إحدى الحقائق العديدة غير المستحبة في الحياة الجيوسياسية هي أن الغرب بوسعه مواجهة روسيا أو الصين كل على حدة، ولكن ليس الاثنين معاً. ويتم الإقرار بهذا الواقع اليوم خلال مؤتمر قمة العشرين من كل من الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز وريشي سوناك. فقد اقترحت المحادثات التي استغرقت ثلاث ساعات بين الأول والرئيس الصيني شي جين بينغ مناقشات واسعة النطاق، وكانت محادثاتهما “صريحة” على حد تعبير بايدن. لقد قال الرئيس الأميركي إنه لن يكون هناك أي “حرب باردة” جديدة مع الصين. ويشكل هذا الاعتراف مقياساً لمدى مرونة القوة العظمى لأن شخصية بايدن السلمية والمتواضعة كان يجب أن تؤدي إلى مثل هذا الارتياح الواسع النطاق. بالتالي، تسمح الصين للولايات المتحدة بالتركيز على أوكرانيا واحتواء روسيا ولن تقوم الصين بإنقاذ بوتين من تداعيات أفعاله الجنونية.
يبدو أن الشعار الجديد الذي يرفعه البيت الأبيض في عهد بايدن هو “حرب باردة واحدة في آن واحد”. فعلى غرار الرئيس شي، سافر بايدن لحضور قمة مجموعة العشرين في بالي وفي جعبته بعض الانتصارات السياسية المحلية التي حققها أخيراً، ما عزز ثقة الرجلين بنفسهما. ويبدو أن الكيمياء الشخصية، أو على الأقل التفاهم المتبادل، أدى إلى حصول بعض التقارب.
وهذا ما حصل مع سوناك أيضاً. ففي تحد لبعض الآراء المعادية للصين ضمن حزبه، تراجع رئيس الحكومة عن الإعلان بأن الصين تشكل “تهديداً” رسمياً لبريطانيا والذي كان من بين التعهدات التي أطلقتها ليز تراس لاسترضاء الجماهير والفوز بقيادة الحزب خلال الصيف.
عوضاً عن ذلك، يبدو أن سوناك يتراجع نحو الموقف الذي اعتمده بوريس جونسون (الذي نبذ رهاب الصين علناً) ووصف جمهورية الصين الشعبية بأنها “منافس (تهديد) منهجي”. ومن شأن المراجعة الشاملة المرتقبة لسياسة الأمن والدفاع بقيادة كبير مستشاري السياسة الخارجية في داونينغ ستريت البروفسور جون بيو أن تشكل أساساً لموقف المملكة المتحدة الحذر ولكن ليس العدائي بشدة تجاه الصين والذي يتماشى مع مواقف حلفاء آخرين في حلف شمال الأطلسي وسياسة حلف أوكوس (تحالف أمني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا).
ويبدو سوناك واضحاً في براغماتيته عندما يقول: “لن نتمكن من حل التحديات العالمية المشتركة مثل تغير المناخ، أو الصحة العامة، أو في الواقع التعامل مع روسيا وأوكرانيا، من دون إجراء حوار معها”.
ومن جهة الصين، فهي لا تزال مصرة على التوحد مع تايوان وأن تبقى متحدة وقوية بعد استعمارها وتقطيع أوصالها تاريخياً من قبل الغرب (والأكثر إيلاماً من قبل اليابان) ومواصلة مبادرة الحزام والطريق لكسب التأثير والقوة في أنحاء الكوكب. بيد أن شي يدرك جيداً أن كل ذلك يعتمد على براعة الصين الصناعية والاستقرار الاقتصادي في الغرب. لنبسط الأمور أكثر، أرخت الحرب في أوكرانيا والتضخم العالمي والركود الذي تسبب به بظلالها على الأعمال في الصين. ولهذا تحتاج الصين إلى الغرب والعكس صحيح، وهذا ما عكسته بشكل واضح حرب بوتين غير المبررة على أوكرانيا. وفيما ضخ الغرب المال والمواد والاستخبارات في الدفاع الأوكراني وفرض (بنجاح) العقوبات على روسيا، تم نسف هذا الجهد جزئياً عبر الحياد العملي الذي مارسته الصين. وتراجعت التجارة الروسية مع أميركا الشمالية وأوروبا بشكل ملحوظ منذ “العملية العسكرية الخاصة” التي انطلقت في فبراير (شباط) الماضي، بيد أن تعاملات روسيا مع الصين (وكذلك الهند وإيران) ارتفعت من حيث القيمة مما يشكل تبايناً صارخاً وغير مفيد. وبقدر ما يمكن الحكم على ذلك، قاومت الصين (خلافاً لإيران) الرغبة في مساعدة الجيش الروسي بواسطة السلاح وأوضحت في الآونة الأخيرة للكرملين عدم ارتياحها بشأن الصراع بيد أنها لم تكن نشيطة أو فاعلة في إغلاق آلة الحرب الروسية بالشكل الذي يرغب به الغرب.
ومن ناحية أخرى، لم تغتنم الصين الفرصة لاستخدام انشغال العالم بأوكرانيا لكي تجتاح تايوان، بل اكتفت بالاحتجاجات الدبلوماسية على الزيارات التي قام بها سياسيون غربيون إلى تايبيه ونظمت بعض العمليات الجوية والبحرية رفيعة المستوى باتجاه المحافظة المنشقة. ولكن، يبدو أن الحرب في تايوان أصبحت بعيدة الاحتمال بعد اللقاءات التي حصلت في بالي؛ فيما اقترب احتمال هزيمة بوتين. يتوجب على الغرب أن يشعر بالامتنان، أقله على ذلك.
اندبندت عربي