ستتجاوز دول المنطقة العديد من المتوسطات الديمغرافية العادية، وقد تؤثر أيضاً التحولات السكانية الرئيسية في العالم على كيفية تنافس القوى العظمى على النفوذ في المنطقة.
يحظى الأخصائيون الديمغرافيون في “إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية” التابعة للأمم المتحدة بتقدير كبير لعملهم عالي الجودة، ولا يشكل تقريرهم الصادر مؤخراً عن التوقعات السكانية في العالم استثناءً عن ذلك. فإلى جانب المعلومات الديمغرافية التفصيلية عن كل دولة عضو في الأمم المتحدة، تتضمن النسخة السابعة والعشرون تقديرات حول التغيرات التي ستطرأ على سكان كل دولة حتى عام 2100. وتشير هذه التوقعات إلى أن الوقائع الديمغرافية – وعلاقات القوة أيضاً على ما يفترض – ستتغير بشكل كبير في العديد من المناطق، بما فيها الشرق الأوسط.
وغالباً ما يكون التنبؤ علماً غير دقيقاً – فالتحديات التي تواجه منظمي استطلاعات الرأي هي مثال على ذلك – إلا أن دراسة السكان (أو الديمغرافيا) هي أحد الاختصاصات التي تنتج تنبؤات يمكن أن يثق بها الممارسون والمستهلكون بشكل كبير ولو كانت لعقود مقبلة. فالمراقبون، على سبيل المثال، يملكون فكرة واضحة عما سيكون عليه عدد السكان الذين يبلغون من العمر خمسين عاماً بعد خمسة وأربعين عاماً من الآن، ما لم تقع كارثة ما. فهؤلاء قد وُلدوا بالفعل، في نهاية المطاف.
وعند التنبؤ بالتغيرات التي ستطرأ على عدد السكان في بلد ما، تستخدم الأمم المتحدة ثلاثة سيناريوهات لها ثلاثة مستويات مختلفة: منخفضة ومتوسطة وعالية. ويركز التحليل أدناه على السيناريو المتوسط. ومع ذلك،تجدر الإشارة إلى أن السيناريو المنخفض كان في أغلب الأحيان الأكثر دقة خلال العقود الأخيرة، وأن توقعات الأمم المتحدة قد تعرضت لانتقاداتلعدم أخذها في الاعتبار بشكل كاف الاتجاهات الحديثة التي تقلل من عدد السكان. ومع ذلك، فإن التوقعات الصادرة عن “مركز الخبرات للسكان والهجرة” (CEPAM) و “معهد التقييم والقياسات الصحية” بجامعة واشنطن تشبه إلى حد كبير توقعات الأمم المتحدة التي تتنبأ بتبعات كبيرة على الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط عام 2100
تتوقع الأمم المتحدة أن يتراجع عدد السكان في اثنين من البلدان التي تضم العدد الأكبر من السكان في الشرق الأوسط – تركيا وإيران – بحلول عام 2100. فمن المتوقع أن ينخفض عدد السكان في تركيا من 85 مليوناً إلى 83 مليوناً، وفي إيران من 89 مليوناً إلى 80 مليوناً، مما سيطيح بمكانتهما كعمالقة ديمغرافيين في المنطقة.
بخلاف ذلك، من المتوقع أن يرتفع عدد السكان ارتفاعاً ساحقاً في بلدين متوسطي الحجم – العراق واليمن – مما سيزيد من أهميتهما الجيوستراتيجية. فسوف يتوسع عدد سكان العراق من 44 مليون إلى 112 مليون نسمة – أي من نصف عدد سكان إيران أو تركيا اليوم إلى أكبر من أي منهما بنسبة 40 في المائة. وهذا يعني، من جملة أمور أخرى، أن البلد الذي سيضم أكبر عدد من المسلمين الشيعة في العالم سيكون العراق وليس إيران. ومن المرجح أن تجد أنقرة وطهران صعوبة أكبر في السيطرة على العراق الذي سيتجاوز عدد سكانه عدد سكانهما. ويمكن النظر إلى هذه الأرقام بطريقة أخرى: يشكل حالياً عدد سكان العراق 75 في المائة من عدد سكان دول «مجلس التعاون الخليجي»الست مجتمعةً (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، ولكن بحلول عام 2100 سيصبح عدد سكانه أعلى بنسبة 33 في المائة من عدد سكان دول «مجلس التعاون». كما أنه سيكون أكبر بـ 2.2 ضعفاً من الـ 50 مليون نسمة في المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر دول «مجلس التعاون الخليجي» من حيث عدد السكان.
ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان اليمن من 34 مليون إلى 74 مليون نسمة – أي أن عدد سكانه سينتقل من كونه أقل من عدد سكان السعودية، إلى كونه أعلى منه بنسبة 50 في المائة. وهذا من شأنه أن يجعل عدد سكانه يبلغ نسبة 90 في المائة من عدد سكان دول «مجلس التعاون الخليجي» مجتمعةً، ويقارب عدد السكان في إيران أو تركيا.
أما مصر فسوف تواصل انفجارها الديمغرافي، حيث سيتضاعف تقريباً عدد سكانها من 111 مليون إلى 205 ملايين نسمة، لتتفوق بأشواط على كافة بلدان المنطقة. بعبارة أخرى: سيكون عدد سكانها أكبر بنسبة 25٪ من عدد سكان إيران وتركيا مجتمعين، وما يقرب من ضعف عدد سكان روسيا (الذي من المتوقع أن ينخفض إلى 112 مليون نسمة).
إلا أن النمو السكاني سيكون أبطأ بكثير في دول «مجلس التعاون الخليجي». فعدد سكانها الإجمالي يبلغ حالياً 59 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى 84 مليوناً في عام 2100. ومع ذلك، يبقى هذا الارتفاع ملحوظاً في ظل التباطؤ الأوسع في النمو العالمي، كما أنه سيضع دول «مجلس التعاون الخليجي» في مرتبة أعلى من إيران وتركيا من حيث عدد السكان.
في مناطق أخرى [في الشرق الأوسط]، تَعْرضْ الأمم المتحدة التوقعات التالية:
• سيتضاعف عدد سكان إسرائيل من 9.2 مليون إلى 18.4 مليون نسمة
• سيزداد عدد سكان فلسطين (أي غزة والضفة الغربية) من 5.2 مليون إلى 12.8 مليون نسمة
• سيتضاعف عدد سكان سوريا تقريباً من 22 مليون إلى 43 مليون نسمة
• سيزداد عدد سكان الأردن من 11 مليون إلى 18 مليون نسمة
• في المقابل، سينكمش عدد سكان لبنان من 5.5 مليون إلى 4.7 مليون نسمة
• وفي المجموع، سيصل عدد سكان هذه البلدان الأربعة وفلسطين إلى 95 مليون نسمة، أي أكثر من عدد سكان تركيا أو إيران.
تنبؤات القوة العظمى
الواقع أن أرقام الشرق الأوسط تكشف عن جوانب إضافية إذا ما نظرنا إليها من منطلق التحولات السكانية المتوقعة في بلدان “القوة العظمى” التي تتنافس حالياً على النفوذ في تلك المنطقة. إذ يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة اليوم 338 مليون نسمة، أي ما يعادل ربع سكان الصين. ولكن بحلول عام 2100، من المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 394 مليوناً، أي أكثر من نصف العدد في الصين – والذي تتوقع الأمم المتحدة أن ينخفض بشكل كبير من 1.425 مليار إلى 767 مليون نسمة. ومن المتوقع أن يتقلص عدد سكان روسيا أيضاً، حيث ستنخفض نسبة سكانها مقارنةً بعدد سكان الولايات المتحدة من 43 في المائة إلى 28 في المائة. بعبارة أخرى، من المرجح أن تواجه موسكو وبكين صعوبات حادة في الحفاظ على قوتهما الوطنية الحالية مقارنةً بواشنطن.
في المقابل، من المتوقع أن ينمو عدد سكان الهند بشكل متواضع من 1,417 مليار إلى 1,530 مليار نسمة، أي ضعف عدد سكان الصين. وهذا يشير إلى أن أهميتها كقوة عالمية قد تزداد هي أيضاً. ومن المثير للاهتمام أن عدد سكان الهند لن ينمو بالسرعة التي سينمو بها عدد سكان أمريكا، مما يوضح ديناميكية ديمغرافية مستمرة في الولايات المتحدة تعود إلى الهجرة بدرجة كبيرة.
ويمكن القول إن التغيير الأكثر لفتاً للانتباه في عدد سكان العالم سيكون بروز إفريقيا جنوب الصحراء كعملاق ديموغرافي. وحالياً تشكل هذه المنطقة موطناً لـ 1.166 مليار شخص، أو 78٪ من عدد سكان الصين، ولكن بحلول عام 2100 من المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 3.442 مليار نسمة، مما سيجعل نسبتهم 450٪ من عدد سكان الصين، وأكثر من ثمانية أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة.
پاتريك كلاوسون
معهد واشنطن