تتواصل التوترات الأمنية في محافظة درعا جنوبي سورية، مع نجاح النظام وأجهزته الأمنية في إضافة عنصر جديد للمشهد الذي يتسم بالفوضى أساساً في المحافظة، وهو تنظيم “داعش”، الذي يسود اعتقاد على نطاق واسع، بأنه يتم تحريك عناصره المفترضين من جانب أجهزة النظام الأمنية.
وفي آخر هذه التطورات، فجّر عنصر مفترض في تنظيم “داعش” نفسه ليلة الجمعة داخل منزل القيادي السابق في “الجيش الحر” غسان أكرم أبازيد، بالقرب من مدرسة اليرموك في حي الأربعين بدرعا البلد، ما أسفر عن سقوط 4 ضحايا،وعدد من الجرحى، وأفيد عن إصابة غسان أبازيد بجروح. وعمل غسان ضمن “لواء التوحيد” التابع لـ”الجيش الحر” قبيل تسوية عام 2018، وبعدها لم ينضم لأي تشكيل عسكري تابع للنظام السوري.
وذكر المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو محمود، لـ”العربي الجديد”، أن معظم المصابين هم من المدنيين، ممن اعتادوا السهر في مضافة أبازيد لساعات متأخرة من الليل.
وسبق أن فجر مجهولون عبوة ناسفة قرب منزل غسان أبازيد كانت تستهدف القيادي السابق في “الجيش الحر” أبو عمر أبازيد في حي الأربعين بدرعا البلد، في 12 الشهر الحالي، من دون وقوع إصابات.
اتهام أجهزة النظام بتجنيد انتحاري
وأضاف أبو محمود أنه من غير المستبعد أن يكون الشخص الذي فجر نفسه في المضافة مجنداً من جانب أجهزة النظام الأمنية، خصوصاً أن غسان أبازيد رفض الانضمام إلى أي من تشكيلات النظام الأمنية والعسكرية بعد تسوية عام 2018، وهذه الفئة من الأشخاص كانت دائماً موضع سخط النظام، وتمت تصفية العديد من الأشخاص في حالات مشابهة.
وأشار إلى اعترافات القيادي في تنظيم “داعش” رامي الصلخدي، والتي نشرها التجمع قبل نحو أسبوع، وتشير إلى اجتماعه مع رئيس جهاز الأمن العسكري في محافظة درعا لؤي العلي، وطلب الأخير منه اغتيال شخصيات معارضة في مدينة جاسم شمالي المحافظة.
وقال الصلخدي في المقطع المصور، (وُجدت جثته مرمية في شوارع جاسم بعد يوم من بث الاعترافات)، إنه تعرّف على رئيس جهاز المخابرات العسكرية التابع للنظام السوري، عن طريق ابن عمه نضال، الذي أخذه معه في إحدى المرات إلى مقر المخابرات في مدينة درعا للاجتماع مع لؤي العلي الذي طلب منه اغتيال شخصيات معارضة للنظام في مدينة جاسم. وأشار إلى تزويده ببندقية ومسدس لتنفيذ هذه المهمات. كما أظهر المقطع المصور وجود محادثات على هاتف الصلخدي مع لؤي العلي.
ويعد الصلخدي أحد المسؤولين عن إدخال قياديين وعناصر من تنظيم “داعش” إلى مدينة جاسم أخيراً، بالتنسيق مع ابن عمه نضال الصلخدي المقرب من لؤي العلي، والذي تربطه علاقة بقادة من “حزب الله” اللبناني، وفق “تجمع أحرار حوران”.
خلايا لـ”داعش” في الجنوب السوري
وقال أحمد أبازيد، وهو من أقارب ضحايا التفجير، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن هناك خلايا نشطة باسم “داعش” في الجنوب السوري، بعض عناصرها من بقايا “جيش خالد بن الوليد” سابقاً أو وافدون جدد.
وأضاف “تم حصار قيادي عراقي في تسيل قبل أشهر، كما تم حصار مجموعة في جاسم قبل أيام، وكانت هناك اعترافات مسجلة من مجموعة جاسم أنهم مرتبطون بالأمن العسكري بقيادة العميد لؤي العلي”.
وتابع: “يسمح تتبّع نشاط هذه الخلايا برؤية التشابه بين أهدافها وأهداف النظام في الجنوب، من حيث استهداف قادة الفصائل السابقة وقادة اللجان المركزية ممن لم ينخرطوا في أجهزة النظام وقاوموا حملات النظام بعد التسوية. لذلك هناك قناعة عامة في الجنوب، أن ما يطلق عليه داعش هو غطاء للأمن العسكري أكثر مما هو مرتبط بالتنظيم، وما حصل في درعا البلد يعزز هذه القناعة”.
وكانت تسجيلات مُسربة كشفت، في مارس/آذار من العام الماضي، التواصل بين العميد غياث دلة قائد قوات “الغيث” وضابط آخر مع أبو عمر الشاغوري المتهم بالانتماء إلى “داعش”.
ووفق ما جاء في مكالمتين هاتفيتين، بثهما موقع “درعا 24″، فان الشاغوري، وهو من بلدة المزيريب غربي درعا، متهم بمبايعة تنظيم “داعش” وأحد المطلوبين الستة للترحيل باتجاه الشمال السوري، في حينه، قال للعميد دلة وضابط آخر يُدعى العقيد عبد القادر، أن هناك عهداً بينه وبين دلة، وأن ضابطاً برتبة لواء في اللجنة الأمنية تعهد له بحمايته، وإبعاد أي خطر عنه، مستنكراً أن يتم ترحيله باتجاه الشمال مع الأسماء التي كانت مطروحة للترحيل.
بدوره أوضح الضابط الآخر في التسجيل أن ترحيل الشاغوري إلى الشمال السوري سيكون لبعض الوقت فقط، وأن عدم ترحيله سيشكل خطراً عليه، وذلك أنّ البقية سيتهمونه بالخيانة، مشيراً إلى أن ذلك سيكون كما حدث في الصنمين، حيث تمت إعادة بعض المُرحّلين إلى الشمال بعلم ومساعدة القيادة كما قال.
تنسيق بين “داعش” وأجهزة النظام الأمنية
من جهته، قال الناشط أبو محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن التنسيق بين “داعش” وأجهزة النظام الأمنية، غير خافٍ على أحد في درعا وفي بقية المناطق السورية.
أبو محمد الحوراني: أجهزة النظام أفرجت عن قادة “داعش”
وأشار إلى أنه عند اقتحام حوض اليرموك الذي كان معقلاً للتنظيم، اعتقلت أجهزة الأمن العديد من قادة “داعش”، وأفرجت عنهم بعد الاتفاق معهم على أجندة عمل مشتركة في الجنوب السوري، تتضمن تنفيذ عمليات اغتيال لصالحها.
وأضاف أن هناك بعض العناصر السابقين في “داعش” ممن كانوا في منطقة حوض اليرموك يتلقون حوالات مالية شهرية، ويحملون بطاقات أمنية، وبعضهم له صلات مع قيادات أمنية من “حزب الله” اللبناني، ومع ضباط وعسكريين يعملون ضمن الأجهزة الأمنية، وخصوصاً الأمن العسكري.
وكانت فصول إعادة إحياء “داعش” في المحافظة بدأت في أغسطس/آب الماضي، عندما لجأت قوات النظام إلى محاصرة مدينة جاسم بذريعة وجود عناصر من التنظيم في المدينة.
وقال مصدر مطلع لـ”العربي الجديد” إن “عدد عناصر التنظيم الذين وصلوا إلى جاسم لم يكن يتجاوز 10 أو 15 عنصراً وقيادياً، حينها طلب لؤي العلي من الفصائل المحلية في جاسم قتال عناصر التنظيم وإخراجهم من المدينة، لكن المسلحين المحليين رفضوا، وطلبوا من قوات النظام أن تتحرك بنفسها لقتالهم”.
تمدد “داعش” في جاسم
وأوضح المصدر أن المفاجئ كان تمدد التنظيم في جاسم،ووصلت أعداد عناصره إلى أكثر من 100 خلال فترة قصيرة، وباتت لديه مقار ومحكمة خاصة به، مشيراً إلى أن مقاره لا تبعد مئات الأمتار عن مواقع لقوات النظام. وحين استفحل خطر هؤلاء العناصر في جاسم وبدأوا بمضايقة الناس وازدادت عمليات الاغتيال والفوضى الأمنية، قررت الفعاليات المحلية إنهاء وجود التنظيم من دون تدخل النظام. وبالفعل، بدأت العملية منتصف الشهر الحالي، وتمكن المسلحون المحليون من قتل وأسر قرابة 50 عنصراً من التنظيم، من بينهم رامي الصلخدي، الذي أعدم على خلفية ارتباطه بأمن النظام.
ولفت المصدر إلى أن لؤي العلي كان يريد ضرب عناصر المعارضة بالتنظيم، فيضعف الطرفين، ليستطيع النظام بسط سيطرة كاملة على جاسم ومحيطها، لكن الفصائل تنبهت للأمر وتمكنت من تفويت الفرصة على هذا المخطط.
العربي الجديد