بيان السياسة العامة لمواجهة الملفات الحارقة.. الجزائريون في انتظار الملموس

بيان السياسة العامة لمواجهة الملفات الحارقة.. الجزائريون في انتظار الملموس

رغم استفادة الجزائر ماديا واقتصاديا من تداعيات الأزمة الأوكرانية فإن ذلك لم ينعكس إيجابا على وضع المواطن الذي يعاني من التضخم، حيث يرى مراقبون أن بيان السياسة العامة الذي طرحته الحكومة لا يزال حبرا على ورق ولم يترجم إلى إنجازات ملموسة في ظل أزمة سياسية.

الجزائر – يعرض رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن بيان السياسة العامة لحكومته على البرلمان، بالتوازي مع دخول اجتماعي منهك بالإكراهات الاجتماعية والاقتصادية، وبانتظارات الجزائريين للملموس بدل الحديث عن إنجازات على الورق.

ويذهب مطلع شهر أكتوبر القادم رئيس الوزراء إلى البرلمان للمرافعة لصالح بيان السياسة العامة للحكومة، وسط ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة وانتظارات متراكمة للشارع الجزائري، المنهك بمختلف التداعيات التي أفرزتها جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية.

ورغم موجة التضخم التي اجتاحت العالم والتراجع الكبير في القدرة الشرائية تبقى الجزائر من الدول التي استفادت من الأزمة الأوكرانية أو أنها عوضت خسائرها بسبب الارتفاع اللافت في أسعار النفط والغاز، مما وفر للخزينة موارد جديدة بإمكانها تغطية بعض التكاليف الاجتماعية والاقتصادية.

الشارع لا يهمه من الحسابات إلا القدرة الشرائية، ولذلك فإن انتظاراته تبقى بعيدة عن حصيلة الحكومة

وفي هذا الشأن يتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع مداخيل الجزائر خلال العام الجاري الى 56 مليار دولار، وهو ما يمثل ضعف مداخيل العام الماضي، الأمر الذي يعكس ارتياح الحكومة للمؤشرات المستجدة، وحديثها عن إنجازات ومكاسب في ما تسميه بـ”العام الاقتصادي”، وتقصد بذلك العام الجاري.

وأمام تسجيل العملة المحلية لمكاسب غير مسبوقة في الآونة الأخيرة أمام الدولار الأميركي واليورو فإن الشارع لا يعترف إلا بالنتائج الملموسة في حياته اليومية، ولا يهمه من الحسابات إلا القدرة الشرائية، ولذلك فإن انتظاراته تبقى بعيدة عن حصيلة الحكومة، في ظل الارتفاع الفاحش في الأسعار وتفشي البطالة وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.

وذكر بيان السياسة العامة للحكومة والذي يتحدث عن فترة تمتد بين سبتمبر 2021 وسبتمبر 2022، بأن “الفترة المعنية اتسمت بظرف وطني ودولي معقد للغاية، تميز بتواتر الآثار الناجمة عن جائحة كوفيد – 19، ثم عن نشوب النزاع في أوكرانيا وتداعياته على الصعيد الدولي”.

وأضاف “مراعاة لهذا الظرف الوطني والدولي الخاص، وضعت الحكومة سياستها القطاعية حيز التنفيذ بما يسمح بتجسيد الأهداف التي تم تحديدها مسبقا في مخطط عملها، والتي تضمنت خمسة فصول أساسية”.

وقد حصر برنامج الحكومة الفصول، في تعزيز دولة القانون وتجديد الحوكمة، وإنعاش الاقتصاد وتجديده، وتنمية بشرية وسياسة اجتماعية مدعمة، وسياسة خارجية نشطة واستباقية، الى جانب تعزيز الأمن والدفاع الوطنيين.

ولفت البيان إلى أن الحكومة عكفت على استكمال مسار البناء المؤسساتي المقرر بموجب الدستور، مع وضع المؤسسات الرقابية والهيئات الاستشارية، على غرار المحكمة الدستورية، والسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والمرصد الوطني للمجتمع المدني، والمجلس الأعلى للشباب، والأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيات، وعصرنة العدالة وتعزيز استقلاليتها وتحسين نوعية الخدمة المقدمة، وعصرنة أداء الإدارة العمومية وتحسينه، وتسهيل الإجراءات الإدارية وتبسيطها وتكثيف عمليات الرقمنة.

وفي المقابل تبقى شرعية المؤسسات المنتخبة التي أفرزها الفصل المذكور، بسبب المقاطعة الشعبية الواسعة للاستحقاقات الانتخابية، أكبر عائق أمام مدى تمثيلها الحقيقي للشارع الجزائري، ويمدد من عمر أزمة سياسية تنخر البلاد، ولعل الغموض والانتقادات المحلية والدولية للوضع الحقوقي في البلاد أكبر دليل على أن إصلاحات الحكومة لم ترق إلى التطلعات السياسية للشارع الجزائري.

وبشأن الإنعاش والتجديد الاقتصاديين، ذكر بيان الحكومة بأن “أهم التدابير المتخذة من طرف الحكومة تمثلت في تعزيز دعائم النمو، وتطوير القطاعات الإستراتيجية الواعدة بالنمو، وتثمين الإنتاج الوطني، وتطوير منشآت الدعم الأساسية، وتعزيز اقتصاد المعرفة والتعجيل بوتيرة التحول الرقمي، عبر المرور بتحديث النظام المصرفي والمالي بالمراجعة المقبلة لقانون النقد والقرض، وتحسين مناخ الأعمال، لاسيما من خلال إصدار القانون المتعلق بالاستثمار، وترقية المقاولاتية وبالأخص من خلال استحداث القانون الأساسي للمقاول الذاتي، وإنشاء شكل قانوني جديد بالنسبة إلى المؤسسات الناشئة وتطهير العقار الصناعي”.

رغم موجة التضخم التي اجتاحت العالم والتراجع الكبير في القدرة الشرائية تبقى الجزائر من الدول التي استفادت من الأزمة الأوكرانية وعوضت خسائرها بسبب الارتفاع اللافت في أسعار النفط والغاز

وأضاف “بغية تعزيز الرصيد البشري وتحسين الحماية الاجتماعية، عملت الحكومة على تعزيز قطاعات الصحة، والتربية الوطنية، والتعليم العالي، وتحسين إطار معيشة المواطن، وتدعيم السياسة الاجتماعية نحو المزيد من الفعالية والإنصاف، عبر تسخير الوسائل المادية والبشرية الضرورية لتحسين نوعية الخدمات العمومية وتوسيع تغطيتها الإقليمية، لاسيما من خلال تعزيز التنقل وتطوير المنشآت الأساسية في ظل احترام البيئة والتنمية المستدامة، فضلا عن إيلاء عناية خاصة لتحسين القدرة الشرائية للمواطن، وتعزيز أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد من خلال إعادة تثمين الأجور ومعاشات التقاعد، وتأسيس منحة البطالة، وغيرها من التدابير الرامية إلى استقرار الأسعار”.

ولأول مرة في مسار الحكومات الجزائرية المتعاقبة تم إدراج الدبلوماسية والشؤون الخارجية ضمن برنامج الحكومة في إطار ما أسمته بـ”الدبلوماسية الاستباقية”، عبر ما قال عنه البيان “عصرنة أدواتها وتعزيز مواردها البشرية بمضاعفة عمليات التكوين وتعزيز مكانة الشباب والعنصر النسوي في الجهاز الدبلوماسي”.

لكن اللافت أن البلاد دخلت في أزمات متصاعدة خلال السنوات الأخيرة، بدأت مع فرنسا ثم المغرب وبعدهما إسبانيا، مقابل تنشيط بعض المحاور المرتبطة مع روسيا والصين وإيطاليا، والسعي بكل الوسائل لاحتضان القمة العربية الحادية والثلاثين مطلع شهر نوفمبر المقبل.

كما عملت الحكومة على ما أسمته، بـ”تعزيز الأمن والدفاع الوطنيين لمواكبة الظرف الجهوي والدولي المضطرب، والسهر على تأمين الحدود والحفاظ على السلامة الترابية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتطوير الدفاع السيبراني وتطوير الصناعة العسكرية، إلى جانب تعزيز علاقات التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف”.

ويجهل إلى حد الآن، إن كان بإمكان نواب البرلمان طرح الانشغالات الدبلوماسية والدفاعية للنقاش، بعدما قرر الرئيس عبدالمجيد تبون استثناء مسائل الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية من المساءلة، رغم أنه لا يوجد ما يمنع ذلك في دستور البلاد، الأمر الذي أثار حينها جدلا في البلاد، حول دور البرلمان وصلاحياته كمؤسسة رقابية لعمل الأجهزة التنفيذية.

العرب