من الثوابت في انتخابات التجديد النصفي لانتخاب الكونغرس وحكام الولايات التي تجرى في نهاية السنة الثانية من فترة الرئيس الجديد، تحسمها أولويات وقضايا وهموم الشؤون الداخلية، خاصة إذا لم تكن هناك حروب واستنزاف بشري وعسكري واقتصادي تخوضها أمريكا في الخارج.
جرى في انتخابات التجديد النصفي انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب (435) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (35) و36 من حكام الولايات ـ لذلك تشكل نتائج الانتخابات توازن قوى داخل السلطة التشريعية-وهي مؤشر على حجم الرضا من عدمه على أداء إدارة الرئيس في البيت الأبيض ـ واستفتاء على قبول أو رفض قراراته وسياساته. وبالتالي تحدد مسار العلاقة مع الكونغرس والناخبين للعامين المتبقيين من رئاسته ومدى امتلاكه فرصة إعادة انتخابه لفترة ثانية من عدمها.
في انتخابات التجديد النصفي لانتخاب جميع أعضاء مجلس النواب (435) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (35) و36 من حكام الولايات ـ غابت كلياً القضايا الخارجية، برغم انغماس أمريكا في دعم المجهود العسكري والسياسي لأوكرانيا في حربها وتصديها لغزو واحتلال روسيا، وتقديم40 مليار دولار دعم مالي وعسكري، دُفع منه 18 مليار دولار، في حرب استنزاف وبالوكالة تخوضها أمريكا وحلفاؤها في حلف الناتو. الملفت، لم تحظ حرب أوكرانيا رغم دمويتها وكلفتها، أي اهتمام لدى الناخب الأمريكي.
جرت انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 ـ بعد عامين من انتخاب الرئيس بايدن وقبل عامين من نهاية فترة رئاسته الأولى لم تشذ عن تلك القاعدة. حيث هيمنت القضايا الداخلية من سياسية واجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى وسجلت أولويات مهمة للناخب الأمريكي. حسب استطلاعات الرأي ـ التضخم والأوضاع الاقتصادية 31 ٪، حق الإجهاض 27٪، العنف وامتلاك السلاح 11ـ قضايا وأزمة الهجرة غير الشرعية 10 ٪ كما عبر 68٪ من الأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم ان الديمقراطية الأمريكية مهددة وفي خط، مقابل 30٪ لا يرون ذلك! وهذه نسبة صادمة لوضع الديمقراطية المتراجع لأمريكا التي تحاضر على العالم باحترام الحريات ونتائج الانتخابات.
بدت أمريكا منقسمة ومرتبكة وفاقدة لحيويتها بعد عامين من خسارة الرئيس ترامب انتخابات الرئاسة للرئيس جو بايدن-وتحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس بالقوة وسقوط قتلى في 6 يناير 2021. وتوصل لجنة التحقيق في اقتحام الكونغرس المكونة من أعضاء من المجلسين إلى دور ترامب بالتحريض على الفتنة والاقتحام وطلب مثوله أمام اللجنة للتحقيق معه تحت القسم.
في انتخابات التجديد النصفي لانتخاب جميع أعضاء مجلس النواب (435) وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (35) و36 من حكام الولايات، غابت كلياً القضايا الخارجية، برغم انغماس أمريكا في دعم المجهود العسكري والسياسي لأوكرانيا في حربها وتصديها لغزو واحتلال روسيا
لذلك لم يكن مستغرباً عدم اهتمام الناخب الأمريكي بالأزمات الخارجية والأمنية والدفاعية كقضايا تؤثر في أولويات واهتمامات الناخب الأمريكي، برغم انغماس أمريكا في دعم المجهود العسكري والسياسي لأوكرانيا في حربها وتصديها لغزو واحتلال روسيا، إلا أن حرب أوكرانيا الدموية لم تسجل أي اهتمام لدى الناخب الأمريكي. وكذلك أزمة الطاقة خاصة بعد الخلاف العلني مع مجموعة أوبك بلس والسعودية، وأزمة الغذاء من تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا. كذلك لم يبد الناخب الأمريكي اهتماماً بتصاعد الصراع والمواجهة المحتدمة وتحديات الصين على جميع الأصعدة، واستفزازات كوريا الشمالية وتعثر مفاوضات النووي مع إيران وتعطل عملية السلام بسبب تعنت إسرائيل وتصعيدها ضد الفلسطينيين، ولا حتى أزمة التغير المناخي حيث تشارك أمريكا بوفد كبير برئاسة الرئيس بايدن الذي يبدي مع إدارته اهتماماً كبيراً بالتعامل مع تهديدات التغير المناخي.
كعادة انتخابات التجديد النصفي، فرضت القضايا والهموم والأولويات الداخلية نفسها على باقي القضايا التي بدت ثانوية، بسبب ارتفاع التضخم لأعلى مستوى له منذ 40 عاماً، وصل إلى 9٪. ويرافق ذلك ارتفاع أسعار السلع والخدمات وأسعار الطاقة والوقود الذي يستنزف دخل المواطنين. وهذا يفسر حجم غضب وانتقادات الرئيس بايدن وأركان إدارته العلنية وغير المسبوقة تجاه أوبك بلس والسعودية، بعد قرار خفض انتاج النفط 2 مليون برميل يومياً منذ مطلع هذا الشهر.
كما كانت حاضرة قضايا مواجهة العنف والانقسام سياسياً واجتماعيا كأولويات مهمة وتحتاج تشريعات لتقنين فوضى حمل السلاح وحظر الإجهاض الذي سجل الأولوية الثانية للناخبين بعد حكم المحكمة العليا بحظره وترك الأمر للولايات. كما كان صادماً وغير مسبوق طرح أسئلة على المرشحين الموالين للرئيس السابق ترامب والذي فاز منهم 150 نائباً جمهوريا وخسر 60 هل ستعترف بنتيجة الانتخابات في حالة خسارتك؟
يشكل فوز الجمهوريين وانتزاع الأغلبية البسيطة من الديمقراطيين في مجلس النواب للعامين المتبقين من رئاسة بايدن، تحدياً وعرقلة لمشاريع وأجندته. خاصة وأنه سيغلب على مناقشتهم روح التشفي والمناكفات والانتقام وربما بتحريض من ترامب، أبرز الخاسرين من نتائج الانتخابات الباهتة، حتى استعراض محاكمة الرئيس بايدن برغم عدم توفر الأصوات المطلوبة لعزله. وذلك لإضعافه أكثر حسب المصطلح الأمريكي وتحويل بايدن (لبطة عرجاء) لضمان هزيمته في انتخابات الرئاسة القادمة. خاصة بعدما أعلن الرئيس بايدن في مؤتمر صحافي بعد الانتخابات أن أداء الديمقراطيين بالنظر للظروف الصعبة كان جيداً نسبياً. وأعلن استعداده للعمل مع الجمهوريين، ونيته الترشح لفترة ثانية عام 2024.
لكن رغم ذلك، ساهمت نتائج انتخابات التجديد النصفي في تصحيح مسار الديمقراطية الأمريكية، وانتشال أمريكا من انزلاقها لمستنقع فوضى سياسية واجتماعية، تملك بذورا شبيهة بتفجير حرب أهلية، بسبب حالة الاستقطاب الواسعة بين نهجين، تعكسها تركيبة الكونغرس المنقسم على نفسه. كما تشكل انتصاراً للديمقراطية الأمريكية والديمقراطيات وللمجتمعات التي تحلم بإصلاح أنظمتها بصناديق الاقتراع، ونجاحها بتصحيح مسارها الذي عاث ترامب به فساداً، وصدمه للأنظمة الشمولية التي راهنت على استمرار أمريكا!
القدس العربي