مسك مصر للعصا من المنتصف لا يرضي أوكرانيا

مسك مصر للعصا من المنتصف لا يرضي أوكرانيا

فشلت سياسة مسك العصا من المنتصف التي انتهجتها القاهرة منذ بدء الحرب الأوكرانية – الروسية، فبعد أن عبرت أوكرانيا عن انزعاجها من تعاطف القاهرة مع موسكو، جاءت حادثة مشاركة صحافي مصري في استفتاء ضم مقاطعات أوكرانية إلى روسيا لتعمق الأزمة.

القاهرة – دخلت عملية فرز المواقف الدولية من الحرب الروسية – الأوكرانية مرحلة جديدة قد تدفع بعض الدول إلى ضرورة أن تكون مواقفها أكثر وضوحا في الأزمة منعا لحدوث التباسات سياسية، كما هو حاصل بين كييف والقاهرة حاليا.

وأصبحت مصر تواجه صعوبة في مسألة الحفاظ على سياسة التوازن التي اتبعتها من قبل وخففت الضغوط عليها، فالسرعة التي تمضي بها الأزمة والشكوك التي تحيط بصورتها وتضعها بجوار روسيا قد تجبرها على تبني مواقف أكثر وضوحا.

رأت دوائر سياسية أن تلميحات أوكرانيا السابقة بشأن شعورها بتعاطف القاهرة مع موسكو لم تتوافر أدلة كافية عليها، حيث حاولت منذ اندلاع الأزمة أن تتبنى رؤية متوازنة، وكلما تبنت موقفا يميل نحو طرف تبعته بآخر يميل إلى الطرف المقابل.

مشاركة صحافي مصري في الاستفتاء على ضم روسيا لمقاطعات أوكرانية تحرج القاهرة مع كييف

يبدو أن المعادلة الصعبة التي شيدتها مصر وسعت من خلالها إلى أن تكون على الحياد بدأت تخرج عن مسارها عمليا بعد أن أعلن الاتحاد الأوكراني للإسكواش أخيرا عدم مشاركة منتخب السيدات في بطولة العالم التي تستضيفها مصر في ديسمبر المقبل، احتجاجا على “وجود مراقبين من مصر شاركوا في عملية الاستفتاء التي نظمتها روسيا في أربع مقاطعات أوكرانية”، تمهيدا لضمها إليها.

تصور من تابعو هذا الموقف أن هناك خطأ ما أو معلومات غير دقيقة، خاصة وأن وزارة الخارجية المصرية أصدرت بيانا عاجلا نفت فيه إرسال مراقبين من قبلها، في إشارة تفسر أن القاهرة ترفض عملية الضم والطريقة التي جرت بها.

لكن كان للقصة بقية تكشفت بعض معالمها في اليومين الماضيين، حيث نشرت وسائل إعلام في موسكو معلومات حوت إشادة “مراقبين من مصر والبرازيل” بإجراءات الاستفتاء، لافتة إلى أن الصحافي إسماعيل رفعت المحرر بجريدة اليوم السابع المصرية كان مراقبا للانتخابات في المقاطعات الأربع، وقالت إنه تحدث إلى فتيات وأطفال وسيدات جميعهم جاؤوا من أجل روسيا وحملوا علمها.

وأشار موقع “مدى مصر” المستقل نقلا عن موقع مركز لوغانسك الإعلامي الروسي إلى أن الأخير نشر تغطية لسير الاستفتاء حوت تعليقًا ممن تم وصفه بـ”مراقب من مصر”، وكتبت تحته أنه للمعلق السياسي والصحافي في جريدة اليوم السابع إسماعيل رفعت إبراهيم إسماعيل مع صورة شخصية له.

من هنا أخذت القصة بعدا مختلفا، حيث ذهب الصحافي المصري من تلقاء نفسه ودون تكليف من الخارجية المصرية أو منظمة حقوقية أو حتى صحيفته القريبة من الحكومة، وجاءته دعوة من السفارة الروسية بالقاهرة، وتم توظيفه وتسييس دوره من قبل موسكو بالطريقة السابقة التي أوحت كأنه مبعوث رسمي لمراقبة الانتخابات.

ولا تزال الظروف التي خاض فيها الصحافي المصري مغامرته غامضة، والأسباب التي دفعته إلى الذهاب في مهمة شائكة مجهولة، وهل كان يعي أبعاد رحلته أم غُرر به؟

الصورة العامة المأخوذة عن مصر تميل منذ بداية الأزمة إلى تصنيفها في الطابور الثاني الداعم لموقف موسكو

تضم صفحة إسماعيل رفعت على فيسبوك معلومات مرتبكة عن صاحبها، وأنه غير معروف في مصر ومتواضع مهنيا، وكتب على الصفحة تعريفا من نوعية “عضو نقابة الصحافيين بمصر، دكتور/ باحث في الجغرافيا السياسية والانتخابات، عضو الجمعية الجغرافية، أكاديمية AT، مدرب صحافة متخصصة، ليون فرنسا”.

وإذا كانت القاهرة تستطيع بسهولة تفنيد واقعة المراقبة وتكذيبها ومعاقبة الصحافي من قبل المؤسسة التي يعمل بها ونقابة الصحافيين التي ينتمي إليها، فإن هناك شعورا يشي بتعاطف القاهرة مع موسكو قد يؤدي إلى إجراءات جديدة تقدم عليها كييف.

وقبل أن تتمكن من احتواء أزمة الإسكواش والتباساتها والاستفتاء وتداعياته، انتشرت معلومات حول موقف لها في الأمم المتحدة بما يعزز هواجس أوكرانيا.

وذاع أن مصر رفضت مع 12 دولة أخرى مشروع قرار تقدمت به ألبانيا إلى الجمعية العامة لإجراء اقتراع مفتوح للدول الأعضاء يؤكد على وحدة أراضي أوكرانيا، ويدين عملية ضم دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي زابوروجيا وخيرسون إلى روسيا.

ثم تبين أن هذه المعلومة مغلوطة ونشرتها مواقع مصرية وهي غير دقيقة، لأن مصر صوتت بالفعل مع القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الأربعاء بإدانة ضم روسيا لمناطق أوكرانية، وجاءت من بين 143 دولة أيدت القرار صراحة، والذي عارضته خمس دول، بينما امتنعت 35 دولة عن التصويت.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن القرار استغرق ثلاثة أيام من المداولات في أروقة الأمم المتحدة، من الاثنين إلى الأربعاء، وبدت القاهرة خلالها غير متحمسة لإدانة موسكو، أو على الأقل تمتنع عن التصويت، لكنها اضطرت إلى تغيير موقفها وتأييد القرار لأن الامتناع في هذه الحالة سيؤدي إلى النتيجة نفسها الخاصة بالرفض.

ومارست بعض الدول الغربية ضغوطا مكثفة من وراء الكواليس لاستصدار القرار الذي طالب أيضا روسيا بالتراجع عن الضم على الفور.

ولجأت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التصويت على قرار إدانة ضمّ روسيا كخطوة غير قانونية بعد أن استخدمت حق النقض ضد مشروع قرار مماثل في مجلس الأمن.

تميل الصورة العامة المأخوذة عن مصر منذ بداية الأزمة إلى تصنيفها في الطابور الثاني الداعم لموقف موسكو، وحاولت دبلوماسيتها ضبط الدفة مع القوى الغربية من خلال توزيع المواقف بين الجانبين لتتحاشى تثبيت فكرة تأييد الفريق الروسي.

ويدفع غموض الأزمة الأوكرانية والمآلات التي يمكن أن تصل إليها مصر وغيرها من الدول إلى أن تجد في القبض على العصا من منتصفها دليلا على الحياد، لكن التصعيد الجديد الذي تشهده الأزمة لن يمكنها من الحفاظ على ما تعتقد أنه توازن بناء.

ووفرت شائعة رفض مصر إدانة الضم الروسي للمقاطعات الأربع في الأمم المتحدة فرصة للحكومة الأوكرانية لتأكيد تقديرها حول تعاطف القاهرة مع موسكو، بما يصعب تفسيره على أنه حياد هذه المرة، خاصة وأن العلاقة بين القاهرة وموسكو لم تتأثر بالأزمة الأوكرانية ومضت على وتيرتها السياسية والاقتصادية المرسومة لها.

العرب