برنامج الحكومة العراقية مشروع طموح في وقت ضيق

برنامج الحكومة العراقية مشروع طموح في وقت ضيق

اقترنت موافقة البرلمان العراقي وتصويته على تكليف محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة الجديدة التي اعقبت حكومة مصطفى الكاظمي، بإعلان السوداني المنهاج الحكومي، الطويل الذي وزع بـ 28 ورقة وعشرات الفقرات.

وقد جاء إعلان المصادقة ليحسم حالة الانسداد السياسي التي استمرت أكثر من سنة على الفراغ الدستوري الذي تلا انتخابات 2021، واستقالة 73 نابئاً يتبعون التيار الصدري.
الخوض في تفاصيل ذلك المنهاج الذي أعده رئيس حكومة ممثلاً للإطار التنسيقي الشيعي المؤلف من خمسة أحزاب ولائية رئيسة، من بينها ائتلاف الفراتين الذي يمثله السوداني بعضوين من النواب، فإن الملاحظة اللافتة فيه الفارق بين محتوى المنهاج الحكومي وتناقضه مع توجهات ورغبات الأحزاب المشاركة في الحكم، والمتحالفة في الغالبية البرلمانية التي انبثقت عنها الحكومة، فقد امتلأ البرنامج بالتواقيت والوعود التي تلزم السوداني تنفيذها وصولاً لانتخابات مقبلة بعد سنة، بعد استكمال قانون انتخابي جديد يصادق عليه البرلمان.

الخشية من تحالف إيراني – روسي  

لكن هذا البرنامج كما يقول الكاتب مازن صاحب “يصطدم بأجندات حزبية وعقليات متحجرة تستغل السلطة بلا دعم لبناء دولة مدنية عصرية متجددة بمعايير الحكم الرشيد”.

ويخشى صاحب أن تدفع تلك الأحزاب الموالية لإيران “بوصلة الحكومة تجاه تحالف محوري، مع إيران وروسيا والصين، فيما هذه الأحزاب لم تقدم أي حلول لبقاء أموال النفط العراقي تحت حماية الرئيس الأميركي، وهذه المفارقة في ضلالة الاختلاف مابين الواقع الإقليمي والدولي في عراق اليوم وبين أجندة الولاء والبراء، التي حولت البلاد ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران على حساب المواطن العراقي”.
ولذلك دعا كثير من الوطنيين العراقيين حكومة السوداني أن تكون خارج صندوق تضارب المصالح الإقليمية والدولية وتغلب المصلحة العراقية الداخلية على أجندات الدول الإقليمية التي حولت العراق منذ 2003 إلى حديقة خلفية لتصفية صراعاتها وخصوماتها مع المجتمع الدولي، سيما وأن هناك هدراً مريعاً للطاقات العراقية مادياً ومعنوياً، وفساداً مستشرياً بات فساداً مجتمعياً .

برنامج طموح ولكن؟

ملاحظات ونقود كثيرة وجهت للبرنامج الوزاري الحكومي، الموزع على 28 صفحة الذي يستند إلى المادة 76 – رابعاً من الدستور، تبنى خطة واقعية قابلة للتنفيذ من قبل الوزارات العشرين، التي تتوزع عليها مهمات الحكومة الحالية التي يديرها المهندس الزراعي محمد شياع السوداني (مواليد محافظة ميسان الجنوبية 1970) هدفها المعلن في ديباجتها إصلاح القطاعات، الاقتصادي والمالي والخدمات ومعالجة الفقر والبطالة ومكافحة الفساد الإداري والمالي، ووقف هدر المال العام بما يضمن الحكم الرشيد وتخفيف العبء عن المواطنين بمكافحة التضخم والعمل على استقرار أسعار السلع للمواطن والعمل على إرساء الأمن والاستقرار ونفاذ القانون وتعزيز هيبة الدولة، وتلبية مطالب الشعب بشكل عام والشباب المحتجين خصوصاً.

وأقرت الخطة تنظيم حملات استثنائية تحشد خلالها الطاقات المتاحة في أجهزة الدولة للقيام بتقديم الخدمات المباشرة للمواطنين في قطاعات الصحة والبنى التحتية والنظافة والكهرباء وعمليات إكساء الطرق الداخلية بإشراف مباشر من رئاسة الوزراء.

معالجة الفساد

وقد ركز المنهاج على معالجة الفساد وعده العائق الأول والأكبر في التنمية خلال تجارب السنوات الماضية، والسبب في عدم تمكن الدولة من تقديم الخدمات وهدر المال العام وانخفاض موارد الدولة وإعاقة عمل القطاع الخاص.
واعتمد المنهاج خطة تنموية طموحة لزيادة الإنتاج الزراعي وتحسين القطاع الصناعي لاستثمار الموارد البشرية والمادية وإعادة الثقة بالمنتج العراقي، مع العناية في تطوير الصناعة النفطية بكل مرافقها الحيوية، مع إعادة هيكلية الموازنة العامة وإدارة المال العام، لتقليل ضغط الإنفاق الاستهلاكي لصالح المشاريع والبرامج الخاصة بالتنمية المستدامة، مع تحسين بيئة الاستثمار وتوسيع آفاقه.
حقوق الإنسان
وأفرد البرنامج فصلاً عن حقوق الإنسان وتمكين المرأة بأن تتكفل الحكومة بضمان الحريات العامة وتنفيذ بنود قضايا حقوق الإنسان وتمكين المرأة وتأهيل سبل الالتزام بالاتفاقيات الدولية، واهتم البرنامج بتعزيز سيادة العراق وحماية مصالحه وتعزيز العلاقات الدولية لضمان المصالح المشتركة.
 كما أفرد البرنامج فصلاً لطرح رؤية ومشروع لحل الإشكالات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وفقاً للدستور بخاصة في ما يتعلق بقانون النفط والغاز وضرورة تشريعه، و دعا إلى تعزيز الأسس الكفيلة لإعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية وفقاً لأحدث نظم الإدارة وحوكمة القطاع الأمني ورفع كفاءته، وخص البرنامج استصدار تشريعات جديدة لقانون انتخابات مجلس النواب وقانون النفط والغاز ومشروع قانون الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص، ومشروع قانون الخدمة المدنية، ومشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وعمل على إطلاق حوار وطني لمراجعة العملية السياسية والتوصل إلى توصيات من شأنها تطوير الأداء الحكومي والبرلماني بما يضمن بناء دولة قوية تقوم بواجباتها اتجاه مواطنيها.
ويلاحظ من خلال الورقة الحكومية، ثمة إعادة نظر في جميع قرارات حكومة الكاظمي (تصريف الاعمال) اليومية، بخاصة الاقتصادية والأمنية والتعيينات التي وصفتها بـ “العشوائية”، وهو ملف كبير يشي بأن حكومة السوداني والجهة التي أوكلت لها المهمة تشكك بكل السلوك الإجرائي لحكومة تصريف الأعمال التي استلمت منها القيادة.

انتقادات

وعلى رغم شمولية المنهاج الوزاري، إلا أن ذلك لم يمنع من انتقاده ومعاينته من متخصصين عراقيين، يرون فيه برنامجاً طموحاً في وقت ضيق يستغرق سنة واحدة لإجراء انتخابات عامة بعد أن تستكمل رئاسة الوزراء صياغة قانون الانتخابات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وتحيله إلى المفوضية المستقلة. في المقابل، خلا المنهاج الحكومي من معالجة أوضاع بغداد العاصمة المتدهورة حضارياً والمربكة خدماتياً، على رغم أنها حاضنة لربع سكان العراق وهي في وضع لا تحسد عليه، فهي ليست من ضمن محافظات “البترو دولار” التي تخصص لها حصة من عائدات النفط كونها غير مصدرة للنفط.
ويوضح الباحث تغلب الوائلي “ألا يفترض أن يكون لها وضع خاص في المنهاج، كي لا تبقى في أسفل القوائم ليس العالمية فقط بل العراقية أيضاً”.

برنامج طموح بسقف ضيق

من جهة ثانية، يرى رئيس مركز التفكير السياسي العراقي الدكتور إحسان الشمري، أن “البرنامح الحكومي طموح جدا ًولم يحدد بسقف إجراء الانتحابات، لذلك فإن صعوبة تنفيذ وترجمة وجود تطبيق سريع لهذا البرنامج خصوصاً، أنه لم يراع التحديات المقبلة في ما يرتبط بالتحديات السياسية، وامكانية إعاقة الحكومة واحتمال انخفاض سعر النفط تحت أي انعطافة في أسواق النفط، إضافة إلى ذلك عدم ذكر البرنامج لآليات التطبيق والمدد الزمنية وقد يواجه تحدي التشكيلة الوزارية غير المنسجمة، ما قد يعرقل عمل السوداني، أو انفراط عقد الداعمين له كائتلاف إدارة الدولة أو حتى كالإطار التنسيقي الذي رشحه”.
ويضيف “أتوقع أن يصطدم المنهاج الوزاري بمصالح قوى سياسية وعودة صراع المكونات.أخلص إلى القول، إنه من الصعب تنفيذ هذا البرنامح وهو قد يكون بحاجة إلى خطة خمسية، يمكننا أن ننفذ ما نسبته 50 إلى60 في المئة من البرنامج، فقد أضاف السوداني تحد جديد  وألزم حكومته سنة لإجراء انتخابات مبكرة، ولكن بقانون انتخابي جديد، وقد يكون ذلك هو السبب في سماح الخصوم السياسيين تمرير الخطة والجلوس عند دكة الانتظار”.
اندبندت عربي