الترقب الإقليمي والدولي لنجاح الجولة التاسعة من المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني اتخذ مسارات مختلفة وأصبحت التوقعات تذهب نحو عدم وجود أرضية مشتركة وتفاهمات واسعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني بعد المبادرة الأوربية التي أعلن عنها المنسق الرئيسي وممثل السياسة الخارجية والأمنية المشتركة داخل الاتحاد الأوروبي(جوزيب بوريل) حيث جاء الرد الامريكي أخيرا على الطروحات الإيرانية التي وردت إلى الدول الاوربية(المانيا وبريطانيا وفرنسا) والتي اعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بليكن في التاسع من أيلول 2022 بان( الرد الاخير لإيران في شأن احياء الاتفاق النووي يمثل خطوة إلى الوراء ) ، وهذا يعني عمليا إيقاف دوران عجلة المفاوضات ومسار الحوارات والاتجاه نحو آليات جديدة لتوقيع الاتفاق النهائي حول البرنامج النووي الإيراني، ولا نستبعد أن تكون هناك معوقات أخرى تساهم في تأخير إجراء المفاوضات او الجلوس سوية بين طهران وواشنطن لإنهاء الخلافات الفنية وتبعياتها السياسية والأمنية، وما يؤكد توقعاتنا تزامن موقف الخارجية الأمريكية مع العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية ووزيرها إسماعيل خطيب بناء على اتهامات بصلتهم بهجوم الكتروني وقع في 15 تموز 2022 على دولة ألبانيا الحليفة مع واشنطن والضلوع في أنشطة اختراق الكتروني عبر الإنترنت ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وهذا ما سبق وأن حذرت منه واشنطن المسؤولين الإيرانيين وطلبت الكف عن التدخل بالشؤون الداخلية للدول الحليفة معها وعدم تهديد ال مصالح الأمريكية في أي بقعة من بقاع العالم .
تأتي هذه العقوبات لتزيد من عملية التباعد وشدة الخلافات والصراعات بين الطرفين وتنذر بعواقب وخيمة لا يتمناها الشركاء الأوربيين الساعين إلى إنهاء الحوار والتوصل إلى نتائج إيجابية حول البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية املأ في المشاركة الميدانية والاستفادة من تنفيذ العديد من المشاريع الإستراتيجية والسعي لعملية الاعمار والبناء التي سيتبناها النظام الإيراني بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنه.
لا يزال الموقف الإيراني ملتزما بشروطه القائمة على إنهاء خلافه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول عمليات التفتيش والتحقيق عن ثلاث مواقع يشتبه بانها تنتج اليورانيوم المخصب والواقعة في أطراف العاصمة الإيرانية طهران، وجاء التقرير الفصلي السري للوكالة الدولية في السابع من أيلول 2022 ليشير إلى أن الوكالة تعتقد أن إيران زادت من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب في خطوة تقنية قصيرة نحو مستويات صنع الأسلحة ، وأعربت عن مخاوفها من امتناع إيران عن المشاركة في التحقيقات المطلوبة للوصول إلى نهاية للمفاوضات وإحياء الاتفاق المشترك.
ترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تمتلك (55,5 ) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% بزيادة تقدر ب12,5 كغم مقارنة بشهر أيار الماضي وان الخبراء يرون أن إيران لها ما يكفي من اليورانيوم لإعادة معالجته وتحويله إلى وقود لصنع قنبلة نووية واحدة على الأقل، ومن تاريخ 21 آب 2022 يبلغ مخزون إيران من اليورانيوم المخصب(3621,2) كغم بزيادة (365,5) كغم عن التقرير الفصلي السابق وهذا يعني أن إيران تواصل الالتفاف على نقاط الاتفاق المشترك الموقع في اب 2015 وتستمر في زيادة تخصيب كميات من اليورانيوم وتوسيع دائرة استخدام إعداد الطرد المركزي ، وقد رفضت إيران النقاط الواردة في التقرير الفصلي الوكالة الدولية وأعتبرتها اتهامات متكررة وادعاءات سابقة لا أساس لها من الصحة والغرض منها سياسي حسب ما جاء بتصريح المتحدث الرسمي باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية(بهروز كمالوندي) ولكنها ترى من المناسب انها لا زالت حريصة على حضور جلسات المفاوضات والتحاور حول إنهاء ملف البرنامج النووي، والبارز في تقرير الوكالة أن روسيا قد حذرت وعلى لسان (ميخائيل اوليانوف) ممثلها في المنظمات الدولية بالعاصمة النمساوية فيينا من إصدار قرار جديد يدين إيران خلال الاجتماع القادم لمحافظي الوكالة هذا الاسبوع ، وهذا يتناسب والاتفاقيات الدولية واللقاءات الثنائية التي برزت خلال الأسابيع الأخيرة بين روسيا وإيران وعلى خلفية المعلومات التي أشارت إلى قيام النظام الإيراني بتزويد روسيا بعدد من الطائرات المسيرة لاستخدامها في مواجهتها العسكرية مع أوكرانيا وهو الأمر الذي صعد من أوجه المواجهة الميدانية والرفض الأمريكي للتوجهات الإيرانية والتعاون العسكري بينها وبين موسكو واعتبرتها التفاف على العقوبات المفروضة عليها مما أدى إلى فرض عقوبات على شخص متورط بشحن طائرات مسيرة ايرانية إلى روسيا ومعه أربعة آخرين ذوصلة بأنشطة الطائرات المسيرة الميدانية إنتاج سلسلة شاهد من الطائرات والمكونات ذات الصلة بالحرس الثوري الإيراني وحسب التقارير والمعلومات الاستخبارية الأمريكية ،وحذرت واشنطن من انها ستعمل على منع شبكات المشتريات التي تزود إيران بالمواد والتكنلوجيا ذات الصلة بالطائرات المسيرة وردعها وتفكيكها.
يبقى الموقف الميداني من موضوع إعادة جدولة المفاوضات وجلسة الحوارات مقرون بالوصول لتفاهمات واتفاقيات أمريكية ايرانية ينتظرها الحلفاء والشركاء الاوربين لإنهاء ملف البرنامج النووي الذي يرى فيه جون كيربي المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الابيض (انهم لم يعودوا قريبين من أي اتفاق كما كانوا من قبل وان صبرهم بدأ ينفذ ) ، ولكن الرئيس جو بايدن لا يزال مؤمنا أن الدبلوماسية هي أنسب الطرق لإنهاء الخلافات وتحسين المواقف ضمانة للامن القومي الأمريكي.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط.للبحوث والدراسات الاستراتيجية