بوركينا فاسو: الجهاديون يحاصرون المدن والمظاهرات ضد فرنسا

بوركينا فاسو: الجهاديون يحاصرون المدن والمظاهرات ضد فرنسا

واغادوغو – دعت حكومة بوركينا فاسو السبت السكان إلى “الهدوء وضبط النفس” غداة تظاهرة مناهضة لتواجد فرنسا في البلد الساحلي على خلفية ما يشاع من أن روسيا تدعم الانقلاب الأخير الذي قاده الكابتن الشاب إبراهيم تراوري (34 عامًا) ليتحول الصراع إلى معركة نفوذ خفية بين باريس وموسكو.

ويأتي هذا الصراع الخفي في الوقت الذي يعاني فيه سكان المدن التي يحاصرها الجهاديون من الجوع وفي ظل عجز حكومي واضح.

وقال المتحدث باسم الحكومة جان إيمانويل ويدراوغو في بيان إن “الحكومة تدعو السكان إلى الهدوء وضبط النفس، وعدم المخاطرة بإغراق بلادنا في دوامة لا متناهية من التظاهرات التي تسيء إلى أهدافنا المتمثلة في السلام والاستقرار والأمن التي ينشدها شعبنا”.

وأضاف أن الحكومة “تدعو الشباب خاصة إلى عدم الانحراف والتركيز على أهداف الدفاع في الحرب الشاملة التي نخوضها ضد الإرهاب (…) بدلاً من هذه التظاهرات التي لم تثبت فائدتها بعد على قضية نضال شعبنا”، بحسب النص.

مظاهرات ضد فرنسا دعما للحاكم الجديد المدعوم من روسيا، وسط صراع خفي استفاد منه الجهاديون في تثبيت مواقعهم

وفرّقت قوات الأمن في بوركينا فاسو الجمعة تظاهرة في واغادوغو شارك فيها مئات من الأشخاص احتجاجاً على تواجد فرنسا، ولوح بعضهم بأعلام روسيا، وقالوا إنهم يريدون من قادتهم تعزيز العلاقات معها.

واحتشد المتظاهرون أولاً عند دوار الأمم المتحدة في قلب العاصمة وتوجهوا إلى السفارة الفرنسية، وتوجه بعضهم على دراجات نارية إلى قاعدة كامبوينسين في ضواحي العاصمة، حيث تتواجد فرنسا عسكرياً ضمن قوة سابر.

وأكدت حكومة بوركينا فاسو السبت أنها “لن تتخلى عن قواعد ومبادئ الحماية التي تلتزم بها إزاء الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية الموجودة على أراضي بوركينا فاسو”.

وفي الثامن والعشرين أكتوبر تظاهر المئات للمطالبة بـ”مغادرة فرنسا في غضون 72 ساعة” من بوركينا فاسو.

وفي ذكرى انقلاب الثلاثين من سبتمبر الذي حمل إبراهيم تراوري إلى السلطة، ليصير منذ ذلك الحين رئيسا انتقاليا، هاجم متظاهرون مصالح فرنسية في بوركينا فاسو بينها السفارة ومعهدان فرنسيان.

وتتمتع موسكو بدعم شعبي متزايد في بلدان أفريقية عديدة ناطقة بالفرنسية، في حين يزداد تشويه سمعة فرنسا القوة الاستعمارية السابقة لاسيما في مالي، وهي دولة مجاورة لبوركينا فاسو يقودها أيضًا عسكريون انقلابيون منذ 2020.

وفي بوركينا فاسو لم يغلق المجلس العسكري الحاكم الباب أمام التقارب مع روسيا لكنه لم يُظهر أي عداء لفرنسا التي تواصل دعم جيش بوركينا فاسو في قتاله ضد الجهاديين.

وفي الوقت الذي تجد بوركينا فاسو نفسها معلقة بين فرنسا روسيا، يؤكد سكان عدد كبير من بلدات شمال البلاد ومنظمات غير حكومية والسلطات أن الوضع الإنساني “كارثي” ويزداد سوءا في هذه المنطقة التي تحاصرها الجماعات الجهادية.

وقال إدريسا باديني المتحدث باسم مجموعة من منظمات المجتمع المدني في مقاطعة سوم وعاصمتها جيبو إن “الوضع كارثي” في هذه المدينة، موضحا أن “الجوع بلغ مستوى يقتل أطفالا ومسنين”.

وأضاف أن 15 شخصًا توفوا بسبب الجوع في أكتوبر في هذه المدينة التي يحاصرها جهاديون منذ أشهر. وتابع “هناك عدد أكبر من الضحايا على الأرجح ولم يتم الإبلاغ عنهم جميعا”.

وبتفجيرهم الجسور وشنهم هجمات مميتة ضد القوافل التي تزود بالمؤن هذه المدينة الكبيرة في شمال بوركينا فاسو، أغرق الجهاديون جيبو ومنطقتها في حالة عوز.

وقال سليمان ديكو الذي كان من سكان جيبو وانتقل إلى العاصمة واغادوغو إن “جميع المتاجر في المدينة مغلقة. لا يوجد شيء نأكله ولا شيء للبيع”. وأضاف “سواء كنت فقيراً أو غنياً لا يمكنك شراء أي شيء لأن المنتجات غير متوفرة”.

وتابع أن “الأسوأ هو أننا في موسم جفاف أوراق الأشجار أو غيرها من الأعشاب التي كنا نقطعها لنغليها ولم تعد متوفرة. الناس يتضوّرون جوعا”.

وأوضح ردا على سؤال لوكالة فرانس برس “من الصعب جدا إمداد المدينة برا. عندما نسلك الطريق البرية ندرك أننا في محور الموت، محور جيبو – بورزانغا”.

عشرات من البلدات في بوركينا فاسو تواجه الظروف نفسها التي تعاني منها جيبو. ويعيش نحو مليون شخص حاليًا في مناطق تحت الحصار

وعلى هذه الطريق تعرضت قوافل عدة تنقل مؤنا لهجمات مؤخرًا. ففي سبتمبر قُتل 35 شخصًا بينهم أطفال عندما انفجر لغم أثناء مرور شاحنة تقلهم، بينما قُتل 11 جنديًا في كمين آخر استهدف قافلة.

وهذه الإمدادات أساسية. ففي أجزاء كثيرة من البلاد توقف الإنتاج الزراعي مع صعوبة الوصول إلى الحقول بسبب انعدام الأمن.

واختار إبراهيم تراوري الذهاب إلى جيبو في أول رحلة له في البلاد في بداية نوفمبر. ولم يقلل من خطورة الوضع.

وقال قبل أيام في واغادوغو أمام ممثلي أحزاب سياسية ومنظمات من المجتمع المدني “اذهبوا لرؤية الأطفال الذين أصبح جلدهم ملتصقا بعظامهم وكبار السن الذين يتضورون جوعا والنساء اللواتي لم يعد بإمكانهن الإرضاع بشكل طبيعي لأنه لم يبق لديهن حليب”.

وأضاف “دعونا لا نتظاهر” بأن كل شيء على ما يرام، مؤكدا أن “هذا الأمر يحدث، أناس يأكلون أوراق الأشجار من أجل البقاء على قيد الحياة. الوضع مقلق (…) في أرض ضاعت تقريبا”.

وخلال سنوات أصبحت جيبو نقطة تجمع للنازحين من سكان المناطق الشمالية الذين هربوا من العنف الجهادي للجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.

وقد ارتفع عدد سكانها ثلاث مرات وهو يقدر اليوم بنحو 300 ألف نسمة. لكن في الوقت الحالي، يحاول البعض الفرار جنوبا إلى العاصمة واغادوغو.

وقال أحد العاملين في المجال الإنساني طالبا عدم الكشف عن هويته “بعد حرمانهم من المياه والغذاء والدواء وشبكة الهاتف يغادر كثيرون جيبو سيرا على الأقدام ليلاً على أمل الوصول إلى مناطق التي لا يزال من الممكن بلوغها”.

وتقول الأمم المتحدة إن عشرات من البلدات في بوركينا فاسو تواجه الظروف نفسها التي تعاني منها جيبو. ويعيش نحو مليون شخص حاليًا في مناطق تحت الحصار في شمال أو شرق البلاد.

ويذكر إدريسا باديني مثالا مدينة أربيندا الواقعة شرق جيبو وتجمع فيها عشرات الآلاف من الأشخاص من المناطق المجاورة هربا من الهجمات.

وقال إن “القوافل البرية المنتظمة التي كانت تزود السكان بالمواد الغذائية والمعيشية توقفت ولم يعد يصل شيء إلى أربيندا”. وأضاف أن “السكان الذين استنفدوا مخزونهم الاحتياطي على وشك مواجهة كارثة إنسانية”.

وعلى الرغم من الهجمات استؤنفت الإمدادات مؤخرًا. وفي نهاية أكتوبر نقل الجيش سبعين طنا من الحبوب جوا إلى مدينة جيبو التي زودها بعد ذلك برا في الثاني والثالث من نوفمبر بأكثر من 300 طن من الغذاء، بحسب هيئة الأركان العامة. وتم إبطال مفعول سبعة ألغام في الطريق.

وقال الكابتن تراوري “تمكنا من إمداد بعض القرى ولكن تزويد القرى الأخرى لم يتم بعد”.

وذكر برنامج الأغذية العالمي أن نحو 3.5 مليون شخص سيحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة في الأشهر المقبلة في بوركينا فاسو.

العرب