عون يترك لبنان في أزمة مؤسسات غير مسبوقة

عون يترك لبنان في أزمة مؤسسات غير مسبوقة

بتوقيعه مرسوم استقالة حكومة تصريف الأعمال قبل مغادرته، ترك الرئيس اللبناني ميشال عون البلد في أزمة مؤسسات غير مسبوقة وسط انقسام الكتل النيابية بشأن كيفية التعامل مع الشغور الرئاسي، ما يعمق فوضى الفتاوى الدستورية والبرلمان المنقسم على نفسه.

بيروت – انزلق لبنان إلى أزمة حكومية غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد، وفي ظل حكومة تصريف أعمال محدودة السلطات وبرلمان منقسم بشدة، في وقت مازال البلد يكابد انهيارا ماليا قياسيا دفع معظم السكان إلى هوة الفقر.

والسياسات الطائفية المنقسمة في لبنان تعني أن انتخاب رئيس جديد للدولة أو تشكيل حكومة جديدة ليس بالأمر البسيط على الإطلاق.

فمجلس النواب ينتخب الرئيس في اقتراع سري من قبل النواب في البرلمان المؤلف من 128 عضوا، حيث يتم تقسيم المقاعد بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.

لكن الحد اللازم لتأمين النصاب القانوني والفوز يعني أنه لا يوجد فصيل أو تحالف لديه بمفرده مقاعد كافية لفرض خياره، مما يؤدي إلى مقايضة الأصوات بمزايا سياسية أخرى.

وتشكيل الحكومة مُعقد بنفس القدر، حيث تقسم الأحزاب حصصها من الوزارات على أساس النفوذ والطائفة وحجم الكتلة البرلمانية والمناصب المحتملة التي يمكن أن تشغلها في أماكن أخرى من الدولة.

ووصل ميشال عون إلى سدة الرئاسة في 2016، بفضل صفقة كبيرة أيدتها جماعة حزب الله الشيعية ذات النفوذ ومنافس عون المسيحي الماروني الرئيسي سمير جعجع، والتي أعادت السياسي السُني سعد الحريري كرئيس للوزراء.

ويمكن أن يلعب النفوذ الأجنبي دورا في إبرام صفقات لانتخاب الرئيس في بلد لطالما لعبت فيه المنافسات الدولية دورا في الأزمات المحلية.

ولطالما قادت المناورات التي يتطلبها تشكيل حكومة أو اختيار رئيس إلى ترك لبنان إما دون رئيس للدولة أو بوجود حكومة تعمل فقط لتصريف الأعمال. لكن للمرة الأولى يجتمع الأمران في الوقت نفسه.

وشهدت البلاد إجراء انتخابات برلمانية في مايو، ما أطلق عملية لتشكيل حكومة جديدة بينما تواصل الحكومة القديمة تصريف الأعمال.

وكلف عون رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة لكنه لم يوافق على أي من التشكيلات التي قدمها ميقاتي خلال الأشهر الستة الماضية، مما يعني عدم تشكيل حكومة جديدة.

وحذر عون في مقابلة مع رويترز من “فوضى دستورية” إذا انتهت ولايته دون خليفة ولا حكومة جديدة.

وقبل ساعات من مغادرة قصر الرئاسة، وقع عون على مرسوم قبول “استقالة” الحكومة، وأكد على حالة تصريف الأعمال. وأرسل رسالة إلى مجلس النواب حثه فيها على متابعة ميقاتي.

وينص الدستور على أن مثل هذا الوضع يجبر البرلمان على عقد اجتماع استثنائي لحين تشكيل حكومة جديدة. ومن المقرر أن ينعقد البرلمان الخميس.

والرئيس اللبناني مسؤول عن توقيع مشاريع القوانين وتعيين رئيس الوزراء والموافقة على تشكيلة الحكومة قبل رفعها للبرلمان للتصويت لمنحها الثقة. أما الحكومة فمسؤولة عن اتخاذ القرارات التنفيذية.

وينص الدستور على أن أي حكومة مستقيلة يجب أن تعمل “بالمعنى الضيق”، دون المزيد من التفاصيل. كما ينص على أنه في حال حدوث فراغ رئاسي يتعين على البرلمان الاجتماع على وجه السرعة لانتخاب رئيس جديد.

وخلال الفراغات الرئاسية في السابق، كانت الحكومة تتولى سلطات الرئيس من خلال اتخاذ القرارات بالإجماع. لكن قبيل تركه للمنصب أصر عون على التأكيد أنه لا ينبغي السماح لحكومة تصريف الأعمال بتولي هذه الصلاحيات.

اقرأ أيضا: غادر بعبدا… بعدما أدّى مهمته

ويثير ذلك تساؤلات حول كيفية تعامل لبنان مع الأزمة المالية المتفاقمة، التي تركت أكثر من 80 في المئة من السكان في فقر وحرمت المودعين من الوصول لمدخراتهم في النظام المصرفي المشلول منذ ثلاث سنوات.

وتوصلت الحكومة إلى مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي في مايو من شأنه أن يتيح تدفق المساعدات التي تحتاج إليها البلاد بشدة. إلا أن بيروت لم تطبق إصلاحات تُذكر من تلك المطلوبة لاستكمال الاتفاق.

وقال نائب رئيس الوزراء سعد الشامي إن لبنان لا يزال قادرا على عرض تقدمه على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي للمراجعة، لكنه ليس متأكدا مما إذا كان الاتفاق النهائي سيتطلب موافقة من الرئيس.

واستكمل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ما بدأه الرئيس اللبناني المنتهية ولايته لجهة تعميق الفوضى برفضه للانضمام إلى حوار يعد له رئيس البرلمان نبيه بري للتوافق على رئيس جديد.

وأكّد باسيل أنّ حزبه “من غير الممكن أن يدعم ترشّح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية”، مضيفا “الفراغ سيُكلّف البلد لكنه لن يُثنينا عن موقفنا”.

وأشار باسيل “هناك عجز لدى الجميع بالاتّفاق على مرشّح يمكنه الوصول إلى سدّة الرّئاسة”.

ويرى المحلل السياسي جورج عاقوري أن “القادة السياسيين لا يعول عليهم في انتخاب رئيس جديد للبلاد في وقت قريب لأنهم هم من أسهموا بالوصول إلى هذا الشغور الرئاسي بسبب تعطيل جلسات الانتخاب في مجلس النواب”.

أما الكاتب والمحلل السياسي منير الحافي، فيقول إن “الفرقاء السياسيين في لبنان منقسمون في ما بينهم في موضوع التعامل مع الشغور الرئاسي كما هم منقسمون في مواضيع أخرى”.

ورأى أن “السبيل الوحيد لانتخاب رئيس هو الذهاب والاقتراع للشخصية التي يراها النواب مناسبة ولتكن عملية ديمقراطية لانتخاب الشخص المناسب لإنقاذ لبنان من المحنة غير المسبوقة التي يمر بها”.

الدستور ينص على أن أي حكومة مستقيلة يجب أن تعمل “بالمعنى الضيق”، دون المزيد من التفاصيل

وأضاف “لنكن واقعيين، لن ينتخب رئيس للبنان إلا باتفاق عربي إقليمي دولي يشارك فيه أصدقاء للبنان كي يعطوا ’الاسم السحري’ للشخصية المطلوبة”.

ونهاية الأسبوع الماضي بدأ رئيس مجلس النواب بري التحضير لطاولة حوار لرؤساء الكتل النيابية ليلتقوا تحت عنوان “انتخاب رئيس للجمهورية” من دون الخوض في أي مواضيع أخرى.

وفي هذا الإطار، اعتبر الحافي أن “الحوار الذي دعا إليه بري هو لإفشال جلسات انتخاب رئيس جديد ويذهبون من خلاله إلى تعيين رئيس بدل انتخابه من قبل النواب”.

ورأى أن لبنان “أمام أفق مقفل بسبب عجز الطبقة السياسية دون استثناء عن أن يكونوا أحرارا وأسياد أنفسهم وتطبيق الدستور واحترام القوانين وإجراء انتخابات رئاسية”.

وعلق عاقوري على دعوة بري للحوار من أجل الوصول إلى توافق لانتخاب رئيس جديد، بالقول إنها “لكسب المزيد من الوقت وملء الفراغ وبلورة وضعية تسمح بإيصال رئيس يريده فريقه”.

ورأى أن هذه الدعوة “بحد ذاتها غير جدية لأن مجلس النواب يجب أن يكون هيئة ناخبة ويجب أن يدعو الرئيس بري إلى جلسات مفتوحة من أجل انتخاب رئيس”.

ويعاني لبنان منذ نحو عامين ونصف العام أزمة اقتصادية حادة تعد الأسوأ في تاريخه، حيث أدت إلى انهيار مالي ومعيشي، وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.

العرب