ينتظر أن تحدث العودة الكاملة للنفط الإيراني صدمة قوية ستقلب معادلة السوق من أول لحظة، حيث تحشد إيران ناقلات محملة بما يزيد عن 70 مليون برميل تدخل السوق من اليوم الأول لرفع العقوبات مما سيطيح بأسعار النفط ويخلق واقعا جديدا لأوبك+ ويطيح بخطتها الساعية للتحكم في العرض والاحتفاظ بمستوى لا يمكن النزول تحته بالنسبة إلى الأسعار.
ويقول خبراء إن هذه العودة مدعومة من أكثر من جهة، وخاصة من الولايات المتحدة التي باتت على اقتناع أن هذه الخطوة ستقود إلى تراجع الأسعار، وتمكنها من ”معاقبة ” السعودية على عدم تجاوبها مع المطالب الأميركية بضخ المزيد من النفط في السوق، بل العكس ها هي تلوّح مع بقية دول أوبك+ بتخفيض في الإنتاج.
وفي أغسطس الماضي، ألمح وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إلى أن أوبك+ قد تقرر خفض الإنتاج ردا على محاولات أميركية للضغط من أجل خفض الأسعار، وهو ما تم بالفعل منذ أيام قليلة، حيث اتفق وزراء التحالف النفطي على خفض إنتاج النفط بمقدار 100 ألف برميل يوميًا في شهر أكتوبر المقبل من أجل تحقيق توازن في الأسواق، وهي خطوة أقرب إلى الحركة الرمزية منها إلى موقف تصعيدي مع كبار المستهلكين.
فيليسيتي برادستوك: عودة النفط الإيراني قد تؤدي إلى تغييرات هائلة في الأسواق
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، نقلا عن العديد من المحللين، أن تلميح الأمير عبدالعزيز بن سلمان بشأن خفض الإنتاج كان موجها إلى البيت الأبيض كتحذير لما سيحدث إذا انتهى الأمر بإبرام الولايات المتحدة صفقة مع إيران.
وبفضل استخدام السفن الأشباح والاتفاقيات تحت الطاولة، تعمل إيران على بناء علاقاتها مع العديد من الشركاء التجاريين في جميع أنحاء العالم، وأبرزهم فنزويلا التي تخضع بدورها للعقوبات. وفي الأشهر الأخيرة، تجاهلت عدة دول العقوبات الأميركية بشكل أكثر علانية في مواجهة انعدام أمن الطاقة، مما أدى إلى زيادة بنسبة 580 في المئة في دخل النفط والمكثفات الإيرانية من مارس إلى يوليو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتقول فيليسيتي برادستوك، الكاتبة المتخصصة في الطاقة في مقال لموقع “أويل برايس”، إنه يمكن أن تؤدي إعادة تنشيط صناعة النفط الإيرانية إلى تغييرات هائلة في توقعات النفط العالمية.
وتوقع تاماس فارجا، المحلل في مجال النفط بشركة “بي في إم أويل أسوشيتس” في لندن، أن “أوبك يمكن أن تنتج بسهولة 30.5 مليون برميل يوميا إذا عادت إيران. وفي ظل هذا السيناريو، تظهر توقعات بأن خام برنت سينخفض إلى 65 دولارا للبرميل في النصف الثاني من 2023. وسيكون هذا انخفاضا كبيرا في السعر من 94 دولارا للبرميل هذا الأسبوع”.
وستساعد عودة النفط الإيراني إلى السوق على كسر الاعتماد عن أيّ قوة نفطية بعينها، حيث أجبرت العقوبات المفروضة على النفط الروسي الولايات المتحدة على اللجوء إلى السعودية للحصول على إمدادات نفطية أكبر في الأشهر الأخيرة. ومن شأن الإفراج عن النفط الإيراني أن يجعل أسعار هذه المادة أكثر تنافسية وسيعني هذا أن السعودية ليست القوة النفطية المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.
وعمدت إيران إلى زيادة إمداداتها النفطية تدريجيا في الأشهر الأخيرة، لتكون جاهزة للتصدير إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن ملفها النووي مع الولايات المتحدة.
ويوجد حوالي 93 مليون برميل من الخام الإيراني والمكثفات على السفن في الخليج العربي وفقا لشركة كبلر لتتبع السفن، رغم أن التقديرات الأخرى تشير إلى أنها قد تكون أقرب إلى 60 أو 70 مليون برميل. ووفقا لكبلر، تقدر إمدادات نفط برية أخرى بحوالي 48 مليون برميل. وهذا ما يجعل إيران في وضع قويّ للدخول في سوق يائسة لاستبدال إمدادات النفط الروسية، وعلى استعداد لاستعادة لقبها كعملاق نفطي.
لكن على الرغم من الخطوات القوية نحو التوصل إلى اتفاق نووي واستئناف صادرات النفط الإيراني، لا يرى الجميع أن هذه الفكرة جيدة. ويعتقد مستشار الأمن القومي السابق للرئيس دونالد ترامب جون بولتون أن رفع العقوبات قد يشجع إيران على الشراكة مع روسيا. ويعتقد أن النتيجة المباشرة ستكون إلغاء تجميد أصول إيرانية بالمليارات من الدولارات ستعود تحت سيطرة الدولة مع إنفاقها على برنامجها النووي ودعمها للإرهاب الدولي في الشرق الأوسط وما وراءه.
واعتبر بولتون هذا المسار بأنه خطأ من جانب إدارة جو بايدن.
وتردد هذا الرأي داخل إسرائيل التي صعّدت من خطابها ضد الصفقة مع احتدام موسم الانتخابات فيها. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد “لم تكن صفقة جيدة عند التوقيع عليها في 2015. وأصبحت المخاطر التي تنطوي عليها اليوم أكبر”. وقد يكون الضغط الإسرائيلي المتزايد على الولايات المتحدة أحد أسباب تلاشي التفاؤل بشأن الاتفاق النووي مؤخرا.
وأثبتت منظمة أوبك+ أنها تستطيع التحكم في إمدادات النفط الخام عند الضرورة، وهي التي تقرر متى تكون زيادة الإمدادات ومتى يكون ضروريا التحكم في العرض.
وفي مقال سابق لها، قللت الكاتبة إيرينا سلاف في تقرير لها بموقع “أويل برايس” من أهمية تحذيرات بعض المحللين من أن أيّ اتفاق نووي قد يؤدي إلى انخفاض النفط إلى ما دون 70 دولارا وحتى 60 دولارا للبرميل، لافتة إلى أن هذه التوقعات تناست عنصرا هاما وهو أن الأسعار لن تظل منخفضة لفترة طويلة إذا كانت أوبك+ لا تريدها أن تبقى كذلك.
ويجادل بعض المحللين بأن أوبك تريد وضع حد أدنى لسعر النفط عند 100 دولار. ومن المؤكد أن عودة النفط الخام الإيراني إلى الأسواق الدولية من شأنه أن يضر بهذه الأرضية لفترة من الوقت على الأقل.
صحيفة العرب