على رغم ما يمتلكه العراق من نهري دجلة والفراتوروافد وأهوار إلا أنه بات محاصراً بالجفاف، حيث تحولت أراض كانت خضراء إلى صحراء قاحلة، هجرها المزارعون نحو المدن، مما يتسبب بتغيير ديموغرافي وضغط هائل على السلطات الحكومية المتعاقبة بعد 2003 التي وقفت عاجزة أمام استرداد حقوق العراق المائية من دول الجوار.
وأعلنت وزارة الموارد المائية، أن الخزين المائي انخفض بنسبة 12 في المئة عن معدل الخزن العام، وقال المتحدث باسم الوزارة علي راضي ثامر في تصريح صحافي إن “إجراءات الوزارات التي اتخذت في موضوع الشح المائي كان لها الأثر الكبير، حيث تأثرت البلاد بمواسم شحيحة متكررة لعوامل عدة، منها الفنية والطبيعية والأخرى المعتمدة على طبيعة السنين المائية والتأثر الكبير بالتغيرات المناخية واحتباس الأمطار”.
وأضاف المتحدث أنه “مع الشح المائي ركزت التوجيهات المركزية من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الموارد المائية على محورين رئيسين، الأول تخفيف آثار الشح على مواطنينا وضمان وصول الحصص المائية لكل المستفيدين في جميع القطاعات”. وأضاف، “أما الثاني هو التركيز على موضوع ملف المياه والتفاوض مع دول المنبع، حيث شهد هذا الملف خلال الأيام القليلة الماضية وسيشهد خلال الفترة المقبلة فتح صفحات جديدة مع الجارة تركيا والجمهورية الإيرانية وكذلك مع سوريا من أجل تبادل المعلومات والاستمرار باللقاءات الفنية المشتركة”.
وتابع، “المفاوض العراقي يسعى لضمان حقوق العراق المائية وتقاسم الضرر في أوقات الشح المائي، خصوصاً مع التأثر الكبير للعراق بموضوع التغيرات المناخية، حيث صنفت البلاد ضمن الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، فقد انخفض الخزين المائي بنسبة لم يشهدها السجل التاريخي للعراق خلال الفترة الماضية”.
وكان وزير الموارد المائية عون ذياب عبدالله، حدد الخميس الماضي، كميات المياه الداخلة للعراق من نهري دجلة والفرات، ودعا إلى مطالبة تركيا بإطلاق حاجة العراق من المياه، وقالت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب في بيان، إن “وزير الموارد أكد خلال استضافته في البرلمان عمل الوزارة بشكل مسؤول واتخاذها إجراءات بتشكيل غرفة عمليات لوضع الخطط وتوزيع المهمات وبذل جهود لإيصال المياه وفق إدارة عادلة إلى أقصى المناطق البعيدة على رغم صعوبة الموسم الحالي، وتوفير الكميات اللازمة للمستفيدين، بخاصة أن حجم المياه الداخلة إلى العراق انخفض كثيراً مقارنة مع السنوات الماضية”.
وأوضح الوزير أن “ما يدخل إلى السدود أقل من كميات المياه المطلقة بكثير، ما يتطلب متابعة الخطط الموضوعة لوصول المياه إلى أقصى المناطق في العراق”، ونوه إلى بذل “الجهود لمواجهة التحديات التي تعترض خطط الوزارة ومنع التجاوزات الحاصلة لتلبية الحاجة المطلوبة للمواطنين”، لافتاً إلى حرمان محافظة ديالي على سبيل المثال من الزراعة في العام الماضي بسبب شح المياه، ومطالباً بضرورة تكاثف جهود مجلس النواب والحكومات المحلية لتطبيق خطة الوزارة وتجاوز أزمة المياه والتحرك بشكل سريع بمفاتحة دولة تركيا لمتابعة ملف إطلاق الكميات المتفق عليها”.
وأضاف أن “تركيا لم تلتزم الاتفاق الخاص معها منذ أكثر من سنة”، مستدركاً بالقول إن “كمية المياه الداخلة إلى نهر الفرات بلغت 198 متراً مكعبا في الثانية فيما كانت سابقاً 290 متراً، ومن جانب نهر دجلة بلغت كميات المياه الداخلة 200 متر مكعب في الثانية بينما الخارج من خزين السدود هو 500 متر مكعب في الثانية”، منوهاً بمخاطبة وزارة الخارجية ولجنة العلاقات الخارجية النيابية لمطالبة تركيا بإطلاق حاجة العراق من المياه”.
تحديات الزراعة
بدوره، قدم وزير الزراعة عباس العلياوي شرحاً مفصلاً عن التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في العراق نتيجة قلة المياه ومشكلة الأسمدة، مشيراً إلى “وضع الوزارة خطة زراعية طارئة لعام 2022 و2023 بالتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتحديد مساحات مليون ونصف المليون دونم للزراعة الإروائية ومليون و100 ألف دونم لزراعة البساتين، بينما تم تعويض الزراعة بالاعتماد على الآبار عبر مساحة أربعة ملايين دونم”، موضحاً أن “القطاع الزراعي تعرض إلى انخفاض كبير في المستوى بنسبة 70 في المئة”.
وكان وزير الموارد المائية، عون ذياب، أعلن في وقت سابق أن وزارته سيكون لها حراك مع دول الجوار، خصوصاً تركيا بهدف تأمين حصة العراق من إطلاقات المياه لمواجهة الموقف الصعب الناتج من أزمة شح المياه المستمرة منذ ثلاث سنوات.
في المقابل، شدد رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، الجمعة الماضي، على ضرورة إيلاء موضوع شح المياه في البلد أهمية قصوى، وتنبيه الرأي العام إلى خطورته، وأهمية المضي قدماً نحو إيجاد الحلول المناسبة والواقعية لهذه المشكلة.
الضغط على تركيا وإيران
ودعت كتلة “أهل واسط” النيابية إلى مقاطعة البضائع التركية، بينما دعت الحكومة الاتحادية إلى الضغط على إيران في ما يتعلق بملف المياه.
وقال النائب عن الكتلة كريم السراي خلال مؤتمر صحافي عقده في مبنى مجلس النواب العراقي، إنه “لا يخفى على الجميع الضرر الكبير الذي لحق بجميع العراقيين والكارثة البيئية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن شح المياه نتيجة تقليص حصة العراق المائية من قبل دول الجوار، بخاصة الجانب التركي، والاستمرار بهذا النهج والسياسة واستغلال الظروف التي تمر بها البلاد خلال الحكومات المتعاقبة والتحديات التي يمر بها العراق أجمع”.
ودعا بأن “يكون ملف المياه في العراق ملفاً وطنياً يعطى الأولوية القصوى والعاجلة ضمن أولويات الحكومة الحالية وأن يحظى بالمتابعة الدقيقة والفعالة من قبل مجلس النواب لخطورة الملف وحساسيته”.
كما طالب السراي الحكومة باللجوء لكل الوسائل المتاحة للضغط على الجانبين التركي والإيراني بهذا الملف، والعمل على تخفيض حجم التبادل التجاري مع تركيا لحين الإقرار بحصة عادلة من مياه نهري دجلة والفرات والاستجابة لمطالب الشعب العراقي”.
ودعا النائب عن كتلة “أهل واسط” أبناء الشعب العراقي إلى “البدء بحملة مقاطعة البضائع التركية لحين الاستجابة لهذا المطلب المهم والحيوي”، داعياً مجلس النواب أيضاً إلى “تكثيف الجهود في تسليط الضوء على هذا الملف الخطير بمختلف فعالياته وأنشطته داخل العراق وخارجه”.
وزاد أن الحكومة مطالبة بإيجاد حلول جذرية وواقعية ذات بعد استراتيجي في ما يتعلق بالأمن المائي، وتوفير مياه صالحة للشرب، وتوفير الحماية للأهوار العراقية باعتبارها أحد العناصر الرئيسة في حماية البيئة والتنوع الإحيائي.
ملف المياه أولوية حكومية
يعتقد الباحث السياسي، نبيل جبار التميمي، أن “الاهتمام الحكومي حاضر في أجندة الحكومة العراقية الجديدة برئاسة السوداني، ووضعت ملف المياه ضمن أهم أولوياتها، وسوف تركز على اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان إيصال المياه إلى أبعد المناطق وضمان العدالة في توزيعها، وإجراءات أخرى تتعلق بحمايتها، ومنها ما تضمنه المنهاج الحكومي من اعتماد الري المغلق لحماية المياه وتقليل الهدر فيها، أيضاً ستركز المهمات الحكومية على إجراء تواصل إقليمي واسع مع بلاد المنبع إيران وتركيا، وإجراء مفاوضات من شأنها تحسين الكميات الواردة”.
وبحسب التميمي، وفي آخر تقديرات عن كميات المياه الواردة من نهري دجله والفرات فإنها تقارب 13 مليار متر مكعب خلال السنة، وهو أقل بكثير من حاجة البلد التي تقدر بـ50 مليار متر مكعب سنوياً، والتي عوضت فجوة العجز بكميات المياه بتقليص المساحات المزروعة إلى ما يقارب 75 في المئة من الأراضي، واستخدام الخزين في البحيرات والخزانات المائية مما تسبب في انخفاض مناسيبها في ظل استمرار الجفاف للسنة الثالثة.
أزمة إدارة
أما الباحث السياسي، علي البيدر، فأشار إلى أن العراق لا يعاني أزمة مياه بدليل أنه يغرق في الشتاء ويعطش في الصيف، وبذلك يعاني أزمة إدارة لملف المياه كون جميع السدود بنيت قبل أكثر من 30 عاماً وبذلك هو يحتاج إلى بناء سدود جديدة وقنوات مياه تعظم موارد الدولة المائية.
ولفت إلى أنه “بالنسبة إلى الدول التي تمنع وصول الروافد والأنهار إلى الأراضي العراقية، فيجب أن تحل هذه المعضلة عبر الطرق الدبلوماسية أو الذهاب لتدويل الملف مع تلك الدولة أو مواجهتها اقتصادياً”، منوهاً بأن تركيا وإيران تصدران للعراق سلعاً بأكثر من 20 مليار دولار سنوياً، داعياً إلى استثمار هذه الحالة للضغط على تلك الدول بمنع استيراد البضائع منها لحين فتح قنوات المياه إلى الأراضي العراقية.
وشدد على ضرورة تفعيل منظومات حديثة للري كون معظم المساحات المزروعة تسقى بطريقة الري السيحي، وهذا ما يجعل البلاد تخسر ثرواتها المائية بطريقة غير مجدية.
ويؤكد البيدر أن العالم أجمع يعاني أزمة مناخ، وعلى البلاد الاستعانة بشركات عالمية استشارية لمعالجة هذه الظاهرة دون الاتكال على دول تستخدم ملف المياه للضغط على البلاد.
ويكمل، “المنظومة السياسية لا تكترث للواقع المناخي بقدر اهتمامها بأمور أخرى لزيادة إمكاناتها السياسية والمالية وهذا ما فاقم الأزمة”. ويرى أنه “جرى إبعاد الخبراء في ملف المياه والمناخ من إدارة المؤسسات المتخصصة بعد عام 2003، وجلب شخصيات حزبية لا تفقه شيئاً في هذا الجانب، الأمر الذي أسهم في اتساع رقعة الأزمة”.
اندبندت عربي