لم تنجح خطوات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر التصعيدية، حتى الآن، في حلّ البرلمان العراقي أو إيقاف حراك تشكيل الحكومة الجديدة الذي أخذ بالتصاعد خلال الساعات الماضية، بمشاركة حلفائه في الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف “السيادة”.
وكانت لقرار الصدر المفاجئ منتصف يونيو/حزيران الماضي، باستقالة جميع أعضاء كتلته البرلمان وهم 73 عضواً، ثم الاحتجاجات أمام مقر البرلمان وصولاً إلى الاشتباك المسلح داخل المنطقة الخضراء، آثار عكسية على موقفه من الأزمة السياسية وسجلت لصالح خصومه في تحالف “الإطار التنسيقي“، الحليف لإيران.
وعقب شروطه التي كان قد أعلنها في أكثر من مناسبة، منها الانتخابات المبكرة وحلّ البرلمان وعدم قبوله بكل محاولات قادة الأحزاب للجلوس معه إلى طاولة الحوار، إلا أنه أعلن مطلع الشهر الجاري، موافقته على الحوار “إذا كان علنياً”، فيما طالب باستبعاد كل المشاركين في العمليات السياسية السابقة، معتبراً أن ذلك “أول خطوة للإصلاح التدريجي”، إلا أن هذا الإعلان لم يحظ بأي ردود فعل من قبل “الإطار التنسيقي”، وقد أُهمل بشكلٍ كبير، وهو ما يفسره مراقبون بأن الصدر أخطأ بقرار انسحابه من البرلمان.
واعتبر رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، الذي يقترب من مواقف الصدر، أن “قرار الانسحاب من مجلس النواب كان خاطئ وأتاح الفرصة لمنافسيه أن يملؤوا فراغه”، مبيناً، في حديثٍ صحافي، أن “الصدر قد حصل على أكثر المقاعد في الانتخابات الأخيرة، ويجب أن تُتاح له الفرصة في تشكيل الحكومة، ولكن في نفس الوقت على الصدر البحث عن شركاء آخرين ليتمكن من تشكيل الحكومة”.
في السياق، قال العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، لـ”العربي الجديد”، إن “قرار الصدر بالانسحاب من البرلمان والعملية السياسية، قد يعتبره البعض خطأ وفق معايير المصالح السياسية، إلا أنه انتصار إذا ما جرت مناقشته وفق معايير المصالح الوطنية العليا، بالتالي فإن الصدر رسم الملامح للمرحلة السياسية الجديدة بوجوده أو من غير وجوده، وأنه دفع باتجاه قواعد لعبة جديدة، لا سيما وأن شريحة كبيرة من العراقيين الشيعة باتت غير ممثلة في الحكومة والبرلمان”، وفقا لقوله.
وأوضح أن “المحاصصة السياسية والمذهبية والعرقية مبنية على توزيع إيرادات الدولة بين الجماعات المتصارعة حالياً دون الالتفات لحاجات العراقيين، وأن الإطار التنسيقي يريد أن يجعل الصدر شريكه في تشكيل الحكومة من أجل تحميله مسؤولية الفشل”.
وأضاف حسين أن “الانتخابات الأخيرة كشفت حجم كل كتلة سياسية، ولذلك فإن قرار الصدر بالانسحاب يهدف إلى تحميل أي طرف يشكّل الحكومة مسؤولية الفشل، لذلك فإن الإطار التنسيقي متورط حالياً في ملف تشكيل الحكومة، رغم أن الطريق إلى ذلك سالك، لكننا نعتقد أن الإطار لن يستطيع تحقيق المطالب الشعبية بإنهاء الفساد ومحاسبة المقصرين وحصر السلاح بيد الدولة، بسبب وجوده الاقتصادي والمسلح، لا سيما في حوادث مسلحة وقعت أخيراً في البصرة، وسابقة مثل وجود الفصائل في بلدة جرف الصخر.
من جهته، بيَّن الناشط السياسي كتاب الميزان، أن “الصدر خسر سياسياً بشكل كبير، وخسر مكاسب غير عادية تدعمه وتدعم تياره وجمهوره، لكنه كسب مناهضة الطبقة السياسية بالرغم من أنه كان جزءاً منها، وانسحابه سيمكن الأحزاب والكيانات والفصائل من إعادة تقوية نفوذها من جديد، وقد يكون هذا الأمر على حساب مستقبل التيار الصدري سياسياً، لذلك يبدو أن الإطار يفكر حالياً في أن من أولويات الحكومة التي سيقوم بتشكيلها تقويض التيار الصدري داخل مؤسسات الدولة”.
وأكد لـ”العربي الجديد”، أن “الصدر لا يريد أن يكون السبب في تعطيل عمل مجلس النواب، وأراد أن يمضي البرلمان في عمله وأن تُشكَّل الحكومة”.
ولفت إلى أن “الصدر سيلقي الحجة على الحكومة التي ستُشكَّل بواسطة حلفائه من السنّة والكرد، والإطار التنسيقي، وقد لا يعود الصدر لأنه سيخسر بشكلٍ كبير، وهو يفكر في التحشيد لتظاهرات كبيرة، أو قد يذهب إلى خيار إعطاء مهلة للحكومة الجديدة وإحراجها بالوقت”، موضحاً أن “الصدر يملك الثقل للتحشيد والثقل الجماهيري اللذين من الممكن أن يعيداه إلى الواجهة مرة أخرى والمشاركة بالسلطة، أو ربما سيبقى خارج السلطة ويكون مصدر القلق الدائم لأي حكومة مقبلة”.
من جهته، أشار رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد، إحسان الشمري، إلى أن “هناك قراءات مختلفة في قضية الربح والخسارة من انسحاب الصدر، فعلى مستوى الربح، قد يكون الصدر ربح قاعدته الجماهيرية التي ترفض الطبقة السياسية الحالية، وهو يعتقد أن قرار الانسحاب لن يجعله شريكاً مع خصومه، وبالتالي يتعزز وجود أتباعه، وتكون هناك علاقة موثوق بها بينه وبين جمهوره الغاضب الذي يعتبر حالياً أن قرار الصدر هو خطوة باتجاه الانفصال عن الطبقة السياسية”.
وأضاف الشمري لـ”العربي الجديد”، أن “ما يتعلق بالخسارة، فإن الصدر خسر القرار السياسي تحديداً داخل البرلمان والحكومة، لكنه في الحقيقة لا يعول على هذه المساحة، لأن قياساته تختلف ويعرف أن ثقله السياسي يرتبط بقاعدته الجماهيرية، لذلك فهو لا يعدّ نفسه خاسراً، وأنه بمجرد انتقاله إلى المعارضة الشعبية فهو يمتلك الكثير من الخطوات التي يمكنه أن يحققها أكثر ممن هو متواجد أصلاً داخل العملية السياسية، لذلك فإن انسحابه عطل الإطار التنسيقي بتشكيل حكومته لمراعاة الثقل السياسي والجماهيري للصدر”.
بدوره، رأى المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة “أهل البيت” في كربلاء، غالب الدعمي، أن “التيار الصدري لن يغادر العملية السياسية، وهذا واضح من خلال تغريدات الصدر، حيث إنه لا يزال يتحدث عن مواصلته لتغيير الأوضاع السيئة وإنهاء الفساد، وهذه الشعارات لا يمكن أن تتحقق دون أن يكون للصدر وجود في العملية السياسية”.
وأكد الدعمي لـ”العربي الجديد”، أن “الصدر لا يجد نفسه خاسراً، بل أنه عمل وفق تكليفٍ شرعي وديني، لكن أنصاره سيضغطون من أجل إعادة الانتخابات والتموضع مرة أخرى بطريقة أكبر وأكثر في العمل السياسي”.
العربي الجديد