عادت قضية الهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا تتصدر اهتمامات التعاون المشترك بين القاهرة والاتحاد الأوروبي على إثر تزايد معدلاتها مؤخرا، لكن هذه المرة من خلال سواحل ليبيا وليس مصر التي نجحت جهودها من قبل في ضبطها بدرجة كبيرة، وتحولت ليبيا إلى منطقة عبور رئيسية لمهاجرين غير شرعيين.
القاهرة – وقع الاتحاد الأوروبي مع مصر اتفاقا يقضي بتنفيذ المرحلة الأولى من برنامج لإدارة الحدود بقيمة 80 مليون يورو، لمساعدة حرس الحدود وخفر السواحل في مصر على الحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، ويتضمن تمويلا لشراء معدات مراقبة مثل سفن البحث والإنقاذ وكاميرات حرارية وأنظمة تحديد مواقع.
يسعى البرنامج، وفقًا لوفد الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة، لتطوير قدرات الأجهزة الأمنية والجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المعنية لاتباع “مناهج قائمة على الحقوق وموجهة نحو الحماية وتراعي الفروق بين الجنسين في إدارة الحدود”.
وشهدت الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من ساحل مصر الشمالي تراجعا حادا منذ أواخر 2016، إلا أن دبلوماسيين قالوا إن هجرة المصريين عبر الحدود الصحراوية الشاسعة مع ليبيا ثم إلى سواحلها على البحر المتوسط تزايدت إلى أوروبا.
وأشارت أرقام المفوضية الأوروبية إلى أنه جرى توقيف أكثر من 26500 مصري على الحدود الليبية في العام الماضي، وهناك توقعات بأن تشهد مصر تدفقات كثيفة من المهاجرين على المديين المتوسط والطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية، فضلا عن تراجع الفرص الاقتصادية.
وذهبت المعلومات الأوروبية إلى أن مصر لا تزال تتعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية “في الغالب من منظور أمني، وأحيانا على حساب الأبعاد الأخرى لإدارة الهجرة، بما في ذلك حماية المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء القائمة على الحقوق”.
ويشكل الدعم اللوجستي أحد أهداف الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية، ويحقق ذلك مكاسب عديدة لدول الاتحاد، تنعكس مباشرة عليها حال جرى توظيف الآلات والمعدات المقدمة بالشكل الأمثل لمراقبة الحدود.
16413 مصريا وصلوا على متن قوارب إلى إيطاليا، ما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين
ويتضمن التعاون مساعدة للمجتمع المدني الذي يدعم الاتحاد أنشطته في مصر، ويخدم أهدافه ليكون شريكًا للحكومة المصرية في مواجهة الهجرة من خلال التوعية.
ولم تعلن القاهرة من قبل بشكل رسمي عن حاجتها إلى مساعدات مالية أو لوجستية، واقتصرت الأحاديث عن ضرورة خلق آفاق اقتصادية تساعد على توفير فرص عمل، ولم توظف الإجراءات التي اتخذتها لتأمين السواحل واستقبال ملايين اللاجئين خلال السنوات الماضية كأسلوب ابتزاز للدول الأوروبية على الطريقة التركية.
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تصريحات إعلامية سابقة إن بلاده منعت المهاجرين من التسلل إلى أوروبا، “نحن لا نطالب بأي شيء في المقابل من أوروبا، نحن لا نفكر في استخدام ذلك في ابتزاز سياسي أو اقتصادي”.
وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن إلى أن الاتفاق الجديد يعبر عن تقدير أوروبي للقاهرة في ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية واستضافة اللاجئين، وأن مصر تلقت إشادات في الملفين الفترة الماضية، ما يجعل هناك حاجة إلى سد الثغرات التي تؤدي إلى زيادة معدلات المهاجرين عن طريق ليبيا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تأمين الشرق الليبي وطرد العناصر الإرهابية منح الفرصة لمصريين لديهم رغبة في الهجرة غير الشرعية من دون أن يتمكنوا من الهروب عبر السواحل المصرية.
وزادت معدلات سفر المصريين إلى الأراضي الليبية بذريعة البحث عن فرص عمل، وهناك العديد من التجار الذين قاموا بتوفير عقود عمل مزيفة لهم قبل أن يتم نقلهم إلى سواحل أوروبا، وهو أمر تكرر مع جنسيات عربية وأفريقية أخرى.
16413 مصريا وصلوا على متن قوارب إلى إيطاليا، ما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين
منطقة يصعب تأمينها مهما كانت درجة اليقظة الأمنية
وشدد السفير رخا على أن مسألة تأمين الحدود وفقًا للرؤية الأوروبية صعبة لأن الكثير من الشباب المهاجرين عبر السواحل الليبية خرجوا من مصر بعقود عمل وسيكون من الصعب التفرقة بين العاملين في ليبيا والباحثين عن الهجرة، لكن قد يكون هناك تدقيق على نحو أكبر لهذه العقود والتأكد ما إذا كانت مزيفة من عدمه، وهو أمر يحتاج إلى جهود مصرية مضاعفة.
وكشفت بيانات لوزارة الداخلية الإيطالية أنه منذ الأول من يناير الماضي وحتى الثامن والعشرين من أكتوبر المنصرم، وصل 16413 مهاجراً مصريًا على متن قوارب إلى السواحل الإيطالية، ما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين.
ويشير العديد من السياسيين في مصر إلى أن الاتحاد الأوروبي لديه مصالح إستراتيجية مع القاهرة يحاول الحفاظ عليها، وتحظى دول الاتحاد بأهمية تجارية مع مصر، وهناك حاجة ملحة لتحافظ الأخيرة على قدراتها في مواجهة ملف الهجرة غير الشرعية، بجانب أن أي انتكاسة في هذا الملف ستجد أوروبا نفسها أمام ملايين المهاجرين من دول مختلفة اتخذوا من الأراضي المصرية ملاذ آمنا للإقامة.
◙ الاتحاد الأوروبي استفاد من تجربته السيئة مع تركيا بعد أن حصلت أنقرة على مليارات من الدولارات لوقف الهجرة من حدودها إلى دول الاتحاد
وقدرت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث العدد الحالي للمهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بتسعة ملايين و12 ألفاً و582 مهاجراً، أي ما يعادل 8.7 في المئة من إجمالي سكان مصر البالغ عددهم 103 ملايين و655 ألفاً و989 نسمة.
وأكد رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جنيف أيمن نصري أن الاتحاد الأوروبي لا يتوانى عن تقديم الدعم اللازم إذا ارتبط الأمر بمواجهة أخطار تجابهه بشكل مباشر، في حين أنه يستمر في الضغط على مصر في الملف الحقوقي، وتبدو هناك ازدواجية في معايير تعامله مع الملفين المرتبطين ببعضهما.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الاتحاد الأوروبي استفاد من تجربته السيئة مع تركيا بعد أن حصلت أنقرة على مليارات من الدولارات لوقف الهجرة من حدودها إلى دول الاتحاد في الوقت الذي استمر فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توظيف الملف بغرض ابتزاز الدول الأعضاء، وأضحت هناك تشديدات على مراجعة المنح المالية المقدمة في ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية.
ولفت نصري إلى أن القاهرة أمام متابعة مستمرة من جانب الاتحاد الأوروبي للتعرف على نتائج الاتفاق الأخير، وفي حال حقق أهدافه الإيجابية من المنتظر أن يوقع الطرفان المزيد من اتفاقيات التعاون المالي واللوجستي، وأن الانفتاح الحالي على تقديم المساعدات يأتي بعد أن استمرت مصر في مكافحة الهجرة بشكل جاد وحقيقي وليس مزيفا على مدار سنوات من دون أن تحصل على مقابل لذلك.
العرب