يبدو أن طول مدة الانسداد السياسي في العراق الذي سيقارب العام بدأ يؤثر بشكل كبير على المواقف السياسية لكثير من الكتل السياسية، وخصوصاً “الإطار التنسيقي” الذي يضم مجموعة من القوى الشيعية المنافسة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي ربما تكون لديه مطالب محددة تتمثل في حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وإبقاء رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي على رأس السلطة للإشراف على الانتخابات البرلمانية الجديدة، الأمر الذي ترفضه بعض قوى “الإطار” وتؤيده قوى أخرى داخله بشكل غير مباشر.
العامري والعبادي
ومنذ اشتباكات المنطقة الخضراء في نهاية أغسطس (آب) الماضي كان واضحاً أن هناك مواقف وآراء مختلفة داخل “الإطار التنسيقي” من الأزمة الحالية تمثلت بطرح زعيم تحالف “الفتح” ومنظمة “بدر” هادي العامري لرؤية واضحة تتضمن حل البرلمان ومنع أي اقتتال طائفي، داعياً في مناسبات عدة إلى تقديم تنازلات من قبل جميع الأطراف السياسية لحل الأزمة الراهنة.
ويقف مع العامري في هذا الموقف أيضاً زعيم ائتلاف “النصر” ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي دعا، خلال الأيام الماضية، إلى حل البرلمان ورسم خريطة طريق تتضمن تقديم تنازلات من “الإطار” وباقي الكتل السياسية للحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد كأساس لإجراء انتخابات مبكرة.
المالكي والحكيم والخزعلي
لكن المواقف السياسية لكل من زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي وزعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم والأمين العام لـ “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، رفضت حل البرلمان بأي شكل من الأشكال ودعت إلى تشكيل حكومة من قبل “الإطار التنسيقي” ومن ثم التفكير بحل البرلمان وإقامة انتخابات مبكرة.
وكان الرأي الأكثر تعبيراً عن هذه المواقف هو بيان المالكي الأخير بعد قرار المحكمة الاتحادية برد دعوى حل البرلمان، ودعا فيه إلى ترك موضوع حل البرلمان وعدم إشغال الشارع العراقي في شأنه والتركيز على تشكيل حكومة جديدة يرأسها مرشح “الإطار التنسيقي”.
الانشقاق متوقع
ورأى المتخصص في العلوم السياسية عصام الفيلي إمكانية حدوث انشقاق بين قوى “الإطار” لوجود عدد من التيارات مختلفة التوجهات داخله، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن أي حكومة “إطارية” لن تصمد طويلاً. وقال الفيلي إن من الممكن أن يكون هناك انشقاق واضح داخل “الإطار” لوجود خلاف بين قوى عدة بدأ منذ تولي حيدر العبادي، إذ “عندما رشح الصدر العبادي في حكومة 2018 كان هناك اعتراض واضح من المالكي”، مبيناً أن بعض قيادات “الإطار” في حينها لم ترَ أن العبادي ينسجم مع مشروعها، لا سيما في موضوع الجنود الفضائيين وكثير من الملفات التي أثارت الأطراف الأخرى.
قوى الاعتدال
أضاف الفيلي أن قوى الاعتدال داخل “الإطار” مثل هادي العامري وفالح الفياض وبقية الجهات التي لا تريد أن يصل البيت الشيعي إلى حال الاقتتال، تؤمن أن تكون المرحلة المقبلة انتقالية تؤسس لمشهد سياسي جديد، فيما الأطراف المتشددة، وهي الجناح اليميني لـ “الإطار” تسعى إلى تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تمتد لأربع سنوات ما يقلق الطرف الأول.
الإشكالات كبيرة
واعتبر الفيلي أن طبيعة الإشكالية بين هذه الأطراف كبيرة جداً ولا يمكن أن تحل إذا لم يكن هناك تنازل، وهذا ما قاله العامري، مشيراً إلى أن الصراع محتدم وعالي السقف بين هذه القوى. وتابع أن أي حكومة “إطارية” ستتشكل بعيدة عن الإرادة الوطنية عمرها لن يكون طويلاً وقد تستتمر شهرين أو ثلاثة لكونها ستكون بمواجهة تظاهرات عارمة وقد تضطر القوى القابضة للسلطة إلى استخدام السلاح، مؤكداً أن المجتمع الدولي غير مستعد لبقاء حكومة تقمع شعبها وسيدخل على خط الأزمة وربما يتم فرض وصاية على أموال العراق.
بقاء الكاظمي
واعتبر الفيلي أن أحد الحلول الأقل خسارة بقاء الكاظمي بمنصبه كحل وسط لأنه سيرضي جميع الأطراف بمن فيهم السنة والأكراد والصدر، فضلاً عن المجتمع الدولي ليتم بعدها تشريع قانون الانتخابات.
تيارات مختلفة
ورأى رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن “الإطار التنسيقي” يمثل مجموعة من التنظيمات والأحزاب الشيعية المختلفة المتشددة والتيارات الوسطية. وقال فيصل “الإطار يمثل مجموعة من التنظيمات والأحزاب الشيعية منها ما هو راديكالي متشدد وحليف وثيق للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس ويقلد المرجع الإمام الخامنئي وينفذ فتواه، وتيارات شيعية في الإطار قريبة من إيران، لكنها تتمتع بقدر من الاسقلالية والمرونة السياسية في مواقفها الوطنية والإقليمية”. وأضاف أنه “من الممكن أن نميز بوضوح بين العامري والعبادي كشخصيات متوازنة وسطية معتدلة إلى جانب أحزاب وشخصيات أخرى يمكن أن تتسم بالاعتدال والذهاب باتجاه موقف يقول بعدم إقصاء وعزل التيار الصدري باعتباره تياراً مهماً وله دور شعبي واسع النطاق، لا سيما بين الطبقات الفقيرة في بغداد والوسط والجنوب”.
الثلاثي المتطرف
وأكد فيصل وجود تيار متشدد يمثله الثلاثي المالكي والحكيم والخزعلي ويتبنى سياسة مختلفة عن السياسات المرنة لكل من العبادي والعامري التي تؤكد عدم إعطاء فرصة للحوار أو تغيير المرشح محمد شياع السوداني إذا كان يشكل مشكلة أمام الحوار، لافتاً إلى أن “الإطار التنسيقي” يتحمل مسؤولية الانسداد السياسي.
“الإطار” متماسك
في المقابل نفى الباحث في الشأن السياسي المقرب من “الإطار التنسيقي” حيدر البرزنجي أن يكون هناك انشقاق داخل “الإطار”. وقال “الحديث عن انشقاق داخل الإطار صناعة إعلامية استخدمتها الجيوش الإلكترونية التابعة للكاظمي في هذه الأوقات الحساسة لكونها تعلم أن وقت الحسم اقترب وأرادت أن تحدث شيئاً ممكناً يتغلغل داخل الأوساط الاجتماعية على أقل تقدير”، مضيفاً “هناك تعدد أدوار ووجهات نظر داخل الإطار والجميع متفق في الجلسة الأخيرة للإطار على عدم التجديد للكاظمي، وآخرهم هادي العامري بالقول إن من حاول أن يختلق قتالاً شيعياً – شيعياً ولم يحافظ على هيبة الدولة ومؤسساتها غير مؤهل أن يكون رئيس وزراء للمرحلة المقبلة”.
مؤامرات؟
وكان الأمين العام لـ “حركة العراق الإسلامية” (الجناح المسلح لكتائب الإمام علي) شبل الزيدي انتقد بشدة بعض قيادات “الإطار” واتهمها بالعيش في جو المؤامرات ورفض إيجاد حلول لأغراض حزبية، في إشارة واضحة إلى زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي.
وعن إمكانية عقد “الإطار” جلسة للبرلمان لاختيار رئيس الوزراء بين البرزنجي أن “هناك اجتماعاً للقوى السياسية الكردية، وإذا تم الحسم الكردي في شأن منصب رئيس الجمهورية فسنشهد جلسة خلال أيام”.
وكان مقرر مجلس النواب العراقي غريب عسكر كشف عن وجود اتفاق مبدئي بين رئاسة مجلس النواب والكتل السياسية على استئناف عقد الجلسات التشريعية بعد انتهاء مناسبة زيارة “الأربعين” في مدينة كربلاء.
وتدور خلافات بين الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حول مرشح رئيس الجمهورية، إذ تقدم 30 مرشحاً لشغل المنصب، إلا أن المنافسة محصورة بين مرشحي الحزبين.
اندبندت عربي