قصف الحرس الثوري الإيراني مجددا مناطق في إقليم كردستان في شمال العراق، في استهداف أثار ردود فعل واسعة محليا ودوليا.
وجرت الهجمات عبر صواريخ دقيقة، وعشرين طائرة مسيَّرة تحملُ مواد متفجِّرة، وطالت أربع مناطق في الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي منذ تسعينات القرن الماضي، لتسفر عن وقوع العشرات بين جرحى وقتلى.
وجاءت هذه الهجمات بعدما اتهمت السلطات الإيرانية معارضين إيرانيين مسلحين من الأكراد بالضلوع في الاضطرابات المستمرة في البلاد، لاسيما في الشمال الغربي حيث يعيش معظم أكراد إيران البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة.
إيران تسعى لتصدير الأزمة الداخلية التي تشهدها منذ أيام، والبحث عن شماعة خارجية تلقي عليها مسؤولية الاحتجاجات
ويرى نشطاء أكراد أن إيران تسعى لتصدير الأزمة الداخلية التي تشهدها منذ أيام، والبحث عن شماعة خارجية تلقي عليها مسؤولية الاحتجاجات التي تجري على أراضيها، والتي أسبابها معلومة للجميع في علاقة بالتضييق الشديد على الحريات واستسهال استخدام العنف ضد المواطنين الإيرانيين.
وأدانت الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان القصف الإيراني، وأعلنت الخارجية العراقية عن عزمها استدعاء السفير الإيراني في العراق “بشكل عاجل” للتعبير عن الاحتجاج على القصف.
ويرى النشطاء أن استدعاء السفير الإيراني خطوة غير كافية، لا بل هي شكلية لامتصاص ردود الفعل، معربين عن حالة من اليأس حيال إمكانية أن تتخذ بغداد أي خطوات حقيقية لوقف الاعتداءات الإيرانية كما التركية.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الصحة في إقليم كردستان، فقد أدّى القصف الإيراني إلى مقتل تسعة أشخاص وإصابة 32 آخرين في الهجمات التي وقعت بالقرب من أربيل والسليمانية في الإقليم. وأضاف البيان أن “بعض المصابين حالتهم حرجة، ومن الممكن أن ترتفع حصيلة القتلى”.
وأشار مسؤول رفيع في حكومة الإقليم إلى “وجود مدنيين من بين الضحايا”، موضحا أن مدنيا واحدا على الأقلّ من بين القتلى.
وتتخذ أحزاب وتنظيمات معارضة كردية إيرانية يسارية من إقليم كردستان العراق مقرا لها، وهي أحزاب خاضت تاريخيا تمردا مسلحا ضدّ النظام في إيران على الرغم من تراجع أنشطتها في السنوات الأخيرة.
لكن هذه التنظيمات لا تزال تنتقد بشدّة الوضع في إيران على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر مشاركة مقاطع فيديو للتظاهرات التي تشهدها إيران حاليا منذ وفاة مهسا أميني منتصف سبتمبر الجري بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق.
ومن بين القتلى، عنصران على الأقلّ من حزب الحرية الكردستاني – الإيراني المعارض، وفق بيان صدر عن هذا التنظيم المسلّح، تحدث كذلك عن جرحى في صفوفه.
وجاء في البيان أن “قوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية هاجمت قواعد ومقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة” في إشارة إلى قصف استهدف منطقة كويسنجق شرق أربيل، مضيفا أنه “استنادا إلى المعلومات الأولية استشهد شخصان وأصيب عدد آخر” من عناصر الحزب.
وندّد الحزب على تويتر بما وصفه “بالهجمات الجبانة” التي شنّت في وقت “يعجز فيه النظام الإيراني عن قمع التظاهرات في الداخل ووقف المقاومة المدنية” للشعب الكردي والإيراني.
وفي طهران أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي أن “القوات البرية للحرس الثوري استهدفت عدة مقرات لإرهابيين انفصاليين في منطقة شمال العراق بصواريخ دقيقة ومسيّرات مدمِّرة”.
ودعت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” في وقت لاحق الأربعاء السلطات الإيرانية إلى إيقاف القصف الذي يستهدف إقليم كردستان. وقالت البعثة في بيان إن “العراق يرفض، بما في ذلك إقليم كردستان، فكرة أنه يمكن معاملته على أنه ‘الفناء الخلفي’ للمنطقة حيث ينتهك سيادته الجوار بشكل روتيني ومن دون عقاب”. وأضاف البيان أن دبلوماسية الصواريخ عمل طائش له عواقب وخيمة. ويجب أن تتوقف هذه الهجمات على الفور.
وأدانت الولايات المتحدة الضربات الإيرانية، ووصفتها بـ”الوقحة”، و”انتهاك غير مبرر لسيادة العراق ووحدة أراضيه”. وفي الأيام الأخيرة استهدفت ضربات إيرانية أكثر من مرة مواقع حدودية في كردستان العراق، شمال أربيل، دون أن تسفر عن أضرار ملحوظة. وربط بعض المسؤولين الكبار في إيران بين هذه الضربات و”أعمال الشغب” التي تشهدها إيران.
ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية الثلاثاء عن المسؤول في الحرس الثوري الإيراني عباس نلفروشان قوله إن هناك عناصر “مندسّة” في إيران هدفها “تأجيج عدم الاستقرار وتوسيع الاضطرابات”.
وأضاف “أوقفنا بعضا من هذه العناصر المناهضة للثورة خلال أعمال شغب في الشمال الغربي، ولذا علينا أن ندافع عن أنفسنا، وأن نردّ ونقصف محيط الشريط الحدودي”.
وتسبب القصف الجديد أيضا بأضرار ودمار مبان في منطقة زركويز على بعد نحو 15 كلم من مدينة السليمانية حيث توجد مقار عدة أحزاب كردية إيرانية معارضة يسارية مسلحة، لاسيما حزب كومله – كادحو كردستان.
ورصد شهود عيان في زركويز دخانا أبيض يرتفع من الموقع الذي تعرض للقصف وسيارات إسعاف تتجه إلى المكان، فيما كان سكان يغادرون منازلهم. وأضاف أن طبيبة من الحزب كانت تقوم بمعالجة جرحى إصاباتهم طفيفة في الموقع.
وقال عطا ناصر سقزي القيادي في كومله – كادحون إن “أماكن تواجد مقراتنا في زركويز تعرضت لعشر ضربات بطائرات مسيرة”.
وتعرضت منطقة شيراوا جنوب أربيل كذلك للقصف. وقال رئيس حزب الحرية الكردستاني – الإيراني المعارض حسين يزدان، إن “مقراتنا في منطقة شيراوا التابعة لمحافظة أربيل تعرضت لقصف من جانب إيران”. وتحدّثت القناة الكردية العراقية “كي 24” عن إصابة 3 من صحافييها “بجروح خطيرة”.
وتأتي هذه الضربات في سياق توتر تشهده إيران حيث تخرج مظاهرات ليلية يومية منذ وفاة الشابة أميني بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران.
واعتقلت شرطة الأخلاق، التي تطبق القيود الصارمة التي تفرضها الجمهورية الإسلامية على ملابس النساء، أميني (22 عاما)، وهي من مدينة سقز الكردية في شمال غرب البلاد، في الثالث عشر من سبتمبر بسبب ارتدائها “ملابس غير لائقة”.
وتوفيت الشابة بعد ذلك بثلاثة أيام في مستشفى إثر دخولها في غيبوبة لتشعل أكبر احتجاجات للمعارضة في شوارع إيران منذ أن سحقت السلطات الاحتجاجات على زيادة أسعار البنزين في 2019.
وقالت رئاسة إقليم كردستان في بيان إن موقفها واضح لجهة رفض أي تهديد لدول الجوار انطلاقا من حدودها، مؤكدة في الوقت ذاته على ضرورة ألا يستخدم الإقليم ساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتصارعة.
صحيفة العرب