هناك أرقام عديدة لتقدير قيمة الأموال الهائلة التي حركّها حدث بطولة كأس العالم لكرة القدم.
تشتمل هذه الحركة على صناعة الكرات وملابس وأحذية اللاعبين والحكام والمشجعين، مرورا بالإعلانات والمراهنات وأجور وأسعار اللاعبين، وتذاكر السفر والمباريات، كما يمكن أن تشتمل تكاليف البنى التحتية التي أقامتها الدولة المضيفة، قطر.
أحد الأرقام المثيرة للاهتمام، هو المتعلق بأرباح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والتي قدّرت بـ7,5 مليار دولار، حصل عليها نتيجة المعاملات التجارية المتعلّقة بالحدث الأخير.
الاقتصاد، والصفقات، وآمال الربح، تتشابك، والحال هذه، مع أحاسيس الخسارة، من فوات هذه الفرصة الكبيرة وذهابها إلى قطر، وليس للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت مرشّحة هي أيضا، وكذلك إنكلترا، وهذا أمر لا يمكن إغفاله، حين نحلّل الحملات الإعلامية التي رافقت انطلاق المونديال.
يشكّل حدث تنافس منتخبات الأمم المؤهلة، صغيرها وكبيرها، سببا كبيرا لأشكال من تأجج الحماس بين سكان العالم، في كافة أنحاء المعمورة، وخصوصا حين يتعلّق الأمر ببلدان تشتعل بينها الخصومات السياسية، أو تعاني، هي نفسها، من أحداث سياسية أو أمنية تلهب مشاعر مواطنيها، وبالتالي لاعبيها، من دون أن ننسى الحضور الفاعل أو الخفي للصراعات بين الغرب والشرق، والشمال والجنوب، والدول الغنية والفقيرة، والطبقات والأديان والأيديولوجيات، بحيث يكون للشعوب، بل وللمشاهدين الأفراد، أنواع من الأفضليات والتحيّزات، كلما شاهدوا فريقين يتنافسان.
أحد آخر المستجدات في انعكاس السياسة على الرياضة كان قيام المنتخب الأمريكي بنشر العلم الإيراني بدون شعار الجمهورية الإسلامية، وذلك قبل المباراة التي تجمعه بنظيره الإيراني. يأتي هذا على خلفية العداء الطويل بين الدولتين، وكان انتصار منتخب إيران على منتخب أمريكا في بطولة كاس العالم 1998، أحد معالمه.
أدى المنتخب الصربيّ حركة شبيهة بما سلف، حين قام باختراع علم يضم فيه كوسوفو ضمن خريطة صربيا وعليه عبارة: «لا تنازل» ووضعه في غرفته لتبديل الملابس في قطر حيث تجري المباراة، في إشارة أثارت الحكومة الكوسوفية، المستقلة عن صربيا منذ عام 2008، فقدم اتحادها للكرة شكوى، أدت لإجراءات تأديبية ضد الاتحاد الصربي.
يأتي الحدثان الأخيران ضمن سلسلة طويلة من الوقائع التي أثارت الجدل في مونديال قطر، بدءا من استبعاد روسيا على خلفية احتلالها لأوكرانيا، وخلاف القمصان بين المغرب والجزائر، وامتناع منتخب إيران عن ترديد النشيد الوطني في مباراته الأولى، ووضع أفراد المنتخب الألماني أيديهم على أفواههم، وارتداء بعض المشجعين البريطانيين لملابس الصليبيين، والفرحة العارمة التي أصابت العرب عند فوز السعودية والمغرب.
تلتبس المصالح والأهواء والتحيّزات النمطية الكبرى، مع السياسات وحساباتها البعيدة أو الآنية، مع الرياضة وجمالياتها ومفاجآتها، وقصص المباريات واللاعبين والحكام والمشجعين، وتختلط كل هذه الظواهر لتشكّل مشهدا مذهلا لتنوّع العالم، واختلافاته، وكذلك تشابهاته، فالبشرية، في النهاية، تجمعها الآمال نفسها بالسلام والاستقرار والسعادة والأمن والعدالة.
القدس العربي