تحدى عشرات الآلاف من الإيرانيين في مختلف أنحاء البلاد يوم الأربعاء كتائب قوات الأمن بالتظاهر والاحتجاج ضد نظام حكم رجال الدين، ولإحياء الذكرى ذات البعد الديني القوي والرمزية السياسية مع مضي 40 يوماً على وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.
وفي مدينة شيراز الإيرانية وسط البلاد، قتل ما لا يقل عن 15 شخصاً في ظروف غير واضحة بعد هجوم مسلحين على ضريح، وفق وسائل إعلام حكومية، واعتقل اثنان من “اﻹرهابيين” المزعومين بينما يلاحق آخر، وفق تقارير أخرى.
ويستند الحراك المستمر منذ أسابيع إثر وفاة أميني إلى معارضة الأحكام الاجتماعية الإسلامية وفي الغالب يقوده علمانيون إيرانيون، وكان لدى المراقبين والناشطين شكوك في شأن ما إذا كانوا سيتظاهرون إحياءً لذكرى “الأربعينية” وهي تقليد حداد ذي خلفية دينية، ولكن معارضي النظام شاركوا في المناسبة بحماس.
وشوهد الإيرانيون ومعظمهم من الأكراد الإيرانيين القاطنين في بلدة سقز غربي إيران مسقط رأس أميني يسيرون لأميال على الطرق السريعة وعبر الحقول للوصول إلى مكان دفنها، إذ عمدت قوات النظام إلى إغلاق أو تقييد حركة مرور المركبات وهددت السكان بإطلاق النار منذ ليلة الثلاثاء.
وأظهرت لقطات تجمعاً حاشداً أمام مكتب المحافظ في سقز يهتف: “لا تخافوا، لا تخافوا، كلنا معاً”.
وعمت الاحتجاجات جامعات عدة في أنحاء البلاد، بما في ذلك العاصمة طهران ومشهد وتبريز وهمدان، كما شملت المراهقين من طلاب المدارس الثانوية أثناء عودتهم من الفصول الدراسية.
“باسيجي اغرب عن وجهي! باسيجي اغرب عن وجهي!” هتاف تطلقه النساء في جامعة الزهراء في إشارة إلى جماعات الباسيج شبه العسكرية التي ترهب المتظاهرين الإيرانيين، حيث يجابهن المسؤولين الذين يحاولون منع حراكهن.
كذلك نزل الأطباء وأطباء الأسنان إلى شوارع طهران تنديداً بمقتل أميني وباحتجاز زميل لهم من القطاع الطبي قبل أن تطاردهم قوات إنفاذ النظام مطلقة الغاز المسيل للدموع أو الرشقات النارية، وفق لقطات منشورة على الإنترنت. وامتلأ مركز تسوق في ميدان فالي آسر وسط طهران بالمتظاهرين الشباب، وكذلك السوق الكبيرة التقليدية التي كانت ذات يوم مركزاً للقوة التجارية.
“وهتف المتظاهرون “حرية، حرية، حرية!” وذلك وفق لقطات منشورة على الإنترنت.
حتى في سوق طهران للحواسيب المليء بالمترفين من الإيرانيين الذين يستمعون إلى الموسيقى الغربية وينزلون أحدث التطبيقات، يلطم العاملون في مجال التكنولوجيا صدورهم وهم يرتدون اللون الأسود في طقوس حداد هاتفين: “سنقتله، سنقتله، من قتل أختنا”.
وضربت التحركات العمالية البلاد أيضاً إذ أضرب العمال في مصفاة بطهران، كما أضرب أصحاب المتاجر في المناطق التجارية بمدن عدة، بما في ذلك طهران وشيراز وأراك، كما نظم العمال في بورصة تبريز توقفاً عن العمل للاحتجاج على حالة أسواق المال ظاهرياً.
وتشير ذكرى مرور 40 يوماً على الوفاة في الديانتين الإسلامية والمسيحية الأرثوذكسية الشرقية إلى انتقال روح المتوفى من الأرض إلى الآخرة، وعادة ما يحييها الأصدقاء والأقارب بزيارة القبر تعبيراً عن احترامهم.
وقبل ثورة عام 1979 التي قادت إلى تأسيس نظام حكم رجال الدين في طهران، اتسم الاحتفال بـ”أربعينيات” قتلى الاحتجاجات بالتظاهر السياسي الذي قوبل بدوره بإطلاق النار وسقوط قتلى تلته احتجاجات أخرى بعد 40 يوماً في دورات راكمت الزخم وأفضت إلى سقوط النظام الملكي في البلاد.
ويتوقع المحللون مزيداً من الاضطرابات في الأيام المقبلة، إذ سيحيي المتظاهرون أيضاً ذكرى مرور 40 يوماً على وفاة القاصرتين نيكا شكارامي وسارينا إسماعيل زاده، وهما شابتان يزعم أنهما قتلتا على أيدي قوات إنفاذ النظام.
وقالت الناشطة الإيرانية شارار محبودي التي غادرت إيران قبل ثلاث سنوات بعد أن كانت خاضعة لمراقبة قوات الأمن: “إن ذكرى الأربعينية هي تقليد أكثر من كونها تديناً، ومن الآن فصاعداً سيبحث الإيرانيون عن أي ذريعة للاحتجاج، حتى لو كان هذا الاحتجاج دينياً. وإذا لطموا صدورهم في الحداد وارتدوا الأسود، فربما تتساهل معهم قوات الأمن قليلاً”.
وتجاهلت وسائل الإعلام الحكومية احتجاجات الأربعاء حتى مع انتشار لقطات مأساوية من الاضطرابات العارمة في الإنترنت وقنوات التلفزيون الفضائية المعارضة. وعرضت واجهة الموقع الإلكتروني لتلفزيون “برس تي في”Press TV الإيراني باللغة الإنجليزية مواضيع إخبارية عن الاحتجاجات في شأن كلفة المعيشة في فرنسا وإسبانيا من دون ذكر أي كلمة عن الاضطرابات في البلاد.
ورد النظام على الاحتجاجات بعنف مدروس، وقتل في أعمال العنف ما لا يقل عن 252 متظاهراً من بينهم 36 قاصراً، واعتقل ما لا يقل عن 13535 شخصاً، وفقاً لوكالة “هرانا”، وهي مجموعة لرصد حقوق الإنسان.
وألقى النظام باللائمة على محرضين خارجيين في إثارة الاضطرابات وتعهد اتخاذ إجراءات قانونية ضد “وسائل إعلام معادية” في المملكة المتحدة لدعمها “الإرهاب” وعلى وجه الخصوص، ألقى باللائمة على شبكة التلفزيون الإيرانية الدولية الشعبية المدعومة من السعودية وكذلك “بي بي سي” الفارسية وتلفزيون مانوتو، ومقارها جميعاً في لندن.
“المملكة المتحدة وإمبراطورية الأكاذيب بأكملها في لندن تزرع الفوضى وتنظم حرباً نفسية” للحفاظ على استمرار الاحتجاجات، بحسب افتتاحية صحيفة “جافان” Javan المرتبطة بالحرس الثوري.
ومع حلول الظلام تبدأ حاويات القمامة وسط طهران بالاحتراق وتتحول شوارع بعض الأحياء إلى معارك بالحجارة بين قوات الأمن والمواطنين.
وتقول السيدة محبودي التي تتصل بالمتظاهرين بصورة منتظمة في إيران، بما في ذلك المراهقون الذين يتحدون إرادة والديهم وينزلون إلى الشوارع يومياً: “هكذا تكون الثورة. ربما يستغرق الأمر عاماً أو اثنين، وربما سيموت الكثير من الناس. سيقتل النظام أي شخص، هم عديمو الرحمة وليس لديهم مكان آخر على هذا الكوكب يذهبون إليه”.
اندبندت عربي