الحرب في أوكرانيا انتهت

الحرب في أوكرانيا انتهت

الصواريخ تتطاير. والمعارك ما تزال طاحنة. ولكن الحرب في أوكرانيا انتهت بالفعل.

الذين تابعوا تفاعلات الأزمة منذ بداياتها يدركون تماما أن التهديد النووي كان هو حجر الزاوية في الإستراتيجية الهجومية الروسية.

روسيا، لم تكن تجهل، منذ البداية، أن قواتها وأسلحتها الأخرى لا توازي قوات التحالف الغربي وأسلحته، وهو الذي يدعم أوكرانيا. وهي زادت بذلك علما عندما اضطرت إلى إعادة النظر في خططها الرامية إلى احتلال كييف، أو الأراضي الأخرى خارج إقليم دونباس، لكي تركز على هذا الإقليم وحده.

ما تعرضت له من ضربات جعلها تتيقّن تماما أن أسلحتها التي لا تتجاوز تقنيات عالمثالثية، ولا تستطيع مواجهة الأسلحة، حتى الفردية والخفيفة منها، التي تم إغراق أوكرانيا بها. ومع تزايد الهزائم على الأرض، زاد تعويل موسكو على التلويح بالأسلحة النووية لتكون بمثابة رادع، لعلها تُقنع أوكرانيا وحلفاءها بأنها خطر فعلي.

الرئيس فلاديمير بوتين، أثبت أنه مقامر. وكلما تعرض للمزيد من الخسارة كلما حدق بعينين مفتوحين أكثر، لكي يُظهر أنه جريء وشجاع وما يزال لديه ما يحتفظ به لكي يواصل المقامرة.

à لا شك أن بايدن أظهر استعدادا صريحا للحد من التوترات مع الصين، لأجل أن يكسب من جين بينغ موقفا يدين استخدام الأسلحة النووية أو التهديد بها

رهانه الوحيد هو أنه يمتلك أسلحة نووية وصواريخ تستطيع أن تدور الكرة الأرضية أربع مرات، لتضرب أيّ هدف بسرعة تفوق سرعة الصوت سبع مرات، أو قل سبعين مرة، لا يهم. ولكن لا يوجد شيء آخر. فهذا هو كل ما لدى روسيا. كل الباقي هراء، إلى درجة أنها باتت تستعين بـ… إيران.

وبوتين يطالب بـ”الاحترام” على أساس ما لديه من صواريخ وأسلحة نووية. يشعر أنه مُهان. وكلما حقق الأوكرانيون المزيد من التقدم، كلما زادت مشاعر الإهانة، والغضب في نفسه. وهو ما يزال يحدق بعينين مفتوحين على طاولة الروليت.

بعد قليل، من الممكن تخيّل أنه سوف يخرج لينتف ما بقي من شعر رأسه ليقول “أريد الاحترام، فأنا أملك صواريخ وقوة نووية تستطيع أن تسحق كل أوروبا”.

مشاعر الإهانة تزداد أمام اضطرار قواته إلى الانسحاب من بعض الأراضي التي قال إنها أصبحت “جزءا لا يتجزأ من روسيا”، وإنها تقع “تحت المظلة النووية الروسية”، بعد أن أصبح الدفاع عن بقاء قواته فيها مستحيلا.

عوّض الإهانة بالمزيد من إطلاق الصواريخ. العشرات منها في كل مرة. وقد توجه بها لكي تدمر البنى التحتية الأساسية، وخاصة شبكات الماء والكهرباء، لكي تدفع الأوكرانيين إلى أن يجرّبوا ما تشعر به قواته، وما يشعر به هو، من الذل والمهانة.

الأوكرانيون، الذين كان ما يزال لديهم ذرة احترام لروسيا، نزعوها، ودفنوها مع الآلاف من دباباته التي يدفنها الصدأ الآن على جوانب الطرقات. لم يشعروا بالذل الذي يشعر به هو. فزاد في إطلاق الصواريخ ضدهم. وكأنه يصرخ “احترموني. تفاوضوا معي. لديّ مطالب. أولها الاحترام”. وهو ما عبّر عنه وزير خارجيته سيرغي لافروف.

ولأن أوراق المقامر مكشوفة، فإن أحدا لا ينوي احترامه على أساس ما لديه من صواريخ. مازال يتلقى إشارات بإمكانية التواصل معه، ولكنها مشروطة دائما بالانسحاب من آخر شبر من أوكرانيا. والانسحاب، يعني أن ينهض من طاولة الروليت راضيا بالإفلاس.

الصواريخ، مهما كثرت، فان أهدافها المدنية، ليست مما يمكن أن يغير شيئا على أرض المعركة. أعمال التخريب التي تتعرض لها محطات الكهرباء وشبكاتها لم تخفض المعنويات، كما ثبت أنها قابلة للإصلاح. والمساعدات التي تتلقاها أوكرانيا لم تتوقف. إنها تقترب سريعا أو ربما تجاوزت 100 مليار دولار. الألمان وحدهم كأفراد تبرعوا بأكثر من 860 مليون يورو، لكي يثبتوا، كباقي الأوروبيين، أنه لا ينقص الأوكرانيين التضامن الإنساني، ولا المعونات الميدانية. والأسلحة تزداد كلما وضع المقامر المزيد من صواريخه على الطاولة.

لقد ثبت الآن أن الصواريخ سلاح فاشل. ليس لأنه لم يهدم المعنويات، وليس لأنه لا يغير شيئا من موازين المعركة التي تخاض الآن بالمدافع الموجهة والطائرات المسيرة وبالأفراد، وليس لأن هذه الصواريخ تطيل قائمة الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وليس لأنها تزيد فاتورة المطالب بتعويضات، بل لأنها تكشف عن وجه المقامر وهو يزداد احمرارا كلما حدق بعينيه على طاولة القمار.

ماذا بقي لبوتين بعد أن خسر الاحترام؟
الرئيس فلاديمير بوتين، أثبت أنه مقامر. وكلما تعرض للمزيد من الخسارة كلما حدق بعينين مفتوحين أكثر، لكي يُظهر أنه جريء وشجاع وما يزال لديه ما يحتفظ به لكي يواصل المقامرة

اللقاء بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ، في قمة العشرين، حقق توافقا رئيسيا أسقط السلاح الأخير.

لا شك أن بايدن أظهر استعدادا صريحا للحد من التوترات مع الصين، لأجل أن يكسب من جين بينغ موقفا يدين استخدام الأسلحة النووية أو التهديد بها.

ما يزال بوسع المقامر أن يهدد بسلاحه الأخير، ولكنه يجب أن يفعل ذلك وحيدا. الحليف الصيني، نهض من الطاولة بمكاسب كبيرة، سواء فيما يتعلق بمستقبل جزيرة تايوان، أو في ما يتعلق بالمنافسة التجارية في الأسواق الدولية. وذلك في مقابل أن يردع بوتين عن استخدام سلاحه الأخير.

من دون تهديد نووي، لم يعد هناك ما يبرر الاحترام. بل إن التهديد نفسه كان من بين أحد أهم أسباب سقوط الاحترام. من ناحية، لأن النتيجة ليست بالضرورة انتحارا جماعيا، بل انتحارا فرديا لروسيا وحدها. ومن ناحية أخرى، لأن التهديد بالنووي تعبير عن هستيريا شخص مجنون، ويحيط نفسه بمجموعة مجانين، أو يمثلون أمامه الدور، ويبالغون فيه، كما يفعل نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديميتري ميدفيديف الذي يحاول أن يجعل من نفسه أحمق تماما، أو كما يفعل رئيس مجموعة عصابات فاغنر يفغيني بريغوجين، الذي يحاول الظهور كشخص متوحش وبلا مشاعر.

الحلفاء الغربيون لن يردوا على النووي بالنووي، كما قد يرغب “الانتحاريون” في الكرملين. وقادة الأطلسي يتعمدون الآن تجاهل الصواريخ الروسية التي ضربت قرية في بولندا، سواء أكانت بدافع الخطأ أو بدافع الاستفزاز بحثا ممَّن أطلقها عن احترام أو اتصال. وكل ذلك لأجل الإيحاء بأن المقامر مفتوح العينين لم يعد يملك شيئا ليضعه على الطاولة. ولسوف يكون من الخير له أن يحشو مسدسه ويطلق النار.

المعركة يمكن أن تتواصل على المزيد من الخسائر كل يوم، إلا أن الحرب انتهت.

العرب