القدس – تمثل التفجيرات التي هزت محطتين للحافلات على مشارف القدس الأربعاء، وباركتها كل من حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، جرعة دعم إضافية لليمين المتطرف الإسرائيلي الذي يطالب بحقيبتي الدفاع والأمن ضمن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
ووقع التفجيران في الوقت الذي يتفاوض فيه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو مع حلفاء لتشكيل حكومة يمينية جديدة تضم أعضاء من أحزاب دينية ويمينية متطرفة.
وسارع زعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتشدد إيتمار بن غفير، الذي يطالب بحقيبة الأمن الداخلي في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، إلى العودة إلى سياسة الاغتيالات وتشديد الخناق على المعتقلين الفلسطينيين ردا على هجومي القدس.
وقالت السلطات الإسرائيلية إن تفجيرين في محطتين للحافلات على مشارف القدس أسفرا عن مقتل صبي في السادسة عشرة من عمره وإصابة 14 على الأقل فيما وصفته الشرطة الإسرائيلية بأنه “هجوم نفذه نشطاء فلسطينيون”.
وقال بن غفير للصحافيين في موقع الانفجار بعد تلقي إيجاز من الشرطة “على الإرهاب أن يدفع ثمنا باهظا للغاية”.
وأضاف “هذا يعني العودة إلى الاغتيالات المستهدفة ووقف التسهيلات في السجون وفرض القيود على المعتقلين في السجون ووقف المدفوعات للسلطة الفلسطينية التي تدعم العنف ومن يقتل اليهود”.
وأردف “هذا يعني فحص مواقع انطلاق المنفذين والوصول إلى قراهم وفرض إغلاق وإجراء عمليات التفتيش من منزل إلى منزل من أجل إعادة الردع”. وتابع بن غفير “علينا تشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن، فالرعب لا ينتظر”.
وقُتل هذا العام ما لا يقل عن 26 شخصا في هجمات في إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية، بمن فيهم العديد من الجنود وقوات الأمن. وقُتل ثلاثة رجال إسرائيليين، الأسبوع الماضي فقط، جراء هجوم بالقرب من مستوطنة إسرائيلية.
وتحدث النائب الإسرائيلي عن حزب “شاس” الأرثوذكسي المتطرف يواف بن تسور عن “عودة الرعب وأيام العنف والدموية للانتفاضة الفلسطينية الثانية”. وقال إن قوة الردع الإسرائيلية لم تكن موجودة الإ بالكاد.
ويأتي التفجيران في ظل توتر تشهده الضفة الغربية منذ شهور بعد أن شن الجيش الإسرائيلي حملة أمنية في أعقاب سلسلة من الهجمات الدامية وقعت في إسرائيل. ويحمل التفجيران أصداء تفجيرات حافلات كانت سمة مميزة للانتفاضة الفلسطينية فيما بين عامي 2000 و2005.
وبدا أن تنفيذ تفجيرين في ذات التوقيت تصعيد لسلسلة من الهجمات التي نفذها هذا العام فلسطينيون بشكل منفرد من خلال عمليات طعن وإطلاق نار ودهس بالسيارات.
وفي قطاع غزة، أشاد متحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالتفجيرين على ما يبدو لكنه لم يعلن مسؤولية الحركة عنهما.
وقال المتحدث باسم حماس عبداللطيف القانوع إن التفجيرين “نجما عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال والمستوطنون”، فيما أكدت حركة الجهاد أن “العملية المباركة في مدينة القدس المحتلة رد طبيعي على الاحتلال وإرهابه وممارساته الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ومقدساته”.
وأكد مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أنه يجري مشاورات مع رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وكبار المسؤولين العسكريين لدراسة الرد على العمليات.
وأكد الشاباك أنهما أول انفجارين منذ 2016 وأنه أحبط 34 هجوما بالقنابل منذ مطلع العام الجاري.
وفي أعقاب هجمات دامية شهدتها إسرائيل منذ مارس الفائت شنّ الجيش الإسرائيلي أكثر من ألفي مداهمة وعملية أمنية في الضفّة الغربية، لاسيما في منطقتي جنين ونابلس اللتين تعتبران معقلا لفصائل فلسطينية مسلحة.
وأسفرت هذه المداهمات والاشتباكات التي حدثت خلال بعض الاقتحامات عن مقتل أكثر من 125 فلسطينيا، وهي أكبر حصيلة خلال سبع سنوات، بحسب الأمم المتحدة.
وأرجع الخبير الفلسطيني جهاد حرب تطور العمل العسكري في الضفة الغربية إلى تصاعد حالة الاحتقان في ظل غياب أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية واستمرار الإجراءات التعسفية الإسرائيلية.
وقال إن “السياسة الإسرائيلية تدفع إلى تمرد لدى الشباب، باعتبار أن الخيارات السياسية لم تجد نفعا وكذلك التحرك الدولي.. والمفاوضات مع إسرائيل دون جدوى دفعت إلى وجود جماعات مسلحة خاصة في شمالي الضفة الغربية”.
ومفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي متوقفة منذ أبريل 2014 بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان وإطلاق أسرى قدامى، بالإضافة إلى تنصلها من مبدأ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية).
وتعول فلسطين على دعم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في ضبط سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يتوقع على نطاق واسع أن تكون الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل وأكثر نزوعا لتكريس الاستيطان.
ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تعمل على “تدمير” خيار حل الدولتين، مطالبين بعقد مؤتمر دولي للسلام من أجل إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وسط رفض من تل أبيب.
ولا تخفي الإدارة الأميركية قلقها من التغيرات الجارية في إسرائيل. وتأخرت تهنئة الرئيس الأميركي جو بايدن لنتنياهو أكثر من أسبوع، وهو ما اعتُبر إشارة تظهر قلق الإدارة الأميركية من الحكومة الجاري تشكيلها.
وليس من الواضح إذا ما كان تزايد الاهتمام الدولي بالأراضي الفلسطينية سيقيّد يد الحكومة الإسرائيلية الجديدة بشأن الاستيطان والانتهاكات اليومية، إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا طالبتا كافة الأحزاب الإسرائيلية باحترام حقوق الأقليات.
ولم يتوقف الاستيطان في عهد الحكومة الحالية، غير أن نتنياهو يميل إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، فضلا عن أن بن غفير قد يمارس الضغط عليه للقيام بذلك فعلا. وإذا قام بمثل هذه الخطوة فقد يفجر أزمة غير مسبوقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
العرب