علي العريض الحلقة الأضعف في ملف التسفير

علي العريض الحلقة الأضعف في ملف التسفير

تونس- ترى أوساط سياسية تونسية أن توقيف علي العريض، القيادي في حركة النهضة ووزير الداخلية السابق، أمر متوقع كونه الحلقة الأضعف في ملف تسفير الآلاف من الشبان التونسيين إلى ليبيا وسوريا، معتبرة أن أيّ شخص آخر من النهضة، بمن في ذلك رئيس الحركة راشد الغنوشي، يمكن أن ينفي أيّ علاقة له بالملف، لكن العريض لا يمكنه أن ينفي عدم معرفته بالتسفيرات بحكم موقعه على رأس المنظومة الأمنية التونسية في حينها.

وقالت الأوساط السياسية التونسية إن العريض هو الأقرب لتلقي الاتهام من القضاء أو من الجهات السياسية المهتمة بهذا الملف، أو من النشطاء على مواقع التواصل، فهو وزير الداخلية الذي تتجمع عنده الخيوط والمعلومات، والذي يفترض أن يتدخل بشكل مباشر لتفكيك الشبكات التي نظمت عمليات التسفير، ولا يمكنه القول إنه لا يعلم خاصة أن ما جرى ليس حادثا معزولا بل عمليات منظمة قادت إلى تسفير الآلاف من الشباب إما نحو ليبيا ثم تركيا ثم سوريا، أو عبر رحلات جوية نحو تركيا ثم سوريا.

وتساءلت هذه الأوساط إن كان وزير الداخلية في أول حكومة شكلتها النهضة بعد 2011 ثم رئيسا للحكومة الموالية لا يعلم، فمن يعلم بتفاصيل هذا الملف؟ وإذا كان لا يعلم فلماذا صمت وقتها ولم يسع إلى الكشف عن الشبكات التي تقف وراء تلك الرحلات، وهو الذي كان يمتلك تحت يده أجهزة مختلفة من الشرطة المتخصصة في التحقيق وتفكيك مختلف الجرائم المنظمة؟

وكانت شرطة مكافحة الإرهاب في تونس قررت توقيف العريض لمدة يوم بعد ساعات من التحقيق معه بشبهة تسفير جهاديين إلى سوريا.

وقال المحامي مختار الجماعي إن العريض سيمثل أمام قاض بقطب مكافحة الإرهاب اليوم الأربعاء.

واعتبر سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن الغنوشي ونائبه العريض، أن “قرار الاحتفاظ (توقيف) بالعريض قرار مؤسف جدًا وليس هناك ملفّ اسمه ملف التسفير نحو بؤر التوتر”.

وخلال الأسابيع الماضية ألقت السلطات القبض على عدد من المسؤولين الأمنيين السابقين وعضوين من حركة النهضة بتهم تتعلق بتسفير تونسيين من أجل الجهاد، من بينهم الحبيب اللوز القيادي التاريخي ورئيس جمعية الدعوة والإصلاح. كما حُبس محمد فريخة القيادي السابق بالنهضة وصاحب شركة طيران خاصة في ما أصبح يعرف في تونس بقضية “تسفير الجهاديين إلى سوريا”.

ويعتبر توقيف علي العريض في هذا الملف الحساس تحديا حقيقيا أمام النهضة، فهو تاريخيا الرجل الثاني في الحركة بعد الغنوشي. وعرف عنه تجنب الأضواء قبل الثورة وبعدها ونأيه عن الخلافات مع الغنوشي على عكس قياديين سابقين مثل حمادي الجبالي وعبدالحميد الجلاصي.

والعريض في نفس الوقت هو الرجل الأول في إدارة التنظيم، ما يعني أنه عارف بخطط الحركة وما إذا كان لها دور في ملف التسفير أم لا سواء كموقف رسمي أو من خلال أدوار تركت لبعض قيادييها الذين عرفوا بدعمهم لما جرى من احتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد في بداية ثورات الربيع العربي.

ويعتقد مراقبون تونسيون أن نتيجة التحقيق مع العريض ستكون محددة بالنسبة إلى حركة النهضة، فهي إما ستبرّئها من التهم أو أنها ستفتح عليها أبوابا كثيرة للتحقيق في ملفات حساسة مثل التسفير والتمويل الخارجي وملف الاغتيالات.

وتولّى العريض حقيبة وزارة الداخلية من ديسمبر 2011 إلى مارس 2013، خلال حكومة الائتلاف بين حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. كما تولّى رئاسة الحكومة في الفترة من مارس 2013 إلى يناير 2014.

ورغم تصريحات صادرة عن قياديين في الحركة تعتبر أن الاعتقالات جزء من حملة ضد الحركة وأن الهدف إلهاء الشارع التونسي عن الأزمة الاقتصادية، فإن ما يلاحَظ هو ظهور حالة من الارتباك في مواقف هؤلاء القياديين في الوقت الذي تعرف فيه الحركة أن فتح ملف التسفير والتعمق فيه وإيجاد أيّ روابط للحركة أو لبعض عناصرها به سيقود إلى تعقيد الوضع، خاصة في ظل الدعوات المنادية بحل الحزب بعد ما جاء في تقرير دائرة (محكمة) المحاسبات بشأن التمويل الخارجي المعروف بقضية اللوبيينغ.

وبدأت التحقيقات إثر شكوى تقدمت بها النائبة السابقة فاطمة المسدي في ديسمبر 2021 إلى القضاء العسكري، قبل أن يتخلى عنها لفائدة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب باعتبار وجود أشخاص مدنيّين من بين المشتكى بهم.

وترتبط القضية بشبكات التسفير إلى سوريا للقتال هناك والتي نشطت خلال السنوات الأولى غداة الحرب الأهلية في سوريا. وتنفي حركة النهضة أيّ صلات لها بتلك الشبكات.

وقدرت مصادر أمنية ورسمية في السنوات الماضية أن نحو 6000 تونسي توجهوا إلى سوريا والعراق في العقد الماضي للانضمام إلى الجماعات الجهادية، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية. وقُتل الكثيرون هناك بينما فر آخرون إلى بلدان أخرى وعاد البعض الآخر إلى تونس.

واتهمت الأحزاب العلمانية في تونس حركة النهضة بالتساهل مع إسلاميين متشددين أثناء فترة حكمها بعد الثورة وحث الشبان في المساجد والاجتماعات الخاصة على الجهاد في سوريا، وهو أمر تنفيه الحركة باستمرار.

العرب