تتدافع الاحداث السياسية في العراق باتجاه تضييق الخناق على رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي مازال متمسكاً بالتحالف الدولي الذي تقوده اميركا، رافضاً الانجرار الى محور التحالف الروسي- الايراني.
وأثار اصرار العبادي على عدم دعوة روسيا للتدخل العسكري ضد تنظيم داعش في العراق، حفيظة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي حشد انصاره داخل الائتلاف والتحالف الشيعي للدعوة الى سحب التفويض البرلماني الممنوح للعبادي بشأن تنفيذ حزمة الاصلاحات التي طالبت بها قوى الحراك الشعبي والمتظاهرين وساندتها المرجعية الشيعية العليا.
ويؤشر الخلاف المحتدم بين المالكي والعبادي، المدى الخطير لصراع الاجنحة داخل حزب الدعوة، الذي بلغ مرحلة (كسر عظم)، سيما ان انصار نوري المالكي يحاولون تحميل العبادي مسؤولية الفشل الحكومي الحالي والسابق، بينما يرفض العبادي وانصاره الأمر وحملون حكومتي المالكي الاولى والثانية مسؤولية ما يجري حالياً في العراق من تدهور أمني واقتصادي وخدماتي.
وجاء تعيين المهندس ضياء الخرسان بمنصب الأمين العام لمجلس الوزراء، ليقصم ظهر ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة، كون المنصب يجعل من الخرسان المتحكم الأول بكل ما يمر أو يصدر من والى العبادي. ويخشى حزب الدعوة الذي تولى حكم العراق منذ عام 2005 وحتى الان ان يؤدي تعيين الخرسان الى خروج العبادي من عباءة حزب الدعوة الى الفضاء الوطني، وتشكيل تيار عراقي عابر للطائفية، يسحب البساط من تحت اقدام ائتلاف المالكي والتحالف الشيعي برمته.
ولهذا يدفع المالكي بكل ما اوتي من قوة الى اقالة حيدر العبادي، والضغط باتجاه تعيين طارق نجم القيادي في حزب الدعوة والمقرب من المالكي بدلاً عن العبادي، بعد ان تسربت انباء عن سعي العبادي للتنسيق مع سياسيين عراقيين يقيمون في بريطانيا.
وينذر وضع البرلمان كوابح لسلطة العبادي، بمواجهة وشيكة، بين مجلسي النواب والوزراء. ولكن السؤال الآن: هل سيصمد العبادي، لاسيما وانه يدرك إن تحرك البرلمان هو لجس النبض، وان السيناريو المقبل سيكون على الأرجح سحب الثقة من العبادي.
وتشير الاعتراضات البرلمانية المتزايدة على زعامة حيدر العبادي والنقص الحاد في السيولة المالية سيدفعان رئيس الوزراء في نهاية المطاف إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون، اذ تتداول الاوساط السياسية العراقية سيناريوهين اساسيين ربما يتمكن المالكي من خلالها ازاحة العبادي والعودة الى السلطة ولو من وراء ستار طارق نجم.
السيناريو الاول يحاكي ما حدث في مصر عندما اسقطت (حركة تمرد) حكم الاخوان، وتولى رئيس المحكمة الاتحادية عدلي منصور منصب رئيس الجمهورية، لكن الشكوك الشعبية والسياسية التي تحيط بشخصية رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود، تطرح مخاوف أن يمهد المحمود لعودة نوري المالكي الى السلطة مجدداً. غير إن هناك من يعول على النفوذ الاميركي على رئيس مجلس القضاء الاعلى الذي عينه الحاكم الاميركي بول بريمر في منصبه، ويقولون انه بالتالي سيرضخ لما تريده اميركا، وهي لا ترغب بعودة المالكي، ويضربون مثلا بعدم اصدار المحمود حتى الآن قراراً بشأن عدم دستورية اقالة نواب رئيس الجمهورية.
وتخشى مصادر شيعية وسنية من حدوث فراغ دستوري، حتى بوجود مدحت المحمود، قد يؤدي الى أن يقفز قادة الفصائل العسكرية الشيعية من الموالين لايران للسيطرة على مقاليد الامور، وهو ما يدفع باتجاه ازمة جديدة – قديمة تحوّل العراق إلى ساحة احتراب دموي طائفي مركب داخل الطائفتين العربيتين الشيعية والسنية.
السيناريو الثاني، ربما يكون هو الاخطر، ويتلخص هذا السيناريو بشقين يسيران بالتزامن، يتعلق الأول بالضغط على مرجعية النجف، التي دعمت العبادي وأيدته، كي تصل الى مرحلة (قطع الحجة) مع العبادي الذي تباطئ في تنفيذ الاصلاحات الحقيقية. وهنا فان الساعين الى اقالة العبادي لايتوانون من الاقدام على اي عمل يؤدي الى تغييب المرجع الاعلى السيد السيستاني قسراً، أو جعله عاجزا عن القيام بمهامه على رأس المرجعية العليا، وهو الامر الذي سيحدث فوضى كبيرة وربما اقتتال شيعي – شيعي، سيما ان هناك بعض النخب الدينية في النجف وكربلاء ترغب برؤية النموذج الايراني لدور آيات الله في السياسة العراقية.
واذا لم ينجح الشق الأول، فانه تم التحسب للأمر بالسعي لتشكيل حكومة انقاذ وطني ذات اغلبية سياسية، من خلال تغيير خارطة التحالفات السياسية وذلك بالتنسيق مع ما يعرف بـ (سُنّة المالكي) وفتح منافذ جديدة مع الكتلة الوطنية بزعامة اياد علاوي تتجاوز الخلافات القديمة والمستعصية بين علاوي والمالكي.
وهنا لايمكن التقليل من جدية تحركات المالكي للقفز من جديد الى سدة الحكم في العراق، إلا ان هناك من يرى في تأييد اميركا ودعمها للعبادي وخطواته الاصلاحية عائقاً حقيقياً امام هذه تحركات المالكي المدعومة من المرشد الايراني علي خامنئي.
في المقابل فان الاطراف السياسية التي دعمت ترشيح العبادي الى منصب رئيس الحكومة، تقوم هي الاخرى بتنسيق جبهتها، وزيارة زعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم الأخيرة الى كردستان ولقائه بقادة الاحزاب الكردية، ورئيس الاقليم مسعود بارزاني المعارض الشرس لسياسة المالكي، فضلاً عن ان جدية التحركات المضادة بدت بانضمام اياد علاوي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري الى قافلة الحجيج السياسي العراقي الى اربيل.
ويحاول الحكيم ترصين الجبهة المؤيدة للعبادي بتشكيل كتلة جديدة في البرلمان العراقي تضم المجلس الاعلى والوطنية ونواب الدعوة ودولة القانون المؤيدين للعبادي والنواب الشيعة المستقلون ممن يقلدون السيد السيستاني، بزعامة اياد علاوي عليها مقابل منحه منصب رئيس مجلس السياسات الستراتيجية، وحصول الحكيم على منصب زعامة التحالف الشيعي.
يشار الى الحكيم يتمتع بعلاقات حميمة وطيبة مع د. اياد علاوي تعود لطبيعة العلاقة بين عائلة علاوي، المتحدرة من مدينة الكاظمية، مع المرجع الشيعي الراحل محسن الحكيم جد زعيم المجلس الاعلى. ويكن الاكراد لاسيما العائلة البارزانية وزعيمها مسعود احتراماً وتقديراً عميقاً لعائلة الحكيم بسبب فتوى المرجع الراحل في الستينات بحرمة قتال الجيش العراقي للاكراد.
وتأني زيارة الحكيم الى كردستان ولقائه مع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني وقادة كتلة التغيير للحيلولة دون رضوخ هؤلاء القادة للضغوطات الايرانية من خلال التنسيق مع مسعود بارزاني، نظراً لنمط العلاقة التي تربط بين نوشيروان مصطفى زعيم حركة التغيير وعدد من قادة حزب طالباني مع نظام طهران، لاحباط مخطط اسقاط حكومة حيدر العبادي.
يشار الى ان هناك خمسة مرشحين من ائتلاف دولة القانون لخلافة العبادي هم: طارق نجم مدير مكتب المالكي، خلف عبد الصمد رئيس كتلة الدعوة في البرلمان، د. حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي، ابو مهدي المهندس، هادي العامري، فضلاً عن تسريبات سابقة عن تهيئة المهندس ضياء الخرسان لتولي رئاسة حكومة العراق المقبلة.
ناجحة كاظم
موقع إيلاف