مع حلول فصل الشتاء في جميع أنحاء أوكرانيا، لا تظهر الهجمات الجوية الروسية على البلاد أي علامة على التراجع. وتواجه أوكرانيا قصفًا جويًا روسيًا لا هوادة فيه على المراكز السكانية الرئيسية والبنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء البلاد.
كما تتضمن موجات القصف الروسي الضربات الصاروخية وبالطائرات من دون طيار، التي تصاعدت وتيرتها منذ تشرين الأول (أكتوبر) لاستهداف المدن الكبرى والتسبب في أقصى قدر من الدمار.
* *
حتى في الوقت الذي تقصف فيه قوات الكرملين المدن الأوكرانية والبنية التحتية الرئيسية للبلد، أثبت جيش كييف مرونته؛ حيث تمكن من دفع القوات الروسية إلى الخروج من الأراضي التي كانت قد احتلتها في شرق وجنوب أوكرانيا.
ويعزز تماسك الجيش الأوكراني دفق مستمر من الدعم العسكري والإنساني الأميركي والأوروبي، بما في ذلك حزمة مساعدات فتاكة أخرى بقيمة 400 مليون دولار أعلنتها الحكومة الأميركية يوم الأربعاء الماضي، والتي ستكون ستضم قدرًا كبيرًا من ذخائر الدفاع الجوي التي تشتد الحاجة إليها.
كما ساعدت الأسلحة الغربية على إبقاء روسيا في وضع غير موات عسكريًا، وخففت من وابل صواريخها. ولكن، مع تطلع موسكو إلى استخدام الشتاء كسلاح حربي من خلال الإجهاز على نظام الطاقة الأوكراني، يراقب العالم الآن عن كثب كيف سيؤثر هذا الفصل على مجريات القتال.
فيما يلي خمسة أسئلة حاسمة تطرح نفسها مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية فصل الشتاء.
كم سيلعب الشتاء دوراً في القتال؟
مع استمرار القتال ودخوله شهره العاشر، من المتوقع أن تتراجع حدة الصراع تدريجيًا بينما يخيم فصل الشتاء على أوكرانيا وتتفاقم الظروف الباردة.
وعلى الرغم من نجاح أوكرانيا في هجومها المضاد الذي شنته في أيلول (سبتمبر) لتحرير الأراضي المحتلة، فإن روسيا ما تزال تسيطر حاليًا على نحو 20 في المائة من الأراضي الأوكرانية. ويشمل ذلك الكثير من الجزء الشرقي من أوكرانيا، مثل مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك وشبه جزيرة القرم.
في الأسبوع الماضي، قال كولين كال، وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات، إن “الطقس البارد في أوكرانيا” بطأ المعركة قليلاً بالفعل، مع سيادة ظروف موحلة تجعل من الصعب على أي من الجانبين تنفيذ هجوم كبير.
وقال في معرض حديثه إلى الصحفيين: “أعتقد أن هذا التحدي سيزداد سوءًا في الأسابيع المقبلة، لذلك سيتعين علينا أن نرى ما إذا كان القتال سيتباطأ أكثر نتيجة لذلك”.
استعدادا لفصل الشتاء القاسي، سعت الولايات المتحدة إلى تزويد البلاد بمعدات الطقس البارد، بما في ذلك عشرات الآلاف من السترات، والقبعات الصوفية، والأحذية والقفازات، إضافة إلى المولدات الكهربائية والخيام، وفقًا لوزارة الدفاع الأميركية.
كم سيعاني الأوكرانيون في البرد؟
تواجه أوكرانيا قصفا جويًا روسيًا لا هوادة فيه على المراكز السكانية الرئيسية والبنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء البلاد.
كما تتضمن موجات القصف الروسي الضربات الصاروخية وبالطائرات من دون طيار، التي تصاعدت وتيرتها منذ تشرين الأول (أكتوبر)؛ الطائرات الانتحارية من دون طيار زودتها بها إيران لاستهداف المدن الكبرى والتسبب في أقصى قدر من الدمار.
وقد أطلقت القوات الروسية في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) وحده ما يقدر بنحو 60 إلى 100 صاروخ على العديد من المدن الأوكرانية.
وكان من بين هذه الهجمات هجوم شن على شبكة الكهرباء الأوكرانية الأسبوع الماضي، وتسبب في إحداث دمار “هائل”؛ حيث لم تبق محطة طاقة حرارية أو كهرومائية واحدة في البلاد سليمة الآن، وفقًا لرئيس شركة “أوكرينيرغو”؛ مشغل نظام توزيع الكهرباء المملوك للحكومة.
وكانت النتائج كارثية؛ حيث أشارت وزارة الطاقة الأوكرانية، يوم الأربعاء الماضي، إلى أن هجمات الكرملين تسببت في فقدان “الغالبية العظمى من مستهلكي الكهرباء” إمدادات الطاقة.
وعلى الرغم من أن أوكرانيا وضعت جدولًا زمنياً لانقطاع التيار الكهربائي من أجل توفير استهلاك الطاقة والحفاظ عليها، فإن من المتوقع أن يعاني مدنيوها بشدة خلال فصل الشتاء؛ حيث من المرجح أن ينزح 2 إلى 3 ملايين شخص في الأشهر المقبلة مع تزايد برودة الطقس، وفقًا لهانز هنري ب. كلوج، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا.
وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الأسبوع الماضي أيضًا، إنه مع بداية فصل الشتاء، “ستكون العائلات من دون كهرباء، والأهم من ذلك، من دون تدفئة”، وهو ما يُتوقع أن يتسبب “بمعاناة إنسانية لا تحصى”.
وقال في تصريح للصحفيين: “سوف يتأثر بقاء الإنسان الأساسي وعيشه بشدة، وستزداد المعاناة الإنسانية للسكان الأوكرانيين.
ومما لا شك فيه أن هذه الضربات ستعيق قدرة أوكرانيا على رعاية المرضى والمسنين. وستجعل مستشفياتها تعمل جزئيًا. وسوف يكون كبار السن مكشوفين أمام عوامل الطقس”.
هل يمكن لروسيا الاستيلاء على أراض في الشرق؟
ما تزال روسيا عاكفة على قصف مدينتي أفديفكا وباخموت الشرقيتين منذ أسابيع، وهو ما خلق ظروفًا وصفها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنها “جحيم فقط”.
والأمور لا تني تزداد سوءًا. فقد تصاعد القصف في منطقة دونيتسك الشرقية هذا الأسبوع. ويقول مراقبو الحرب إن روسيا قد ترسل المزيد من القوات والأسلحة إلى الشرق بعد انسحابها من خيرسون في الجنوب.
وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية يوم الثلاثاء الماضي: “العدو لا يتوقف عن قصف مواقع قواتنا ومستوطناتنا بالقرب من خط التماس.
وهم يواصلون إطلاق النار على البنية التحتية الحيوية والمساكن المدنية… وفي اتجاهات باخموت وأفديفكا يركز العدو جهوده على القيام بأعمال هجومية”.
ومع ذلك، تمكنت أوكرانيا من الصمود حتى الآن. في الشهر الماضي، انتشرت تقارير بين مراقبي الحرب تفيد بأن قوات “مجموعة فاغنر” شبه العسكرية -التي تقود جهود روسيا الحربية في دونيتسك- أُعطيت مهلة نهائية للاستيلاء على باخموت بحلول نهاية تشرين الأول (أكتوبر)، مع رغبة بوتين الكبيرة في تحقيق انتصار لتعويض الخسائر المتزايدة في أماكن أخرى.
وإذا خسرت أوكرانيا باخموت، فإن ذلك قد يسمح للقوات الروسية بالتقدم إلى مدن رئيسية أخرى في دونيتسك، وهي من بين المناطق التي قامت موسكو بضمها في أواخر أيلول (سبتمبر).
لدى روسيا الكثير من التعزيزات لتعتمد عليها وتستفيد منها، ما بين أكثر من 20.000 جندي كانوا في السابق في خيرسون، وما يقرب من 200.000 من جنود الاحتياط الذين يقال إنها قامت تعبئتهم للانضمام إلى الحرب في الأشهر المقبلة.
ولكن، حتى يفغيني بريغوزين، الأوليغارشي الروسي وصقر الحرب الذي أسس “مجموعة فاغنر”، اعترف بأن الجيش الأوكراني يحرز تقدمًا بطيئًا.
وقال بريغوزين في تصريح له الشهر الماضي: “وحداتنا تقابَل باستمرار بأشرس مقاومة للعدو، وألاحظ أن العدو مستعد جيدًا ومتحمس ويعمل بثقة وانسجام. وهذا لا يمنع مقاتلينا من المضي قدمًا، ولكن لا يمكنني التعليق على المدة التي سيستغرقها ذلك”.
هل ستبدأ التعبئة الروسية في إحداث فرق؟
مر أكثر من شهرين الآن منذ أن اتخذ بوتين الخطوة الدراماتيكية المتمثلة في تعبئة جنود الاحتياط العسكريين، وهو ما قد يضيف حوالي 300 ألف جندي إلى جهوده الحربية في أوكرانيا.
وكان لهذه الخطوة تأثير فوري في روسيا؛ حيث جعلت الحرب أقرب إلى الوطن بالنسبة لآلاف العائلات التي تم استدعاء أبنائها وآبائها للانضمام إلى “العملية العسكرية الخاصة”.
ولكن، كان من المتوقع أن يستغرق الأمر أشهرًا قبل أن يتم تدريب جنود الاحتياط وتجهيزهم وإرسالهم إلى ميدان المعركة.
وحتى عندما يحدث ذلك، ما تزال هناك شكوك واسعة النطاق حول التأثير، إن وجد، الذي قد يحدثه جنود الاحتياط هؤلاء ضد الوحدات العسكرية الأوكرانية المدربة جيدًا والمتسلحة بالعزيمة.
وأفاد “معهد دراسات الحرب” بأنه -على الرغم من استمرار الأفراد الروس المعبئين في الاحتجاج والفرار من الجندية- فإنه تم تدريب المجموعات الأولى من القوات الجديدة، ويجري نشرها الآن في مناطق زاباروجيا ولوهانسك ودونيتسك التي قامت روسيا بضمها في الشرق.
وكتب المعهد في وقت سابق من هذا الشهر: “من المرجح أن تستمر القوات الروسية في استخدام الجنود المعبئين والمعاد نشرهم لإعادة إطلاق العمليات الهجومية في دونيتسك أوبلاست والحفاظ على مواقع دفاعية في لوهانسك أوبلاست”.
ويقال أيضًا إن الكرملين يستعد “لموجة ثانية” من التعبئة ستبدأ في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير)، بهدف تعزيز القوات الروسية في الربيع والصيف المقبلين.
الغد