يراهن المغرب على أن تلعب الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، دورا متقدما في مواجهة الفساد، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، لاسيما بعد أن تم منح الهيئة الدستورية صلاحيات واسعة وتم ضخ دماء جديدة عبر تركيبة ضمت شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة.
الرباط – تنتظر الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها مهمة جسيمة في مواجهة الظواهر التي تخل بالواقع التنموي للمغرب، وتؤثر بشكل كبير على الجانب الاستثماري الذي يشكل الرافعة الأساسية للنهوض باقتصاد المملكة.
ويتطلع الشارع المغربي إلى بدء الهيئة عملها وفق القانون الجديد المنظم لها، وبعد أن استكملت الجهات المعنية في المغرب الاثنين تعيين أعضائها وعددهم 12 عضوا إضافة إلى رئيسها.
وعيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس الاثنين أربعة أعضاء في هيئة النزاهة، بعد أن سبق وعَيَّن بشير الراشدي رئيسا لها. والأعضاء الأربعة هم عبدالسلام العماني، ونادية عنوز، ودنيا بن عباس الطعارجي، وعبدالصمد صدوق.
وقال الديوان الملكي، في بيان، إن التعيينات تهدف إلى “استكمال تركيبة هذه المؤسسة، وتمكينها من النهوض بالمهام التي يخولها لها الدستور”. وأوضح البيان أن من أبرز هذه المهام ما يتعلق بـ”مجالات تنفيذ سياسات محاربة الفساد (…) وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة”.
وتأتي التعيينات طبقا لأحكام الدستور والقانون الجديد المنظم لهذه الهيئة الدستورية الهامة، واعتبارا لما يتوفر عليه هؤلاء الأعضاء من تجربة وخبرة وكفاءة في مجال اختصاص الهيئة، ولما هو مشهود لهم به من تجرد وحياد واستقامة ونزاهة.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش قد عين أربعة أعضاء في الهيئة، هم غيتة لحلو، ونعيمة بنواكريم، ورشيد لمدور، وعبدالمنعم محسني. فيما عَيَّن رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي كلا من أمينة الفكيكي، ونورالدين مؤدب، وعَيَّن رئيس مجلس المستشارين النعام ميارة كلا من رابحة زدكي، وعبدالخالق الشماشي.
ويراهن الملك محمد السادس على أن تلعب الهيئة دورا متقدما في محاربة الفساد، في ظل إيمانه العميق بأنه لا إمكانية للنهوض بواقع المملكة دون اتخاذ إجراءات حازمة في مواجهة هذه الظاهرة.
وأكد حمزة أندلوسي، الباحث في العلوم السياسية بالرباط، أن تعيين أعضاء هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة يأتي مواكبة لإنجاح مشروع الدولة الاجتماعية، كما لا يقتصر التعيين على تنفيذ القانون المنظم للهيئة بقدر ما هو مرتبط بسياق وطني يعرف مواصلة تنزيل الوثيقة الدستورية لسنة 2011، التي تمحورت حول مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وحكامة المرفق العام وكل ما هو مرتبط بتكريس مبادئ الشفافية والنزاهة في التدبير العمومي وسن سياسة جديدة للاستثمار العمومي أعلن عنها الملك محمد السادس في عدة مناسبات آخرها في خطاب افتتاح البرلمان.
واوضح أندلوسي في تصريح لـ”العرب” أن “تشكيل هذه الهيئة يستهدف خلق مناخ موات يشجع على استقطاب الاستثمارات الأجنبية ويحفز المستثمرين المغاربة بالداخل والخارج من أجل فتح استثمارات جديدة تحرك التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وصادق البرلمان المغربي العام الماضي على مشروع قانون جديد للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يمنحها صلاحيات عديدة تمكنها من لعب دور كبير في محاربة الفساد.
ويمكن أن تتصدى الهيئة تلقائيا لكل حالة من حالات الفساد التي تصل إلى علمها، كما يمكنها القيام أو طلب القيام من أي جهة معنية بتعميق البحث والتحري في الأفعال التي ثبت لها، بناء على معطيات أو معلومات أو مؤشرات، أنها تشكل حالات فساد، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل ترتيب الآثار القانونية في ضوء النتائج المتوصل إليها.
ووضع المغرب، خلال السنوات الأخيرة، عددا من الآليات للحد من انتشار الرشوة في البلاد، غير أن ترتيب المملكة في مؤشر مدركات الفساد لم يشهد تحسنا كبيرا، الأمر الذي دفع إلى توسيع صلاحيات هيئة النزاهة.
وأكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أنه بالتعيين الملكي لأربعة أعضاء بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وخروج القانون المنظم لاختصاصاتها ومهامها تكون هذه المؤسسة الدستورية قد استكملت الجانب المؤسساتي والقانوني كآلية من آليات النظام الوطني للنزاهة بعدما عاشت جمودا لمدة طويلة.
وأضاف الغلوسي في تصريحات لـ”العرب” أن “تحديات صعبة تنتظر الهيئة التي يراهن عليها في تدشين مرحلة جديدة في مجال مكافحة الفساد والرشوة خاصة، حيث أن القانون المنظم لها قد مدها بصلاحيات جديدة”.
ولفت الغلوسي إلى حجم وخطورة ظاهرة الفساد والرشوة والتي تستنزف ما يقارب خمسة في المئة من الناتج الداخلي الخام، فضلا عن استنزاف ما يقارب 50 مليار درهم سنويا في مجال الصفقات العمومية، ناهيك عن التداعيات السلبية للظاهرة على كافة المستويات وتأثير ذلك على كل البرامج والسياسات الموجهة إلى التنمية.
واعتبر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن جعل الاستثمار محور السياسات العمومية يتطلب تنقية مناخ الأعمال وضمان تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة في الولوج إلى العقار العمومي والتمويل ومحاربة كل أشكال الاحتكار والتركيز الاقتصادي وإضفاء شفافية أكبر على الولوج إلى كافة أشكال الاستثمار وهو ما يجعل مكافحة الفساد والريع والرشوة من أولوية الأولويات وتلك أيضا من مهام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلى جانب طبعا مجلس المنافسة.
العرب