نحن وإيران بين العمى والهلوسة

نحن وإيران بين العمى والهلوسة

download

لام وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، في مقابلة له نشرت في مجلة «أتلانتيك»، دول مجلس التعاون الخليجي لأنها لا تتصدى لإيران في ميادين المنطقة. وقال: «نحن نرى إيران في كل مكان، ولا نرى وجودًا خليجيًا». وبعكس ملاحظته، تقرأ مقالات في الصحافة الأميركية، مثل كارول جياكومو التي كتبت في «نيويورك تايمز» تقول: «هناك هوس سعودي يتخيل وجودًا لإيران في كل أحداث المنطقة». حيرتمونا، فهل دول الخليج مصابة بالعمى فلا ترى خطر إيران، أم أنها تعاني من الهلوسة بمتلازمة إيران؟
الحقيقة بين الاثنتين. دول الخليج في حالة مواجهة متعددة الجبهات مع إيران. فهي تمول المعارضة منذ أربع سنوات في سوريا. وفي اليمن تخوض السعودية، وحليفاتها الخليجية، أكبر حرب لها ضد أتباع إيران الذين استولوا بالقوة على الحكم وأخذوا أعضاء الحكومة رهينة. عدا عن بقية مناطق التوتر الأخرى بما فيها ليبيا البعيدة. وفي الوقت الذي يلقي فيه وزير الدفاع الأميركي باللوم، فإنه يرى إيران أيضًا في كل زاوية مضطربة موجودة بشكل صريح عبر الوكلاء (البروكسيز). فهناك منظمة ضخمة كحزب الله تعيش بالكامل على أموال وسلاح إيران، وهناك «الجهاد الإسلامي» و«حماس» السنيتان في غزة، والمعارضة الدينية الشيعية المتطرفة في البحرين. وجماعة «أنصار الله» التي أسسها الإيرانيون على غرار حزب الله في شمال اليمن، تماما على حدود السعودية. والعديد من التنظيمات العراقية الوكيلة التي تعمل لإيران، مثل «عصائب الحق» و«حزب الله العراق». وأرسلت ميليشياتها تقاتل في سوريا تحت إدارة الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
إيران كانت دائما نشطة في إثارة المشاكل بالمنطقة، واتسعت شهيتها منذ بداية التفاوض على الاتفاق النووي مع الغرب، وترى أن الغرب لم يعد يريد مواجهتها بخلاف الماضي القريب.

لكن بخلاف ما يوحي به تصريح الوزير كارتر، فإن التوتر لا يستوجب رفع درجة المواجهة مع إيران. وبالتأكيد إدارة الأزمة اليوم مع إيران ليست سهلة أبدا، وتتطلب شيئا من الحزم والكثير من الحكمة. في اليمن، ما كان للسعودية أن تترك إيران تستولي، عبر وكيلها الحوثي، على البلاد، وإلا أصبحت السعودية بين فكي كماشة، في العراق شمالا واليمن جنوبا. وهي لم تتخل كذلك عن دعم الشعب السوري خلال محنته لأربع سنوات، تدعم المعارضة ضد نظام هو حليف إيران الأول. ورغم صعوبة الأوضاع والأزمات، نعرف أن إيران ستخسر اللعبة في بلدين: سوريا واليمن.. الأول بحكم ضخامة العداء لها وللأسد، من قبل ثمانين في المائة من السكان. أما اليمن فالخليج هو المانح وليس الناهب كما في حالة إيران في العراق مثلا. وفي العراق، ها نحن نرى بوادر رفض هيمنة الجار الإيراني، ليس من قبل السنة فقط، بل هذه المرة من الشيعة. فالنجف تقود اليوم حركة نقد علنية، وتمردًا إداريًا على النفوذ الإيراني في بغداد. والصدام طبيعي لأن العراقيين لن يقبلوا بأن تستولي إيران على قراراتهم البترولية والمائية والعسكرية لأغراضها.

نحن لا نتخيل سعي طهران للسيطرة على عدد من مناطق التوتر في الشرق الأوسط، وهو مشروع سيكلفها الكثير وسيكلفنا أيضًا. القيادة الإيرانية التي يهيمن عليها الحرس الثوري، كما هو الحال في كوريا الشمالية، ستظل مصدرًا للتوتر والصدامات، خاصة وهي تعتقد أن الولايات المتحدة ستقلص من وجودها في المنطقة بعد اتفاقية البرنامج النووي.

عبدالرحمن الراشد

صحيفة الشرق الأوسط