تشتد حدة الاحتجاجات الشعبية في عموم المدن الإيرانية وتتصاعد حملات التأييد العالمي لها وتتضامن معها المنظمات الحقوقية والإنسانية والمجتمع المدني وتلاقي الدعم الإعلامي من كافة وسائل الإعلام المختلفة من فضائيات ومراكز بحثية ومؤسسات صحفية لعدالة القضية التي تدافع عنها الشعوب الإيرانية وتمسكها بحقوقها ودعوتها لتطبيق العدالة الاجتماعية واحترام إرادة الإنسان واختياراته الشخصية والابتعاد عن أدوات الظلم والتعسف الإجتماعي والاضطهاد والقتل والاعتقال والاعتقال الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للنظام الحاكم في طهران، والذي تؤكده العديد من الاعترافات والتصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الإيرانيين بوصول ضحايا الانتفاضة الشعبية إلى(400) قتيل والآلاف الجرحى وأكثر من عشرين الف معتقل من المواطنين على اختلاف انتماءاتهم القومية والاثنية والمذهبية وهذا ما أدى إلى تصاعد التأييد الشعبي والتضامن الإجتماعي مع شباب وشابات الانتفاضة واخذ أبعاد ميدانية واسعة شكلت إسهام فعلي إيجابي ضد محاولات النظام ومؤسساته الأمنية في تصعيد المواجهة مع أبناء الشعوب الإيرانية.
امام هذا المد الشعبي والجماهيري والتأييد والتعاطف الدولي وعدم تمكن النظام من إسكات الصوت الهادر من حناجر الشباب الإيراني وبغية تهدئة الأوضاع الداخلية وامتصاص النقمة الجماهيرية والغضب الشعبي جاء قرار الحكومة الإيرانية صباح يوم الاحد الموافق الرابع من كانون الأول 2022 بحل مؤسسة (شرطة الاخلاق) بعد تعليق نشاطاتها على خلفية التظاهرات التي اندلعت في عموم المدن الإيرانية في شهر أيلول الفائت ثم قرار البرلمان الإيراني والسلطة القضائية بإعداد إجراءات واقعية لمراجعة قانون الحجاب الذي اقر عام 1983 .
تأتي هذه الإجراءات والقرارات من السلطة الإيرانية بعد ثلاثة أشهر من احتجاجات عارمة أثارت غضب دولي واستنكار مجتمعي على كافة الأصعدة وادت إلى هز أركان النظام السياسي الإيراني وأدت إلى خلافات واضطرابات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية والأحزاب الحاكمة، ورغم جميع أساليب القمع والاضطهاد والتعسف الإ انها لم تفلح في إسكات صوت الثوار من أبناء الشعوب الإيرانية بل شكلت دافع أساسي في التمسك بحقوقها والدفاع عن مصالحها والالتزام بقيمها وحرصها على الدماء التي سالت في ميادين وشوارع وازقة عموم المدن الإيرانية التي شهدت الاحتجاجات الشعبية.
كان إعلان المدعي العام للنظام الايراني حجة الإسلام محمد جعفر منظري أن إلغاء مؤسسة شرطة الأخلاق من قبل السلطات المختصة ليس له علاقة بالقضاء وإنما يتم الإلغاء من جهة الإنشاء، وهذا اعتراف صريح ودقيق حول عدم وجود حالة شرعية تربط القضاء الإيراني وتشكيل هذه المؤسسة التابعة للنظام .
يمكن اعتبار الاعلان عن إلغاء شرطة الاخلاق تراجع كبير عن ضرورات شرعية كان يؤمن بها النظام ويرى فيها إحدى الفقرات الرئيسية في دستوره ولكنه تغاضى عنها أمام مغريات وضروريات بقاء واستمرار النظام في السلطة والتحكم بمصير أبناء الشعوب الإيرانية، وقد يؤدي هذا الأمر إلى تراجعات أخرى قد يكون مضطرا إليها مستقبلا للحفاظ على الوضع الداخلي واستمرار سياسته في توجيه مؤسساته وأدواته لخدمة أهدافه وتحقيق مشروعه السياسي في التمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
ان هذا القرار يعتبر حالة واقعية لإبعاد المسؤولية القانونية والقضائية عن كبار المسؤولين الإيرانيين الذين تصدوا التظاهرات الشعبية التي اوقعت المئات من الضحايا الإنسانية باستخدام أكثر الأساليب وحشية في مواجهة الانتفاضة الحد منها.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية