كيف يموّل إرهابيّو تنظيم «الدولة الإسلامية» هجماتهم؟

كيف يموّل إرهابيّو تنظيم «الدولة الإسلامية» هجماتهم؟

Gaza-moneychangersAP01102102091-198x143

في أعقاب اجتماعهم في تركيا بعد مرور يومَين فقط من وقوع الهجمات الإرهابية المروّعة في باريس، أصدر قادة دول “مجموعة العشرين” بياناً أدانوا فيه الهجمات الأخيرة التي شنها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» وأعادوا تأكيد التزامهم بمحاربة الإرهاب. وعلى وجه الخصوص، أعادت مجموعة البلدان الصناعية تأكيد التزامها بـ «التصدّي لقنوات تمويل الإرهاب». ويطرح هذا الموضوع السؤال التالي: كيف يموّل تنظيم «الدولة الإسلامية» عملياته الدولية؟

يتمّ تمويل تنظيم «داعش» بشكل رئيسي عبر مجموعة واسعة من النشاطات الإجرامية، الكبيرة والصغيرة، التي تتركز في أجزاء من سوريا والعراق الخاضعة لسيطرة الجماعة. ويقوم تنظيم «الدولة الإسلامية» بسرق المواشي، وبيع جوازات سفر المحاربين الأجانب، وفرض الضرائب على الأقلّيات والمزارعين وسائقي الشاحنات، وإدارة عمليّات ابتزاز متمرّسة، وخطف المدنيين للحصول على أموال الفدية، ونهب الآثار، بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى. كما أنّه يجني حوالي 40 مليون دولار أمريكي شهرياً من مبيعات النفط غير المشروعة فقط. إلّا أنّ هذه المصادر تدعم بشكل رئيسي مؤسسات التنظيم المكلفة ببناء الدولة وتمويل المعارك على أراضيه، بدءاً من دفع رواتب المعلمين وجمع القمامة وصولاً إلى رشوة قادة العشائر ودفع رواتب المقاتلين.

ومع ذلك، هناك نموذج تمويل ذاتي ابتكاري تمّ بموجبه تشجيع مجنّدي تنظيم «داعش» وداعميه حول العالم على اتّباعه لتمويل رحلاتهم إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو، كما يحتمل، تمويل هجماتهم في الغرب. وفي حين من السابق لأوانه بيان – بأي قدر من اليقين – الكيفية التي تم بموجبها تمويل هجمات باريس، إلا أنه من المرجح أنّه قد تمّ تمويلها، كلّياً أو جزئياً، من خلال نشاطات إجرامية محلّية – أو قانونية كاستخدام إعانات الدولة الاجتماعية أو أخذ قرض ما. وليس أياً من المصدرَين مفاجئاً، إذ تتعقّب السلطات استخدام مثل هذه الخطط لتمويل القيام بهجمات، من قبل مقاتلين إرهابيين أجانب محتملين يسعون إلى الانضمام إلى تنظيم «داعش». وبالفعل، ففي وقت سابق من هذا العام، حدّد تقرير «فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية» (“فايننشل أكشن تاسك فورس”) عدة تدفّقات محتملة للإيرادات لمقاتلين إرهابيين أجانب محتملين، شملت السرقة والاتجار بالمخدّرات، ومختلف مدفوعات الخدمات الاجتماعية، والقروض غير المسدّدة. كما قام بعض المخططين المحتملين أو المسافرين بشغل أعمال قصيرة الأمد لجمع الأموال اللازمة، في حين اعتمد آخرون، بكل بساطة، على مدّخراتهم أو على حسابات القروض الطلابية.

لنتناول بعض الأمثلة. إن مايكل زيهاف بيبو، الذي قتل جندياً كندياً قبل هجومه على البرلمان الكندي في تشرين الأوّل/ أكتوبر ٢٠١٤، عمل في أحد حقول النفط في مقاطعة ألبرتا من أجل جمع الأموال لمحاولته السفر إلى سوريا. وتتمتع الجرائم الصغيرة بإمكانية تأمين أموال كافية لشن هجوم محلي أو السفر إلى منطقة القتال كذلك. وهناك أيضاً حالة الفتى البالغ من العمر ١٥ عاماً في مونتريال الذي سطا على متجر وبحوزته سكّين وتمكّن من سرقة ٢٢٠٠ دولار لدفع ثمن تذكرة الطائرة من كندا. إلا أن والد المراهق قام بتسليمه إلى الشرطة بعد اكتشافه للمال في حقيبة ابنه. كما هناك الرجال الأربعة الذين اعتقلوا في شباط/ فبراير في بروكلين – نيويورك، لمحاولتهم الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد تم توفير قسم من أموالهم من قبل مناصر يدير أكشاك لبيع الأدوات المطبخية والهواتف الخلوية في مركز تجاري. ووفقاً للائحة الاتهام، تبلغ كلفة التذكرة ذهاباً وإياباً إلى اسطنبول ٥٩٨ دولاراً فقط. وقد توقّع أحد المتّهمين أنّه “ليس بحاجة إلى اصطحاب أكثر من ٤٠٠ دولار للسفر إلى سوريا لأنّه سوف لن يشعر بأي قلق [مادي] في أراضي تنظيم «الدولة الإسلامية»”. أمّا في بريطانيا، فقد سجّلت وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لشرطة لندن عدة حالات موّل فيها الجهاديون أنفسهم من خلال مساعدات الرعاية الاجتماعية التي تموّلها الدولة. وفي الآونة الأخيرة استخدم يحيى رشيد أموال قروضه الدراسية ومنحه التعليمية لتغطية تكاليف سفره وسفر أربعة أصدقاء آخرين من أجل الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا عبر المغرب وتركيا. أما في الولايات المتحدة، فوفقاً لـ “مكتب التحقيق الفديرالي”ّ قام كريستوفر كورنيل، المتّهم بالتخطيط لتفجير قنابل أنبوبية في مبنى الكابيتول الأمريكي وبإطلاق النار على الناس أثناء هروبهم، «بادّخار المال»، بكل بساطة، لتنفيذ هجماته. وفي العديد من الحالات، من بينها إطلاق النار في كندا، أدى إحباط سفر الأفراد إلى سوريا إلى التحوّل لارتكاب هجمات قاتلة في بلد الإقامة، مما أعاد بسهولة تحويل أموال السفر نحو القيام بأعمال إرهابية محلية.

وفي حين أن الحوكمة والإنفاق على الأسلحة التي يقوم بها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق يتطلب مصاريف عالية، فإن تنفيذ هجوم في الغرب غير مرتفع الكلفة. فلنأخذ مثلاً الهجمات التي وقعت في كانون الثاني/ يناير في باريس على مجلّة «شارلي أبدو»، وعلى شرطي، وبقالة يهودية. فقد ادّعى أميدي كوليبالي أنّه ساعد الأخوين كواشي في «مشروعهما» من خلال منحهما «بضعة آلاف يورو» لكي يتمكّنا من شراء ما كانا بحاجة إليه. وذكرت بعض التقارير أنّ الأخوين كواشي قد حصلا على ٢٠ ألف دولار من «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، لكنّ قاذف القنابل الذي تدفعه الصواريخ (آر بي جي) وبنادق الكلاشنكوف الأوتوماتيكية التي استخدمها الأخوان كواشي قد كلّفتهما أقل من ٦٠٠٠ دولار. كما أن بعض التقارير قد أفادت أيضاً أنّ كوليبالي نفسه قد استخدم قائمة دخل زائفة للحصول على قرض بقيمة ٦٠٠٠ يورو لتمويل عملية شراء الأسلحة للقيام بهجمات. وفي حين أعلن «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» مسؤوليته عن هجوم الأخوَين كواشي، إلّا أنّ كوليبالي ربط نفسه بـ تنظيم «الدولة الإسلامية».

وهناك مصدر تمويل آخر محتمل متوفّر للإرهابيين في الغرب – تقليدي في طبيعته ويتمثل بـ : استغلال الأعمال الخيرية. ففي ضوء الأزمة الإنسانية الكارثية في سوريا والعراق، حذّرت « فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية» في وقت سابق من هذا العام من أنّه “يجب أن يُعترف باحتمال استغلال الجمعيات الخيرية من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» أو المرتبطين به، بشكل مباشر أو غير مباشر، لجمع الأموال أو تمويل النشاطات”. وخلال العام الماضي، اتّخذت الدول الأوروبية إجراءات بحق العديد من الجمعيات الخيرية نظراً لوجود شكوك حول تمويلها للإرهاب. وفي تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، أغلقت السلطات الفرنسية جمعية « لؤلؤة الأمل» الخيرية التي ادّعت بأنها تقوم بـ “تعزيز صحّة الأطفال الصغار السوريين والفلسطنيين المرضى وتعليمهم”، ملقية القبض على شخصَين بتهمة تمويل الإرهاب. ووفقاً للمحققين، فبينما كانت جمعية « لؤلؤة الأمل» توصل الطعام والإمدادات الطبية، “كانت الجماعة تستخدم هذه التوزيعات أيضاً كواجهة لتحويل أموال خفيّة إلى جماعات جهادية كانت لها روابط بـ «جبهة النصرة»”. وفي الوقت نفسه، كانت حوالي ١٢ جمعية خيرية أخرى تحت المراقبة، بعضها لوجود شكوك بارتباطها بـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وحتّى اليوم، ارتبطت هذه الحالات بجمع الأموال لنشاطات إرهابية في سوريا والعراق، إلّا أنّ احتمال اختلاس مبالغ صغيرة لسفر الإرهابيين أو لتنفيذ عمليّات [مسلّحة] قد أقلق السلطات.

وهناك وسيلة واحدة أخرى قد يكون قد تمّ من خلالها تمويل، كلياً أو جزئياً، هجمات كتلك التي وقعت في باريس، وذلك: بأموال من تنظيم «الدولة الإسلامية» نفسه. وخلافاً للهجمات السابقة التي كانت بمعظمها مؤامرات فردية مستوحاة من تنظيم «داعش»، كانت هجمات باريس عمليّات بإدارة خارجية خُطّط لها خارج فرنسا كجزء ممّا وصفه مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية جون برينان بـ “أجندة عمليّات خارجية” لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وتشير بعض التقارير أنّ مسؤول كبير في تنظيم «داعش» يدير هذه الأجندة وهو أبو محمد العدناني، الذي يبدو أنّ رسائله المسجّلة الداعية إلى شنّ هجمات في الغرب ترتبط بالنشاطات العمليّة المتزايدة لعناصر فاعلة في تنظيم «الدولة الإسلامية» في أوروبا. وفي أواخر العام الماضي، مع بدء المحاربين الإرهابيين الأوروبيين الأجانب المرتبطين بـ تنظيم «داعش» بالتقاطر عائدين إلى وطنهم في أوروبا – وبعضهم، على ما يُعتقد الآن، من أجل تنفيذ هجمات – أصدر العدناني هذا التوجيه إلى أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية»: “إذا استطعت قتل كافر أمريكي أو أوروبي، لا سيّما لو كان فرنسياً حاقداً وقذراً، فعندئذ اعتمد على الله واقتله بأي طريقة أو وسيلة كانت”. ووفقاً لقاض سابق لمكافحة الإرهاب – الفرنسي جان لوي بروغيير، من شبه المؤكّد أنّ عبد الحميد أباعود، الرئيس المزعوم للشبكة المسؤولة عن هجمات باريس ومؤامرات عديدة سابقة، كان على اتّصال بمسؤولين كبار في تنظيم «الدولة الإسلامية» حول مخططات كهذه.

وإذا أراد قادة تنظيم «داعش» إرسال أموال من مخصصات الحرب لتمويل عمليّات في الخارج، هناك العديد من الطرق التي يستطيعون اعتمادها حتّى وإن كان تنظيم «الدولة الإسلامية» مقطوعاً بشكل كبير عن النظام المالي الرسمي. فـ “البنك المركزي العراقي” على سبيل المثال، أصدر تعليمات إلى المؤسسات المالية بمنع التحويلات البرقية من مصارف تقع في مناطق يسيطر عليها تنظيم «داعش» وإليها، كما أنّ المصارف الدولية التي تمتلك فروعاً لها في هذه المناطق قد نقلت موظّفيها إلى أماكن أخرى. ولكن هناك طرقاً أخرى يستطيع تنظيم «الدولة الإسلامية» إرسال الأموال من خلالها إذا اختار القيام بذلك، خارج إطار المحاربين الإرهابيين الأجانب العائدين الحاملين معهم مبالغ مالية صغيرة إلى أوروبا.

أوّلاً، على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية، لا يزال المسؤولون قلقين من أنّ نظام الأسد في سوريا لم يضع أي قيود على المصارف التي تقع في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش». وحتّى في العراق، تحذّر «فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية» من أنّ بعض الفروع في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» “قد تحافظ على روابط مع النظام المالي الدولي”. وعلى الرغم من أنّ العديد من المؤسسات الدولية قد قطعت روابطها على الأرجح مع هذه المصارف، وجدت «فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية» أنّ هذه الأخيرة لا يزال بإمكانها التواصل مع بعض السلطات التي لم تتمّ تسميتها.

وقد انخرط تنظيم «داعش» أيضاً في مجال الخدمات المصرفية المستترة، وفي الوصول إلى المصارف التي لها روابط مع النظام المالي الدولي خارج المناطق التي يسيطر عليها. فقد أفاد مسؤولون هولنديون أنّ المحاربين الإرهابيين الأجانب الذين وصلوا إلى سوريا أو العراق كانوا يستخدمون بطاقات السحب الآلي الأوروبية المرتبطة بحساباتهم المصرفية الوطنية عندما كانوا يسحبون المال من أجهزة الصرف الآلي في المناطق القريبة من تلك التي ينشط فيها تنظيم «الدولة الإسلامية».

وبالإضافة إلى النظام المصرفي الرسمي، يستطيع تنظيم «داعش» إرسال أموال عبر الجهات الأجنبية المجاورة المعنية بتحويل الأموال واستلامها. وتفيد السلطات الفنلندية أنّ طريقة شائعة لإيصال الأموال إلى المقاتلين الأجانب لدى وصولهم إلى سوريا أو العراق هي إرسالها عبر “الجهات المعنية بتحويل الأموال التي لديها وكلاء يعملون في مناطق حدودية قريبة من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية»”. وقد لاحظت السلطات الهولندية نشاطاً مماثلاً و”تعتبر أنه من المرجّح كثيراً أنّ… وسطاءً ينقلون السيولة النقدية إلى المناطق القريبة من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»”. وقد ابتكرت عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» خططاً أخرى أيضاً. على سبيل المثال، أبلغت السلطات السعودية «فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية» أنّ أفراداً مرتبطين بالتنظيم قد وجّهوا نداءً إلى جهات مانحة عبر موقع «تويتر» وطلبوا منها إقامة اتّصال عبر «سكايب». وبعد ذلك، طلبت العناصر من هذه الجهات المانحة شراء بطاقات دولية مدفوعة سلفاً (مثل رصيد هاتف خلوي أو رصيد مَتْجر)، ثمّ إرسال أرقام البطاقات لهم عبر «سكايب». وسوف تصل هذه المعلومات في النهاية إلى أحد أنصارهم قرب منطقة يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، حيث يستطيع هذا الشخص بعد ذلك بيعها وإرسال السيولة النقدية الناتجة عنها إلى الجماعة. وفي حين أنّ جميع هذه الحالات مرتبطة بنقل أموال إلى سوريا والعراق، فمن الممكن استخدامها بكل سهولة لإرسال الأموال بالاتجاه المعاكس.

وسواء كان المهاجمون في باريس قد موّلوا عمليّاتهم عبر أنشطة إجرامية أو أخرى في أوروبا، أو قد تمّ تمويلهم، كلياً أو جزئياً، من أموال تنظيم «داعش» عن طريق قادته في سوريا والعراق، تبقى الحقيقة أنّ الهجمات لم تكن عالية الكلفة. إنّ تعقّب أثر الأموال بعد الفِعْل قد يكون أداة تحقيقية واستخباراتية فعّالة للغاية للكشف عن شبكات خفيّة، ورصد عناصر أخرى، ومنع الهجمات المتابعة، إلّا أنّ الأداة الاستخباراتية المالية ليست الدواء الشافي. ففي نهاية المطاف، من السهل الحصول على مثل هذه المبالغ المالية الصغيرة، وبإمكانها تسهيل الهجمات الناجحة بصورة مؤلمة.

ماثيو ليفيت

معهد واشنطن