رغم الإشادة الكبيرة بها فور التصديق عليها وبعد عامين من ذلك، فإن اتفاقات “أبراهام” لا تعزز السلام ولا المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، بل تمثل إضفاء الطابع الرسمي على نظام سياسي واقتصادي وأمني قسري.
في هذا السياق، يقول الأستاذ المتخصص في الجغرافيا السياسية والإسلام السياسي في الشرق الأوسط جون هوفمان إن إطار اتفاقات “أبراهام” فُرض من أعلى إلى أسفل لتهميش الفلسطينيين والرأي العام العربي من أجل الدفع باتجاه “تطبيع” رفيع المستوى، وتشكيل تحالف أكثر رسمية يمكن من خلاله للجهات الفاعلة الإقليمية الحفاظ على الوضع الراهن، ويمكن لواشنطن -على الأرجح- أن تعزز مصالحها.
ووصف الكاتب في مقاله بمجلة ناشونال إنترست (National Interest) الأميركية هذا النظام بأنه بناء مصطنع، يتم دعمه فقط من خلال الإقصاء الشديد والقمع والمراقبة والضمانات الأمنية من القوى العظمى البارزة في العالم. وبسبب مخاوف من أن واشنطن أصبحت أقل اهتماما بالمنطقة مع انجذابها نحو أوروبا الشرقية وآسيا، فقد صممت هذه الاتفاقات لإبقاء الولايات المتحدة منخرطة بعمق في الشرق الأوسط كضامن للأمن.
النظام الجديد
وأضاف أنه في هذا النظام الجديد أصبح مشروع إسرائيل للفصل العنصري وبقاء الأنظمة المستبدة العربية الإقليمية مرتبطين ارتباطا وثيقا، وأدت هذه العلاقة بين الاستبداد والفصل العنصري إلى شرق أوسط أكثر إقصائية وقمعية، مع تعزيز الاستبداد في المنطقة وهيمنة إسرائيل على فلسطين.
وتابع هوفمان أن تقديم اتفاقات “أبراهام” بوصفها آلية لتعزيز السلام مصمم لصرف الانتباه عن الدور المركزي لهذه الجهات الفاعلة في زعزعة الاستقرار في المنطقة. ورأى أن تبني واشنطن المؤكد لمثل هذا النظام أمر خطير، لأنه يحجب المصادر الأساسية الحقيقية لعدم الاستقرار، كما يفاقم مشاكل المنطقة ويفشل في تعزيز المصالح الأميركية.
في هذا النظام الجديد أصبح مشروع إسرائيل للفصل العنصري وبقاء الأنظمة المستبدة العربية الإقليمية مرتبطين ارتباطا وثيقا، وأدت هذه العلاقة بين الاستبداد والفصل العنصري إلى شرق أوسط أكثر إقصائية وقمعية، مع تعزيز الاستبداد في المنطقة وهيمنة إسرائيل على فلسطين
ورغم أن الجهات الفاعلة الإقليمية والعديد من القادة الغربيين يقدمون هذا النظام بوصفه اختراقا للسلام، فإن المنطقة تحت السطح مهيأة لمزيد من عدم الاستقرار، مما يهدد بتعزيز التزام واشنطن بالتمسك بقوة بنظام مصطنع وغير مستدام في الشرق الأوسط.
بعد مراسم التوقيع على اتفاقات “أبراهام” وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض جيرانها في الشرق الأوسط (رويترز)
وألمح الكاتب إلى أنه عندما أعلنت اتفاقات “أبراهام” أكد الموقعون (الإمارات والبحرين وإسرائيل) أن هذا الإعلان التاريخي سيكون أداة “للحفاظ على السلام وتعزيزه في الشرق الأوسط وحول العالم على أساس التفاهم المتبادل والتعايش”.
تصورات خاطئة
وأردف أن هذه التصورات خاطئة، لأن الأمر لم يقتصر على استبعاد الفلسطينيين تماما من هذه المفاوضات فحسب، بل لم تكن أي من الدول العربية الأعضاء في الاتفاقات في حالة حرب نشطة مع إسرائيل، مما أثار مسألة السلام بين من؟” ولم تكن الاتفاقات مصممة لدخول في حل حقيقي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو “سلام الشرق الأوسط” الأوسع، وبدل ذلك بُنيت فقط كآلية لتعزيز مصالح حكومية محددة.
ولفت هوفمان إلى أن العلاقات رفيعة المستوى بين إسرائيل والأنظمة العربية المستبدة المتعددة تتوسع منذ عقود، إلا أنها تطورت في الفترة الأخيرة بسرعة من التعاون السري إلى أشكال تنسيق أكثر علنية بعد الانتفاضات العربية عام 2011، وبلغت ذروتها في نهاية المطاف بإعلان اتفاقات “أبراهام”. وأصبح الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أكثر حدة، مع تزايد عزلة الفلسطينيين كنتيجة متعمدة لاتفاقات “أبراهام”، كما استمر التوسع غير القانوني للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بلا هوادة، وصاحب ذلك تصاعد للعنف الذي يرتكبه المستوطنون الإسرائيليون.
وختم الكاتب مقاله بأن دعم الولايات المتحدة الثابت هو الذي يسمح لهذه الحكومات بالتصرف مع الإفلات من العقاب في الداخل والخارج، وبهذا يستمر تفاقم ظواهر الإقصاء والقمع وعدم الاستقرار في هذه المنطقة من العالم.
المصدر : ناشونال إنترست