طهران- في ذكرى مرور 43 عاما على اقتحام مقر السفارة الأميركية في طهران واحتجاز موظفيها رهائن، أحيت حشود غفيرة من الإيرانيين -صباح اليوم الجمعة- ذكرى الحادث الذي أطلقت عليه سلطات طهران تسمية “اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي”.
وعشية ذكرى اقتحام مجموعة من الطلاب الثوريين في إيران عام 1979 مبنى السفارة الأميركية بطهران، قال المرشد الإيراني إنه “يمكن مشاهدة بصمات أميركا في معظم الأحداث المعادية لإيران”، متهما واشنطن بالسعي للتأثير على الرأي العام الإيراني لتأجيج الاحتجاجات في البلاد، كما وصف “المسؤولين الأميركيين الداعمين لاحتجاجات إيران بأنهم وقحون”.
وخلال استقباله حشدا من تلامذة المدارس، اعتبر خامنئي أن الأحداث الأخيرة التي تشهدها إيران هي “حرب هجينة” يستخدم فيها الأعداء كل إمكاناتهم، مشددا على أن طهران لن تنسى بعض الحوادث، وستفي بوعدها بالردّ على اغتيال القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني “في الوقت المناسب”.
ويستذكر الإيرانيون كل عام أزمة الرهائن، حين اقتحم قرابة 500 طالب من الموالين للثورة ومؤسسها الراحل آية الله الخميني في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 مبنى السفارة الأميركية، ردّا على سماح واشنطن للشاه المخلوع محمد رضا بهلوي بدخول الأراضي الأميركية.
وشكّل احتجاز الطلبة الثوريين 52 عنصرا من موظفي ودبلوماسيي البعثة الأميركية لمدة 444 يوما، أزمة دبلوماسية كبيرة لا تزال ارتداداتها حاضرة في الوقت الراهن بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، وذلك بالرغم من أن الأزمة انتهت بالتوقيع على اتفاقية الجزائر يوم 19 يناير/كانون الثاني 1981، وتم الإفراج عن الرهائن في اليوم التالي.
والمتابع للشأن الإيراني يرى جليا أن الأزمة التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران طوال أكثر من أربعة عقود، تحولت إلى نقطة خلافية في وجهات نظر المجتمع الإيراني حيال سياسة بلاده المعادية للولايات المتحدة، بين شريحة تعتقد أنها ضمنت بقاء نظام الجمهورية الإسلامية، وأخرى ترى أنها أثقلت كاهل البلاد بالأزمات والعقوبات والصراعات الإقليمية.
واستطلعت الجزيرة نت آراء عدد من المشاركين في التجمع أمام المقر السابق للسفارة الأميركية بشارع طالقاني وسط طهران، والذي تحول اسمه إلى “الوكر التجسسي الأميركي”، حيث أجمعوا على صوابية سياسة طهران حيال واشنطن.
لكن غير بعيد عن مقر الاحتفال حيث شارع الثورة الإسلامية، يدير بهرام (59 عاما) ظهره للمظاهرات ويتجه نحو ساحة الحرية الواقعة غربي طهران، ويعبّر عن اعتقاده أن “أزمة الرهائن أرست مبادئ التطرف السياسي في الجمهورية الإسلامية”، على حد وصفه، مضيفا أن “العقوبات والضغوط الخارجية إنما كانت نتيجة للسياسات الثورية التي عملت على خلق الأعداء في الداخل والخارج”.
من ناحيتها، ترى فاطمة (46 عاما) أنه كان بإمكان بلادها تفادي الكثير من الضغوط الأجنبية من خلال الخروج من العباءة الثورية، وحلحلة مشكلتها مع الولايات المتحدة عبر الحوار، وتبنّي سياسة مرنة مع العالم ولا سيما الدول الإقليمية.
تباين وانقسام
وفي السياق، يصف الدبلوماسي الإيراني الأسبق فريدون مجلسي مداهمة مقر السفارة الأميركية بعد 9 أشهر من قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، بأنه خطأ دفعت البلاد ثمنه غاليا، ولعل مصادرة نحو 13 مليار دولار من الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة كانت أبسط الضغوط التي مورست على الإيرانيين خلال أكثر من 40 عاما.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير مجلسي إلى الحصانة التي يتمتع بها أعضاء البعثات الدبلوماسية وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، مؤكدا أن موظفي السفارة الأميركية لم يكونوا مسلحين، وكان الأجدر بطهران أن تعتبرهم عناصر غير مرغوب بهم وتمنحهم مهلة للخروج من البلاد.
وتابع الدبلوماسي الإيراني الأسبق أن سياسة إيران المعادية للولايات المتحدة والتي أدت إلى خروج طهران من النظام الدولي، أثقلت كاهل البلاد بالأزمات والعقوبات، وحوّلتها إلى إحدى أفقر الدول بالمنطقة بعد ما كانت الدولة الأولى على مستوى الإقليم.
في المقابل، يدافع السفير الإيراني السابق في أرمينيا والبرازيل علي سقائيان عن “قرار الطلبة الثوريين احتجاز الجواسيس الأميركيين وإغلاق الوكر الأميركي التجسسي”، مؤكدا أن السفارة الأميركية كانت تعمل على تقويض الثورة الفتية للانقضاض عليها والإطاحة بالنظام الإسلامي.
واعتبر سقائيان -في حديثه للجزيرة نت- أن اقتحام مقرّ السفارة الأميركية في طهران عقب انتصار الثورة الإيرانية وضع حدا لتدخلات واشنطن المستمرة منذ عقود في شؤون طهران الداخلية، واصفا الحادث بأنه “الثورة الثانية التي أكملت استقلال البلاد”.
وخلص إلى أن الثورة الإيرانية قامت على شعار الاستقلال ومقارعة الاستكبار العالمي ومناصرة المظلومين في العالم، وهذا ما تحقق بعد إغلاق الوكر التجسسي الأميركي، على حد تعبيره.
المصدر : الجزيرة