ما الذي جناه المواطنون السوريون العاديون من العقوبات الدولية المفروضة على بلادهم منذ عشرات السنين سوى الإذلال؟ الدول التي فرضت تلك العقوبات وفي مقدمتها الولايات المتحدة تزعم أنها وجهت عقوباتها ضد النظام الحاكم لكي تُسقطه وليس ضد الشعب السوري لكي تُهينه. ولكنها تعترف في الوقت نفسه بأن الشعب السوري كان ولا يزال هو المتضرر الوحيد من تلك العقوبات في كل مستوياتها ومراحلها.
قبل الحرب كانت سوريا تعاني من أزمات اقتصادية بسبب ذلك الحصار الذي فُرض عليها لأسباب غير مفهومة، غير أن شعبها لم يتعرض للمجاعة بسبب ذلك الحصار لأن محصولها الزراعي كان يغطي حاجتها ويزيد فتصدره إلى دول الخليج. كان من الممكن أن تستمر على ذلك النحو إلى ما لا نهاية لولا أن النظام عالج الاحتجاجات الشعبية عام 2011 بطريقته الأمنية الجاهزة التي لا يملك سواها. لقد كشف يومها عن أنه لم يكن سوى نظام متخلف بالرغم من أن الرئيس الشاب الذي ورث الحكم عن أبيه عن طريق الإملاءات الحزبية كان قد تعهد عام 2000 بتحديث ذلك النظام. غير أن ذلك الشاب الذي لم يكن ابنا للنظام كان أضعف من أن يقوم بذلك.
◙ لقد صارت أجزاء كثيرة من سوريا تحت الاحتلالين الروسي والإيراني. في ظلهما ذهب الكثير من السوريين إلى المنافي ودول اللجوء
ألأنّ الآلة الحزبية كانت أقوى منه أم أنه بحكم تربيته العائلية كان ينظر إلى الشعب من موقع التعالي الممزوج بقدر هائل من الاستخفاف الذي حاول أن يغطيه بالكلام النظري؟
لقد تشرد نصف المجتمع السوري وصار أفراده نازحين ولاجئين ومشردين. مع الوقت صار الأمل في عودتهم ضعيفا، بل ومعدوما. وأعلن رأس النظام أن من تبقى منهم داخل المناطق التي يسيطر عليها نظامه هم السوريون. فالرجل لا يزال غير قادر على أن يرى الحقيقة؛ حقيقة ما جرى لشعبه قبل حقيقة نظامه المظلمة.
لم يكن أحد يتوقع أن الرئيس الشاب سيتعامل باستخفاف مع المطالب غير المكلفة لشعب استطاع أن يتكيف مع خسائره من غير أن يكلف النظام شيئا أو يثقل عليه. وهنا يكمن الجزء الأعظم من المشكلة. لم يفهم الرئيس أن شعب سوريا حين اكتفى بالمطالبة برفع الضغط الحزبي كان يمنحه فرصة لإقامة الدولة الحديثة التي وعد بها تجنبا لانفجار شعبي يمكن أن يقع في أية لحظة بسبب تردي الأوضاع المعيشية. كان واضحا أن الشعب يقف في مكان فيما يقف الرئيس في مكان آخر. لذلك فبدلا من أن يشكر بشار الأسد الشعب على صموده وصبره على الحصار الدولي المفروض على بلده، صار يُلقي عليه دروسا في السياسة النظرية.
أثبت بشار الأسد يومها أن الحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض على سوريا لم يضع نظامه في سلة واحدة مع الشعب. كان له جيشه وأجهزته الأمنية التي لم تتأثر بالحصار وهي التي استعان بها لضرب الحراك الشعبي الذي كان يومها بريئا من التدخلات الدولية. كانت هناك مسافة يمكن اختصارها عن طريق صلح عائلي مؤقت فيه الكثير من الزيف الضروري. غير أن الأسد وقد عصفت به رياح المؤامرة التي لفقها الحزب أبى إلّا أن يستدعي أعداءه إلى القتال.
◙ لقد تشرد نصف المجتمع السوري وصار أفراده نازحين ولاجئين ومشردين. مع الوقت صار الأمل في عودتهم ضعيفا، بل ومعدوما
الآن بعد أكثر من عشر سنوات على الحرب السورية لا يزال الحصار مستمرا ولا تزال الحكاية تُروى بطرق مختلفة، فهل خسر النظام شيئا؟
لقد صارت أجزاء كثيرة من سوريا تحت الاحتلالين الروسي والإيراني. في ظلهما ذهب الكثير من السوريين إلى المنافي ودول اللجوء. انتقل المحاصرون من منفى داخلي إلى منفى خارجي. أهذا ما كانت تفكر فيه الولايات المتحدة حين فرضت حصارها على سوريا؟
سوريا المحاصرة اليوم مثلما كانت محاصرة دائما لن تنتج إلا جيشا من الفقراء المعذبين الناقمين. أما النظام فإنه سيظل في منأى عن تأثير الحصار. لا يرغب الطرف الآخر في أن يقتنع بأن هناك سوريا الأسد وسوريا الشعب وسلاح الحصار الموجه إلى النظام لم يضرب إلا السوريين الذين وقفوا بصدور عارية في وجه آلة ذلك النظام العسكرية.
وبعد حصار العراق الذي انتهى بكارثة الاحتلال الأميركي بكل ما انطوت عليه من خراب صار واضحا أن ذلك النوع من الأسلحة الفتاكة إنما يؤدي استعماله إلى تدمير المجتمعات من الداخل وتفكيكها، وهو ما لا يمكن معالجته بالنوايا الحسنة. هذا إذا توفرت تلك النوايا لدى دول كبرى لا ترى في السياسة أي بعد إنساني.
العرب