانة روسيا وغزوها أوكرانيا (26 دولة) وراء تفكيره الحاد بالمشكلة. ومع الحالة هذه قرر زيادة الجهود الدبلوماسية، إذ ستعقد واشنطن قمة أمريكية- أفريقية في كانون الأول/ديسمبر، هي الأولى منذ 8 أعوام. وقام بايدن بإلغاء قرار ترامب لخفض عدد القوات الأمريكية في الصومال ومنطقة الساحل، وكلاهما منطقتان يظهر منهما تهديد إرهابي مستمر.
وقام وزير الخارجية أنطوني بلينكن بجولة في شهر آب/أغسطس زار فيها جنوب أفريقيا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وأعلن في جنوب أفريقيا عما نظر إليه إعادة ضبط في العلاقات. وكما قال فالدول الـ54 التي تمثل القارة تلعب دورا مهما في السياسة الدولية أكبر مما يعترف به. وبحلول عام 2050 سيكون واحد من كل أربعة في الكرة الأرضية أفريقيا. ولو ازدهرت الغالبية فستكون مصدرا عظيما للدينامية والأفكار. وبالمقابل لو عانى الكثير منها من التعثر فستغذى المشاكل التي لا يمكن التحكم بها من الهجرة والقضاء على الغابات.
يقبع ثلث المعادن التي يحتاج إليها من أجل التحول إلى الطاقة المستدامة تحت التراب الأفريقي
ويقبع ثلث المعادن التي يحتاج إليها من أجل التحول إلى الطاقة المستدامة تحت التراب الأفريقي. ويجب على شعوب أفريقيا، وليس نخبتها فقط الانتفاع من الأرباح الناجمة عنها وتحويل الكثير من المواد الخام في داخل القارة نفسها. ففي حوض الغابات بالكونغو وفي دول وسط أفريقيا تكمن ثاني رئة كبرى للعالم.
ويعتبر رأس المال الأفريقي ثلث أصوات الأمم المتحدة. وتقود نيجيريا منظمة التجارة العالمية وإثيوبيا منظمة الصحة العالمية.
وتحدد السياسة التي يقوم عليها النهج الجديد أهدافا استراتيجية واسعة، فستدعم واشنطن المجتمعات المفتوحة والديمقراطية والتعافي من صدمة وباء كورونا وتحول عادل للطاقة، أي عدم معارضة الغاز. وستعمل واشنطن مع الشركاء الأفارقة، وهو تعبير يعني أنها تستمع إليهم ولا تتنمر عليهم.
وتمت موضعة العرض الأمريكي بطريقة مدروسة لمواجهة ما تقول واشنطن إنها مصالح الصين التجارية والجيوسياسية الضيقة. وضد رؤية روسيا لأفريقيا على أنها ساحة لشركات التعهدات الأمنية.
ماذا ستفهم الحكومات الأفريقية من كل هذا؟
الكثير منها لم يشعر بالإعجاب بالقيادة الأمريكية أثناء وباء كوفيد-19، عندما ابتلع الغرب كل اللقاحات المتوفرة وترك أفريقيا لكي تعيل نفسها. ونظر لدعم بايدن لتجاوز حقوق الملكية للقاح استثناء. ولم تساعد الخلافات حول نتائج الانتخابات وتراجع الحريات بأمريكا تمسك الولايات المتحدة بالأخلاقية العليا عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الديمقراطية.
ويقول تشيدي أودينكالو، من مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، إن عودة أمريكا هي صورة عن ملامح الحرب الباردة “أستشف أن أمريكا اكتشفت أنها لو لم تعاود الاتصال مع أفريقيا فستتركها ساحة للصين وروسيا”، إلا أن أليكس فاينز، مدير برنامج أفريقيا في تشاتام هاوس بلندن، يري فرصة للقارة “هذه لحظة أفريقيا” للتعامل المتعدد الجنسيات، ومهما كان التواصل هشا، فدخول الولايات المتحدة بثروتها العميقة وإبداعها وقيمها الديمقراطية يعني وجود شريك يوثق به. وإذا كانت الدبلوماسية هي عبارة عن تعاقد فيجب أن تحضر دول أفريقيا نفسها لصفقة.
القدس العربي