عائلات ضحايا هجمات حركة الشباب الصومالية

عائلات ضحايا هجمات حركة الشباب الصومالية

مقديشو – تأتي العمليات التي تستهدف العاصمة الصومالية مقديشو لتلحق أضرارا بالغة بالمدنيين وتخلف مآسي إنسانية مؤلمة، حيث خلّف التفجير الانتحاري المزدوج الذي نفذته حركة الشباب الصومالية في مقديشو السبت الماضي نحو 100 قتيل وأكثر من 300 جريح وقصصا إنسانية مؤلمة.

ويعد هذا الهجوم الذي استهدف وزارة التعليم الصومالية الثاني من نوعه في تقاطع زوبي الحيوي، حيث سبق أن انفجرت شاحنة محمّلة بمواد متفجرة قبل خمس سنوات، مخلفة نحو 500 قتيل وألف جريح.

ومنذ سنوات، يخوض الصومال حربا ضد حركة الشباب التي تأسست مطلع 2004، وهي حركة مسلحة تتبع فكريا تنظيم “القاعدة” وتبنت عمليات إرهابية عديدة.

ورأى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن “التاريخ يعيد نفسه، فلقد وقع الهجوم في المكان نفسه وطال أناسا أبرياء أيضا”.

وكان الرئيس شيخ محمود أعلن عندما تولى منصبه في مايو، أن الأولوية القصوى له هي إنهاء التمرد الإسلامي المستمر في البلاد منذ 15 عاماً.

عائلات عديدة فقدت ذويها في الانفجار، ومنهم من ودع صديقه وآخرون تحطم مستقبلهم مع الدمار الذي أصاب المكان

لكن بعد ثلاثة أشهر فقط شنت حركة الشباب واحدة من أكبر عملياتها على الإطلاق، حيث اقتحمت فندقاً على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو، وتحصن المهاجمون داخل الفندق لمدة ثلاثين ساعة. وقال مسؤولون آنذاك إن أكثر من عشرين شخصا قتلوا في الهجوم على فندق الحياة، كما أصيب أكثر من مئة آخرين.

وفي إحدى خطواتها الجريئة لمواجهة حركة الشباب وهجماتها، ضمت الحكومة الصومالية في أغسطس الماضي متشدداً سابقاً من حركة الشباب قاتل ذات مرة ضد السلطات، إلى صفوفها، ورغم جهودها المكثفة لم تستطع الحد من الهجمات الإرهابية التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء.

وفقدت عائلات عديدة ذويها في الانفجار الأخير، ومنهم من ودع صديقه وآخرون تحطم مستقبلهم مع الدمار الذي أصاب المكان عند تقاطع مزدحم قبالة وزارة التربية والتعليم.

وفور حدوث التفجير تحوّل المكان إلى ركام ووقف العشرات من المواطنين في حالة ذهول من هول الفاجعة، بينما سارع آخرون للبحث عن جثث ذويهم الذين انقطع الاتصال بهم.

وكان الطفل شارماركي الذي يمتهن تلميع الأحذية قريبا من موقع التفجير، وحين دوى الانفجار عاد مسرعا إلى مكان الحادث شاخصا البصر نحو سور مقر وزارة التربية والتعليم، حيث نجا من موت محتم جراء الانفجار الذي قتل عشرة من أصدقائه دفعة واحدة.

ورغم الخوف الذي يسود ملامح شارماركي، فإن صندوقه الذي يضم أدوات تلميع الأحذية ينبئ باستمرار الحياة مرة أخرى، عكس زملائه الذين قضوا في الانفجار.

الرئيس الصومالي: التاريخ يعيد نفسه، فلقد وقع الهجوم في المكان نفسه وطال أناسا أبرياء أيضا

وقال الطفل في حديثه “التفجير الانتحاري الأول أخذ مني أصدقائي عنوة، فهربت من الموقع دون أن أعي إلى أيّ وجهة أتجه وكان الغبار يغطي جسمي كله”.

وأضاف بنبرة حزينة “كنا نتجاذب أطراف الحديث تحت ظلال أسوار مباني الوزارة كما اعتدنا ظهيرة كل يوم، لكن التفجير أنهى كل شيء مع أصدقائي وإلى الأبد”.

وتابع الطفل الصومالي “عدت في اليوم التالي لموقع التفجير وعثرت على صندوقي وسط صناديق أصدقائي ولا زالت أشعر بحزن شديد”.

وفور حدوث الانفجارين، سارع جمال آدم، أحد رجال خدمات الإسعاف، إلى الموقع لنقل جرحى التفجير الانتحاري الأول، وبينما كان يحاول إسعاف مصاب بين عشرة مصابين آخرين كانوا في سيارته، وقع التفجير الثاني ليصبح هو الآخر في عداد الجرحى.

ويقول آدم إن قوة ارتداد التفجير دفعته خمسة أمتار بعيدا عن سيارة الإسعاف التي كان على متنها، وأدت إلى تهشيم أجزاء من السيارة التي كانت تقل عددا من المصابين في حالة حرجة.

وأضاف أن زملاءه في الخدمة أخبروه أن نحو خمسة أشخاص فقط من أصل عشرة مصابين كانوا في سيارته تم نقلهم إلى المستشفى، بينما سقط البقية ضحية التفجير الثاني.

وأشار إلى أنه يعاني من إصابة بسيطة وصدمات في الرأس، لكنه يصر على تقديم ما لديه من خدمات لصالح الشعب ولن يترك مقود سيارة الإسعاف “مهما كان”.

وثمة قصة محزنة للصحافي الصومالي محمد عيسى كونا مع تفجيري الوزارة، حيث كان قبل الهجوم الإرهابي آخر من تبقى في أسرته المكونة من ستة أشخاص.

وبمقتل كونا في الهجوم الأخير، باتت أسرة الصحافي تُعرف بالأسرة الشهيدة، حيث سقط جميع أفرادها جراء حوادث متفرقة سوى شقيقته التي توفيت بشكل طبيعي.

وقال الصحافي محمد الأمين، إن كونا كان آخر فرد في أسرته، “حيث قتل والداه على أيدي القوات الإثيوبية الغازية التي كانت تقاتل حكومة المحاكم الإسلامية، وقتل شقيقه الأصغر بثأر قبلي في الأقاليم الصومالية، بينما قتل شقيقه الأكبر في جنوب أفريقيا بعملية سطو مسلح قبل أشهر”.

وأضاف الأمين أن الصحافي كونا تخرّج في كلية الإعلام في إحدى الجامعات السودانية، وكان متواضعا يحبه الجميع، وكان أمامه مستقبل مشرق، لكن التفجير الدامي حال دون تحقيق أمنياته تاركا خلفه زوجته وطفلة واحدة.

ووصل أحد جنود الجيش إلى مكان الحادث مبكرا، فعثر تحت الأنقاض على طفلة بعمر سنتين في حضن سيدة متوفية، ورغم أنها نجت إلا أنها كانت مصدومة.

ونشر الجندي فيديو مسجلا قال فيه إنه عثر على الطفلة تحت الركام، مطالبا المواطنين بالبحث عن ذويها بعد أن قتلت أمها جراء التفجير الانتحاري المزدوج.

وحصد الفيديو ردود أفعال كبيرة في منصات التواصل، في محاولة لإيصال صورة الطفلة إلى ذويها، بينما قدم آخرون مبادرات لكفالتها ضمانا لمستقبل آمن لها.

العرب