رغم عدم وجود مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية اللبنانية خلفا للرئيس المنتهية ولايته ميشال عون، إلا أن المرشحين التقليديين بدأوا حملاتهم الانتخابية باستعراض الأطراف التي تدعمهم.
بيروت – مع بدء العد العكسي لانتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية المفترضة قبل نهاية أكتوبر القادم، لا يزال حزب الله متكتما عن مرشحه لقصر بعبدا، إلا أن ما يتكتم عنه الحزب أخرجه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى العلن.
وقال فرنجية في مقابلة مع إحدى القنوات المحلية إنه متفاؤل أكثر من أي وقت مضى بالوصول إلى قصر بعبدا، مؤكدا “لست مرشح حزب الله لكن الحزب يرتاح لي لأنني لا أطعنه”.
وقالت مصادر سياسية لبنانية إن فرنجية تلقى ضوءا أخضر من حزب الله وحليفته حركة أمل التي يقودها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري للبدء في جس نبض مختلف الفرقاء تمهيدا لإعلانه مرشحا رئيسيا.
وأضافت المصادر أن تصريحات فرنجية تؤكد سقوط رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من حسابات حزب الله الرئاسية وهو ما استشفه الرئيس اللبناني ميشال عون (صهر باسيل) في وقت سابق عندما صرح بأن “حزب الله تخلى عني”. وأكد فرنجية ذلك بالقول “سابقا كان هناك وعد أساسي من الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لرئيس الجمهورية ميشال عون إلا أن اليوم لا وعد لأحد”.
بول مرقص: المرشح بحاجة إلى صفقة سياسية ما للوصول إلى الكرسي
ووقف فرنجية في منطقة رمادية عندما تعلق الشأن بتحييد سلاح حزب الله، وهو ما اعتبرته أوساط سياسية مغازلة مضمونة الوصول لحزب الله مفادها أن سلاحه لن يكون محل نقاش فيما لو أصبح رئيسا للجمهورية. وقال فرنجية “موضوع سلاح حزب الله هو موضوع إقليمي والمزايدات توصل إلى التشنّجات”، مؤكدا أن “موقف المقاومة هو موقف قوّة للبنان”.
وفي الانتخابات الرئاسية سنة 2016، التي أوصلت عون إلى سدة الرئاسة، كان فرنجية مرشح حركة أمل الشيعية (حليفة حزب الله)، إلا أن حزب الله خير في نهاية المطاف دعم عون الذي يؤمن أجنداته ومصالحه في تلك المرحلة.
ويقول محللون إن المعادلة الآن تغيرت ومصالح حزب الله أيضا تغيّرت وأن الحزب لن يعيد ترشيح قائد التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي كان عون يقوده في 2016.
ويملك حزب الله وحلفاؤه عامل قوّة من خلال رئاسة الجمهورية المحسوبة عليه وهو غير مُستعدّ لخسارة هذا المكسب، لاسيّما في ظلّ تأزّم العلاقة مع العديد من المكوّنات المسيحية نتيجة التحريض عليه سياسيا وإعلاميّا، لذلك هو غير مستعدّ للتنازل عن هذا المكسب لأيّ طرف آخر بهدف إبقاء الخطوط مفتوحة وإعادة الأمور إلى طبيعتها.
وأمام حزب الله، الذي أثبتت المعطيات أنّه تراجع نوعا ما في الانتخابات، مرشّحَان هما فرنجية وباسيل وبما أنّ الثاني لن يصل بسهولة فإنّ الاتفاق على تسمية فرنجيّة هو الأقرب إلى الواقع لسببين: أولهما أنّه من فريق 8 آذار وما يُرافق ذلك من كسر جليد مع باسيل وعودة الأمور إلى طبيعتها شيئا فشيئا.
وثانيهما قبوله من كافة الأطراف بما فيها جزء من المسيحيين باستثناء الطامحين إلى رئاسة الجمهوريّة وعلاقته المميزة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومع العديد من المرجعيّات الكنسيّة على أنواعها.
ويرصد الجميعُ المرشحين الذين تدعمهم البطريركية المارونية للرئاسة بعدما تبنت في عام 2016 ترشيح أحد “الأقوياء”، أي الذين يتمتعون بتمثيل شعبي، وهم، إلى جانب عون في ذلك الوقت، رئيس تيار المردة فرنجية ورئيس حزب القوات سمير جعجع إضافة إلى رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل.
ويشكل طرح حزب الله لفرنجية كرئيس للجمهورية طمأنينة إلى أفرقاء عدّة مثل الحزب التقدّمي الاشتراكي وتيار المستقبل الذي تجمعه برئيسه علاقة ممتازة وحركة أمل وللمستقلين المسيحيين، لما يحتفظ به فرنجية من علاقات جيّدة مع الدول العربية والغربية لاسيما روسيا وفرنسا وهذا ما تجلى في ترشيحه من قبلها جميعا عام 2016، ما سيسهل تمرير اسمه كمرشح جدي للرئاسة.
ويُمكن لأيّ اسم آخر يُطرح أن يُشكّل حالة تصادميّة، لكن بوجود إجماع محلي وعربي ودولي فإنّه من السهولة لفرنجية أن يَصل بأكثريّة نيابيّة مَقبولة لاسيما بعد “بروفة” المجلس النيابي وإمكانيّاته المُتاحة للتعامل جيدا مع المكوّن المسيحي في البلد.
سمير جعجع يتمتع بعلاقة جيدة مع السعودية كما أنه يشترك معها في مواجهة أجندات حزب الله وحلفائه
وكان رئيس حركة أمل نبيه بري قد عارض تزكية الرئيس عون وعبّر عن دعمه لفرنجية قبل أن يحسم حزب الله الأمر لصالح عون، إلا أن محللين يؤكدون أن هذا السيناريو لن يعاد في الانتخابات الرئاسية المرتقبة لصالح باسيل.
وفي انتخابات 2016، انتخب حزب الله عون رغم أن حليفته الشيعية حركة أمل رفضت ذلك، ودفعت باتجاه انتخاب فرنجية رئيسا للبنان، لكن حزب الله استطاع في نهاية المطاف تمرير رؤيته للشخص الأقدر على تأمين مصالحه في ذلك الوقت.
ويقول رئيس منظمة جوستيسيا القانونية بول مرقص إن “المرشح التقليدي بحاجة إلى صفقة سياسية ما وتسوية كي يحصل على الأصوات اللازمة لوصوله إلى كرسي الرئاسة”.
وفي المقابل، يعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية جعجع مرشحا طبيعيا لرئاسة لبنان، لكنه يقول إنه منفتحٌ على الانسحاب لأي مرشح يلبّي مواصفات حزبه. وقال جعجع، الذي يتردد أنه يحظى بدعم سعودي، إنه مستعد للترشح ممثلا عن المعارضة لانتخابات الرئاسة وهو ما يضعه في مواجهة فرنجية مرشح حزب الله.
ويتمتع جعجع بعلاقة جيدة مع السعودية كما أنه يشترك معها في مواجهة أجندات حزب الله وحلفائه. ويشير محللون إلى أن التوافق على اسم الرئيس لم يكن شرطا داخليا فقط، بل يتأثر أيضا بالمناخات والتوجهات الإقليمية والدولية، وفي مقدمها إيران والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة.
العرب