تكاد الاحتجاجات لا تتوقف في إيران، مرة لأسباب اجتماعية وأخرى لأسباب اقتصادية وهو ما يشير إلى عمق الأزمات الداخلية التي يواجهها النظام ويتعامل معها بالتجاهل واللامبالاة مقارنة بملفات خارجية.
طهران – يعكس تفاعل الشارع الإيراني مع حادثة وفاة الشابة مهسا أميني الشرخ الموجود بين الشعب والنظام الذي لا يبالي بالأزمات الداخلية خاصة الاقتصادية والاجتماعية ويصب تركيزه على الملفات الخارجية خاصة النفوذ الإقليمي والملف النووي.
ويرى المحلل الأميركي من أصل إيراني راي تقية أنه رغم الاحتجاجات واسعة النطاق التي فجرتها وفاة مهسا أميني لدى احتجازها في مركز للشرطة الإيرانية بعد القبض عليها بسبب خرقها لقواعد الزي الإسلامي، يشير خطاب رئيس البلاد إبراهيم رئيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا إلى أنه من غير المرجح أن يخفف النظام موقفه تجاه الشعب أو الغرب.
وقال تقية، وهو خبير في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، في تقرير إنه مازال يتعين النظر إلى هذه المظاهرات على أنها جزء من سلسلة مستمرة من الاحتجاجات التي تتعلق بمجموعة كبيرة من المخاوف.
أصغر فرهادي: لقد سلك هذا المجتمع، وخصوصاً هؤلاء النساء، طريقاً قاسياً ومؤلماً للوصول إلى هذه النقطة
ففي الشهور القليلة الماضية فقط هزت إيران مظاهرات مدفوعة بشكاوى اقتصادية شارك فيها معلمون ومتقاعدون ومزارعون بين مجموعات أخرى.
وأضاف تقية، الذي عمل سابقا في وزارة الخارجية الأميركية، أن الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية أصبحت مزمنة في إيران حيث خفضت الحكومة الدعم للخدمات الاجتماعية في ظل ارتفاع معدل التضخم.
ومثل هذه الاحتجاجات تأخذ على نحو متزايد منحى سياسيا في الوقت الذي يسعى فيه النظام لتشديد قبضته على السلطة.
وفي شهر أغسطس الماضي، وقّع الرئيس رئيسي مرسوما يقضي بالتطبيق الأكثر صرامة للقواعد التي تطالب النساء بارتداء حجاب في كل الأوقات في الحياة العامة، وهذه قواعد سارية بالفعل منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979.
ولاقت هذه الخطوة قبولا على نطاق واسع من جانب رجال الدين المحافظين الذين يسيطرون الآن على المؤسسات الإيرانية التي يتم انتخاب أعضائها أو تعيينهم، حيث وصفوها باستعادة للمعايير الثقافية التي بدت أنها تتلاشى.
وفي هذا الإطار، امتنع رئيسي خلال مشاركته في الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة حضور مقابلة مع مذيعة شبكة “سي إن إن” كريستيان أمانبور بعدما رفضت طلبه بارتداء غطاء للرأس.
وتابع تقية أن نساء إيرانيات قد شاركن في احتجاجات سابقة، ولكن الأمر اللافت للنظر بالنسبة إلى هذه الاحتجاجات هو الشراسة في معارضة سياسات النظام. وقامت نساء إيرانيات مشهورات بقص شعورهن احتجاجا على مقتل مهسا أميني (22 عاما).
وحث المخرج الإيراني أصغر فرهادي، الحائز على جائزة أوسكار مرتين، الأحد الناس في جميع أنحاء العالم على “التضامن” مع المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع في إيران احتجاجا على وفاة أميني إثر توقفيها من شرطة الأخلاق الإيرانية.
وأشاد فرهادي بـ”النساء التقدميات والشجاعات اللواتي قدن الاحتجاجات من أجل حقوقهن الإنسانية إلى جانب الرجال”، على خلفية موجة الاضطرابات التي تهز إيران منذ وفاة أميني.
راي تقية: مازال يتعين النظر إلى هذه المظاهرات على أنها جزء من سلسلة مستمرة من الاحتجاجات
وقال فرهادي في رسالة بالفيديو على إنستغرام “هنّ يبحثن عن حقوق بسيطة لكنها أساسية حرمتهنّ منها الدولة لسنوات”.
وأضاف “لقد سلك هذا المجتمع، وخصوصاً هؤلاء النساء، طريقاً قاسياً ومؤلماً للوصول إلى هذه النقطة، وقد بلغن بوضوح حالياً محطة مفصلية”.
وقُتل ما لا يقل عن 41 شخصاً بينهم عناصر من قوات الأمن، بحسب حصيلة رسمية، فيما تؤكد مجموعات حقوقية أن الرقم الفعلي أعلى من ذلك بكثير.
وتتعامل الحكومة عادة مع هذه الاحتجاجات من خلال خليط من الإجراءات. وفي هذه الحالة تحدث الرئيس الإيراني مع عائلة أميني ودعا إلى إجراء تحقيق لتحديد السبب وراء وفاتها، كما زار ممثل للمرشد الأعلى على خامنئي أسرتها أيضا رغم أن والد أميني اتهم النظام بالتستر على الواقعة.
وفي نفس الوقت، تحرك النظام بسرعة ليحاول احتواء المظاهرات من خلال القبض على قادة الاحتجاجات وإغلاق منصات التواصل الاجتماعي التي تعد من وجهة نظر النظام وسيلة لانتشار الاحتجاجات.
وأعلن أحد قادة الشرطة أنه تم “اعتقال أكثر من 739 شخصا من مثيري الشغب بينهم 60 امرأة”. وبحسب التلفزيون الرسمي الإيراني خلفت الاحتجاجات مقتل ما لا يقل عن 41 شخصا.
وذكر موقع “إيران أنترناشونال” الإخباري أن المحتجين هتفوا “الموت للدكتاتور.. الموت لخامنئي”.
وكانت الخطوة الأحدث من جانب السلطات تنظيم مظاهرة مضادة شارك فيها داعمو النظام يوم الجمعة الماضي.
ولا يبدي رئيسي والقادة الآخرون المتشددون للنظام الإيراني أي مراعاة لحساسيات الغرب . ففي خطابه أمام الجمعية العام للأمم المتحدة أدان رئيسي معاملة كندا للسكان الأصليين على سبيل المثال واتهم الدول الغربية بتطبيق سياسة الكيل بميكالين بشأن حقوق الإنسان.
ولم ينسحب أي عضو من الوفد الأميركي في الأمم المتحدة خلال خطاب رئيسي مثلما فعل دبلوماسيون أميركيون في خطب سابقة ألقاها قادة إيرانيون في الأمم المتحدة.
الإيرانيات شاركن في احتجاجات سابقة، ولكن الأمر اللافت للنظر هذه المرة هو الشراسة في معارضة سياسات النظام
وأدان الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة غربيون آخرون إجراءات شرطة الأخلاق الإيرانية، وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة ضد أفراد هذه الشرطة.
وفي خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة قال رئيسي أيضا إن طهران لن تعود للاتفاق النووي لعام 2015 دون ضمانات من واشنطن بأنه لن يتم تعليقه مرة أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلن مسؤولون إيرانيون بإصرار أن مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مادة نووية غير مشروعة عُثر عليها في ثلاثة مواقع لا أساس لها، ويتعين إغلاق تحقيق الوكالة.
ويشير التقرير الأحدث للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران تواصل إضافة أجهزة طرد مركزي متقدمة إلى مخزونها من هذه الأجهزة وتكدس المزيد من اليورانيوم المخصب.
وكان الاتفاق النووي عام 2015 قد حدد عدد وأنواع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تشغلها إيران، وذلك بهدف إبطاء عملية إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب الذي يمكن استخدامه في تصنيع أسلحة نووية.
وأشار تقية إلى أن الحكومة الإيرانية ذكرت منذ وقت طويل أنها لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، ولكن إذا استمر البرنامج النووي الإيراني في النمو في الحجم والتطوير فإنه سوف يكون قريبا قادرا على تصنيع قنبلة نووية إذا اختارت إيران ذلك، خاصة أن البنية التحتية الضرورية لإنتاج الطاقة النووية والأسلحة الذرية ملائمة، ويمكن استغلالها لهذا الغرض.
العرب