تداخلت في الحرب المشتعلة على الجبهات الأوكرانية عناصر جديدة مفاجئة، كان أبرزها الأنباء التي تحدّثت عن خسائر في الجانب الأوكراني ناتجة عن استخدام طائرات مسيّرة إيرانية، وما نتج عن ذلك من بدء الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين إجراءات لتطبيق عقوبات جديدة على طهران.
سبب الخسائر هو أن تلك الطائرات بدون طيار، من طرازات «شاهد 136» هي مسيّرات «انتحارية»، أي تقوم بالانفجار في المواقع الموجّهة نحوها، وكذلك مسيّرات من طراز «مهاجر 6»، وقد تمكنت تلك الطائرات في الوصول لأهداف في العاصمة كييف ومناطق في عمق البلاد للمرة الأولى منذ الهجوم الروسي، بسبب صغرها النسبي وطيرانها على ارتفاعات منخفضة جدا، كما حصل في استهداف اللواء 72 الأوكراني جنوب العاصمة كييف، وهو ما دفع الرئيس الأوكراني للاجتماع بممثلي أجهزة الأمن لمناقشة كيفية مواجهة «أنواع جديدة من الأسلحة»، كما تحدث الناطق باسم القوات الجوية الأوكرانية عن «تهديدات خطيرة».
بعد تصريحات إيرانية محدودة عن هذا التعاون العسكري مع روسيا، ونتيجة ردود الفعل الغربية الكبيرة ضد استخدام المسيّرات، ظهرت تصريحات لمسؤولين إيرانيين تنفي توريد مسيّرات لروسيا، أو مشاركة طهران في الحرب الأوكرانية، لكن اللافت، في هذا السياق، كان تصريح للمرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، يقول فيه إن من كانوا يسخرون من وجود مسيّرات إيرانية ويعتبرونها صورا «مفبركة ومعدلة بالفوتوشوب يحذرون الآن من خطورتها»، و«يريدون محاسبة إيران على بيع أسلحتها لهذا الطرف أو ذاك».
أكد الأوكرانيون والأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون على وجود أدلة على استخدام المسيّرات الإيرانية، وكذلك على وجود مدربين عسكريين إيرانيين في شبه جزيرة القرم يقومون بتدريب نظرائهم الروس على توجيه المسيّرات، وتحدّث تقرير لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن مقتل 10 من الإيرانيين، وبدأ، منذ يوم الخميس الماضي، فرض عقوبات غربية على جنرالات إيرانيين وشركة «شاهد لصناعات الطيران» المرتبطة بالحرس الثوري.
يشير موضوع المسيّرات الإيرانية إلى طور جديد من التعاون الروسي ـ الإيراني، ويبدو أن هذا التعاون قد انعكس أيضا على الجغرافيا السورية، فرغم سحب روسيا لمنظومة الدفاع الجوي «إس 300» من سوريا، وأجزاء من قواتها المقاتلة، ونقلها قيادات عليا، على رأسهم الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي طبّق سياسة «الأرض المحروقة» في سوريا والشيشان، فقد ربط مراقبون بين توقّف الضربات الإسرائيلية للميليشيات المحسوبة على إيران هناك، منذ قرابة شهر، بتصلّب العلاقات الروسية ـ الإيرانية، وهو ما يمكن أن يُربط أيضا بامتناع تل أبيب عن تنفيذ طلبات كييف بتزويدها بأسلحة هجومية، لكن هناك قراءة إسرائيلية أخرى لهذه المعادلة الجديدة، ترى أن نقل بطاريات الدفاع الجوي الروسية تمهّد الطريق لمواصلة الهجمات في سوريا.
تتكشّف على ضوء الوقائع الأخيرة وقائع وديناميّات جديدة في الساحات الأوكرانية، والإقليمية، والعالمية، منها تأكيد تراجع مخزونات السلاح الروسي من المسيرات والصواريخ فائقة الدقة، وإعلان التفوق العسكري الإيراني، وإظهار السياسة الإيرانية المستمرة في تفضيل إظهار القوة على الحياد خلال المفاوضات على الاتفاق النووي، ورغبة موسكو وطهران في تعديل موازين القوى التي رجحت مؤخرا لصالح كييف، وتراجع تهديدات الكرملين باستخدام السلاح النووي، مع ميل متزايد لدى القيادة الروسية للوصول إلى تسوية تحفظ ماء الوجه في أوكرانيا بدل احتمالات الوصول إلى خيارات كارثية للعالم، ولروسيا نفسها.
القدس العربي