تبادلت كل من أذربيجان وأرمينيا الاتهامات بالتسبب في تصعيد عسكري أخير على الحدود بين البلدين، يضيف موجة جديدة من مواجهات متبادلة لا تتوقف لفترة قصيرة إلا وتعود إلى الاندلاع منذ بدء النزاع القديم حول منطقة ناغورنو قرة باغ. وإذ تزعم يريفان أن القوات الأذربيجانية بدأت جولة العنف بمهاجمة مواقع أرمينية في ثلاثة مواقع استُخدمت خلالها المدفعية والأسلحة الثقيلة، ترد باكو بزعم مضاد يفيد بأن القوات الأرمنية هي التي ابتدأت بالاستفزاز وتوغلت في مناطق حدودية وباشرت بزرع الألغام.
ورغم إعلان رئيس الوزراء الأرمني مقتل 49 جندياً أرمينيا في هذه الاشتباكات الأحدث، فإن المعطيات حتى الساعة لا تشير إلى ميادين قتال أوسع نطاقاً وأشد عنفاً، على غرار ما شهدته المناطق ذاتها في خريف 2020 حين انتهت المعارك إلى نجاح أذربيجان في استعادة أجزاء كبيرة من المنطقة المتنازع عليها، واضطرار أرمينيا إلى تقديم تنازلات ملموسة. غير أن الوضع يبقى على حال عالية من التوتر، ولا يلوح أن قوات حفظ السلام الروسية التي نُشرت بموجب اتفاقية 2020 قادرة على ضمان وقف لإطلاق النار بين الطرفين يتسم بالثبات والديمومة، كما لا يُرجح أن تلجأ موسكو إلى تفعيل معاهدة الأمن الجماعي التي تضم أرمينيا وتقودها موسكو.
من جانب آخر، غرد وزير الخارجية التركي بما يوحي تحميل أرمينيا مسؤولية التصعيد الأخير، داعياً إياها إلى «التوقف عن استفزازاتها» ضدّ أذربيجان، الأمر الذي انطوى على التذكير بالدور التركي الحاسم في إنهاء جولة 2020 لصالح الطرف الأذربيجاني. كذلك لم تغب وزارة الخارجية الإيرانية عن المشهد، مبتدئة من لغة دبلوماسية في دعوة الطرفين إلى «ضبط النفس» ولكن منتهية إلى رفض «إجراء أي تغيير في الحدود الجغرافية بين البلدين» وهذا أيضاً يعني التذكير بالمصالح الإيرانية في النزاع.
وينخرط البلدان في صراع يدور منذ عقود حول تابعية منطقة ناغورني قرة باغ من زاوية أن غالبية سكانها من الأرمن لكنها تتبع سيادياً إلى أذربيجان منذ حقبة الاتحاد السوفييتي، الذي أسفر تفككه عن إعلان مجموعات من سكان المنطقة استقلالهم وتأسيس جمهورية آرتساخ بمساندة من أرمينيا. وبين جولات كرّ وفرّ في معارك متعاقبة بين البلدين، أسفرت في سنة 1994 عن انتصار أرمينيا وفي سنة 2020 عن انتصار أذربيجان، ظلت النار متقدة تحت رماد قديم، وبقي استئناف الجولات مسألة وقت وسياقات ملائمة.
بذلك فإن الرجوع إلى القانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة حول النزاع هو العتبة الأولى إلى مفاوضات مجدية يمكن أن تقود إلى تسوية شاملة على أصعدة الخلافات الحدودية والديمغرافية بصفة خاصة، لا سيما أن المجتمع الدولي بما في ذلك أرمينيا ذاتها لا يعترف بالكيان الانفصالي، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 822 يطالب القوات الأرمنية بالانسحاب من الإقليم، فضلاً عن وجود «مجموعة مينسك» التي تضمّ روسيا والولايات المتحدة وفرنسا. الخيار العسكري طُرح مراراً على طاولة النزاع، ولكنه لم يكن في أي يوم مدخلاً صالحاً لحلول متكاملة ودائمة.
القدس العربي