يبدو أن العراق بات يفكر جدياً في إكمال ما خطط له الألمان مطلع القرن الـ20 من خلال ربط الشرق بالغرب عبر سكك حديدية ليكون أحد الطرق الحيوية التي تنافس طرقاً بحرية مهمة، ومنها طريق قناة السويس التي تسير خلالها ثلث بضائع العالم، والتي تحقق واردات تتجاوز ستة مليارات دولار سنوياً. وتبرز أهمية تبديل السكك العراقية وربطها بأوروبا بعد البدء الجدي بإنشاء ميناء الفاو، والذي يراد منه أن يكون بمثابة القناة الجافة التي تربط العراق بأوروبا، مستغلاً موقع العراق الجغرافي الهام.
ويتلخص مشروع “القناة الجافة” بمد سكك حديدية عبر العراق للبضائع الآتية من أستراليا وشرق آسيا نحو أوروبا، وذلك من خلال شحن حمولات السفن في الموانئ العراقية إلى الخليج العربي، بخاصة ميناء الفاو الذي ما زال قيد الإنشاء، ومن ثم نقلها عبر خطوط نقل برية إلى تركيا.
تصاميم إيطالية
وأعلنت شركة سكك حديد العراق التعاقد مع شركة إيطالية لربط ميناء الفاو الكبير بتركيا عن طريق سكة حديدية، فيما أشارت إلى فوائد اقتصادية كبيرة من هذا الربط.
وقال مدير عام شركة سكك حديد العراق طالب جواد الحسيني، لوكالة الأنباء العراقية، إن “الشركة باشرت بالتعاقد مع إحدى الشركات الإيطالية لإعداد دراسات وتصاميم وبطول 1300 كيلومتر، لربط ميناء الفاو الكبير بتركيا، وبالنتيجة سيكون ربط الشرق بالغرب عن طريق تركيا لتسويق البضائع الواردة إلى ميناء الفاو”.
وتابع أن “الميناء سيكون واحداً من المشاريع المهمة التي تحقق قفزة نوعية من خلال رفع الاقتصاد الوطني ودعمه، نتيجة حصول مبالغ بواسطة أجور (الترانزيت)”، موضحاً أن “أغلب المحافظات العراقية سيتم ربطها بشبكة السكك الحديدية”.
ونوه إلى “وجود 9 محافظات مرتبطة بشبكة السكك الحديدية”، معرباً عن أمله في أن تقدم الشركة الإيطالية دراسات وتصاميم، بحسب العقد المبرم، لربط المحافظات كافة بالشبكة الحديدية لاستخدام القطارات للسفر والتجارة”.
الإدراج ضمن الموازنة
فيما بين عضو لجنة الخدمات في البرلمان العراقي محما خليل، أنه سيتم العمل على وضع المشروع في موازنة 2023 من خلال الشراكة مع القطاع الخاص. وأضاف، “أن خط السكك الحديدية الذي يربط الفاو بتركيا له أهمية كبيرة لأنه سيربط الشرق بالغرب، ومن واجب الدولة أن تتكفل ببناء الاقتصاد العراقي على أسس سليمة بحسب المادة 25 من الدستور”. وشدد على أهمية المشروع باعتبار أن النقل يعد المورد الثاني بعد النفط.
طريق أقصر
وشدد أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبدالرحمن المشهداني على ضرورة أن يتم إنشاء السكك الحديدية بأحدث المواصفات، كونها ستتولى نقل البضائع إلى أوروبا، مشيراً إلى أنها ستكون همزة وصل تعمل على تقليص المساحات.
وأضاف المشهداني، “يجب أن تنجز السكك الحديدية التي تربط ميناء الفاو بتركيا بأحدث المواصفات العالمية، ليتم استيعاب البضائع التي تنقل عبر الميناء الذي تبلغ طاقاته الاستيرادية بحدود 990 ألف حاوية سنوياً”، معتبراً أن ميناء الفاو سيكون مركزاً تجارياً عالمياً يتميز بعوامل مشجعة، باعتبار أنه أقصر من قناة السويس ما يقلص فترة نقل البضائع من 8 إلى 10 أيام.
تغير بالكامل
وشدد على ضرورة أن يتم إنشاء خطوط نقل حديثة للشاحنات وسكة نقل حديثة بخطوط عدة، “لذلك نحن بحاجة إلى تغيير السكك الحديدية بالكامل والقطارات كذلك، ويجب أن تكون القطارات حديثة”، كاشفاً عن أن فكرة إنشاء المشروع قديمة تمتد لعام 1911 من قبل الألمان، ولا بد أن تتمتع بمواصفات أوروبية لأن تلك القطارات مخطط لها أن تصل إلى برلين وفرنسا.
تتراوح كلفة المشروع بين ستة وثمانية مليارات دولار، والحكومة العراقية لا تستطيع أن تتكفل بتمويله، وإنما التعويل على الشراكات والاستثمارات، كما هو الحال بمطار صبيحة في تركيا بحسب المشهداني، الذي أشار إلى أنه من الممكن أن تتم الإحالة لشركات عالمية لبناء المشروع، والعراق يأخذ نسبة من الأرباح، بالتالي ستعود السكك الحديدية والقطارات له بعد فترة من الزمن. ولم يستبعد المشهداني أن يواجه المشروع بعض المشكلات مثل تملك الأراضي التي تمر بها السكك الحديدية، مشيراً إلى أن النقل بالقطارات أرخص من النقل البري والبحري وأقصر في المسافة، ومن المفروض البدء بتشييد الطريق البري وإنشاء السكك الحديدية من الآن.
ويتطلب المشروع إنشاء سكك حديدية جديدة بدلاً من السكك الحديدية العراقية المتهالكة، والتي يرجع تاريخ إنشائها قبل عقود، فضلاً عن خطط لربط العراق بدول جواره عبر مجموعة من السكك الحديدية. فهناك خطوط أخرى من بغداد، وحتى خانقين إلى الحدود الإيرانية، ألغيت عام 1980 بعد اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، إضافة إلى خط بغداد – كركوك الذي توقف العمل به قبل أعوام طويلة. كما أن لدى العراق خطاً ثالثاً يربط العاصمة بمدينة القائم الحدودية مع سوريا، يمر بمدن الفلوجة والرمادي وعكاشات لنقل الأفراد والمنتجات النفطية والبضائع، لكنه تعرض لأضرار كبيرة خلال المعارك مع تنظيم “داعش” أثناء تحرير مدن محافظة الأنبار.
15 في المئة من التجارة
ورجح المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن تمر 15 في المئة من التجارة عبر العراق بعد إكمال ميناء الفاو، ما سيجلب واردات تقدر بـ25 مليار دولار سنوياً. وأضاف، “هناك دراسة معمقة تجري حول الطرق التي سيسلكها القطار عبر سكك حديدية سيتم إنشاؤها لنقل البضائع والمسافرين، على اعتبار أن هناك مدناً ممكن أن ترتبط بهذا القطار، سواء كانت صناعية وتجارية وزراعية، وسيساعد هذا الأمر على تشكيل تجمعات سكانية على هذا الطريق وخلق فرص عمل مستدامة للمدن التي تمر بها هذه السكة”.
الربط بدول الجوار
ولفت إلى أنه عند وضع الدراسة يجب الأخذ بالاعتبار إمكانية ربط قارة أفريقيا والاتحاد الروسي بهذا الطريق. وتطرق إلى أهمية أن تتبنى المحافظة التي يمر بها القطار الدعم اللوجيستي وتخصيص قطع الأراضي ونقل ملكيتها إلى مشروع ميناء الفاو، ويتم حصول موافقات المحافظات التي يمر بها ونسب الإيرادات للمحافظات التي يمر بها القطار عبر قانون خاص، يشرع في مجلس النواب للحيلولة دون خلافات مستقبلية.
إيرادات عالية
وعن الإيرادات المتوقعة التي سيتم جنيها من المشروع بين قصي أن ما لا يقل عن 15 في المئة من حجم التجارة العالمي سينتقل عبر هذا الطريق مستقبلاً، بالتالي من المتوقع أن يجني المشروع بكامل مراحله من 20 إلى 25 مليار دولار، ما عدا الفوائد الأخرى التي تتعلق بخلق فرص عمل ومدن جديدة على جوانب الطرق، ومدن صناعية وسياحية، وتسهيل مهمة ربط الطريق بطريق الحج مستقبلاً باعتبار أن الحجاج من الشرق يأتون عبر الطرق البرية، والربط السككي مع دول المنطقة، وإعادة إحياء طريق زبيدة، ما يجعل الاقتصاد العراقي على خريطة الاستثمارات والتجارة العالمية.
وشدد قصي على ضرورة إشراك المستثمر المحلي عبر النظام المصرفي، وإنشاء شركة يكتتب بها العراقيون، ومن الممكن أن يكون هناك فرص استثمارية صناعية وتجارية، مبيناً أن الاتحاد الأوروبي يرغب بإعادة تصدير سلعه من خلال العراق إلى آسيا، ومن الممكن أن يلعب ميناء الفاو دوراً في الاستيراد والتصدير، وتحويل العراق إلى فرصة استثمارية وفتح المجال إلى كل أنواع الاستثمار. وإذا نجحت الحكومة ببناء ميناء الفاو بتمويل مركزي، ستكون هناك حاجة إلى أموال طائلة لذا علينا أن نمنح فرصاً استثمارية لجميع من يرغب بالاستثمار لخلق شراكات مع جميع دول العالم.
اندبندت عربي