أنقرة- وضعت دعوات الإضراب الصادرة عن مجموعات من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا قضية اللاجئين في الواجهة مجددا، في حين يقول مراقبون إن هذه الدعوات قد تزيد الضغوط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاتخاذ خطوات ترضي رأيا عاما تركيا تتصاعد فيه العنصرية ودعوات التخلص من اللاجئين بأي طريقة.
ودعا نشطاء وفاعلون سوريون في تركيا إلى إضراب شامل خلال هذا الأسبوع يشمل المصانع والمؤسسات التركية التي يعمل فيها اللاجئون للرد على حملة التحريض والاعتداءات التي طالتهم ووصلت إلى حد قتل أحد اللاجئين على الهوية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة لشهر يونيو 2023 شرعت الأحزاب التركية في المزايدة بورقة اللاجئين لإرضاء اليمين التركي الذي يحمّل السوريين مسؤولية الأزمة التي تعيشها البلاد، خاصة ما تعلق منها بغياب فرص العمل وارتفاع الأسعار.
◘ دعوات الإضراب، سواء نجحت أو فشلت، أخرجت قضية اللاجئين السوريين إلى العلن بعد أن ظلت لسنوات هامشية
وكانت الشرطة التركية قد اعتقلت في التاسع من سبتمبر الماضي رجل الأعمال السوري عبدالله الحمصي على خلفية دعوته اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا إلى الإضراب احتجاجا على ما سمّاه العنصرية المدفوعة بحملة تحريض تمارسها الأحزاب التركية ضدهم، وأدّت إلى مقتل عدد من الشبان السوريين.
ولم تحصل دعوات الإضراب على دعم شق كبير من اللاجئين السوريين، الذين رأوا فيها صبا للزيت على نار العداوة في الشارع التركي، معتبرين أن الوقت غير ملائم.
وإذا كانت الأحزاب المعارضة هي التي ترفع لواء استهداف اللاجئين وتحضّ على طردهم لاعتبارات انتخابية، فإن الإضراب سيجعل أنصار الحزب الحاكم ينضمون إلى الحملة وستتبناها الحكومة وستقوم بحملة رسمية منظمة لطرد اللاجئين واستهدافهم بالعنف والتنكيل أكثر مما هو حاصل حاليا.
ودخلت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا على خط الأزمة، ووقفت ضد الإضراب واعتبرت أن الوقت غير ملائم، وأن الأيادي التي تقف خلف الإضراب غير بريئة.
وقالت في بيان لها إنّ “الدعوة المريبة التي أطلقها بعض الناس للانخراط في إضرابٍ جَماعيٍّ للعمال السوريين (…) لَهي دعوة تفتقر إلى الحكمة ولا تراعي واقع العمال السوريين، في توقيتها، وفي مضمونها، وفي غاياتها؛ وسيكون من نتائجها لو استُجيبَ لها، تقطيع حبال السوريين، وتكدير دار هجرتهم عليهم”.
واعتبرت الجماعة أن ما يريده بشار الأسد وروسيا وإيران أن “يجدَ اللاجئون السوريون أنفسهم غرباء منبوذين في أرض احتضنتهم وأكرمت وفادتهم”.
ويرى مراقبون سياسيون أن دعوات الإضراب، سواء نجحت أو فشلت، أخرجت قضية اللاجئين السوريين إلى العلن بعد أن ظلت لسنوات هامشية، ونجح من خلالها النظام التركي في تحصيل الدعم الخارجي دون أن ينعكس ذلك على حياتهم، مشددين على أن التحرك المنظّم للاجئين سيحول الأنظار إليهم من جهة، ومن جهة أخرى هو خطوة تستبق خطة أردوغان لإعادتهم إلى سوريا مقابل عودة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد.
ولم يستبعد المراقبون أن يبدأ أردوغان حملة لطرد هؤلاء اللاجئين إلى شمال سوريا، حيث تتمركز المجموعات العسكرية الموالية لأنقرة، وذلك خلال الأشهر القادمة، أي قبل الانتخابات لمنع أن يتحولوا إلى ورقة انتخابية ضده وضد حزب العدالة والتنمية، وفي الوقت نفسه إظهار أنه جادّ في نية المصالحة مع الأسد، وتقديم التنازلات الضرورية من أجلها، ومن هذه التنازلات إعادة اللاجئين، والكثير منهم مطلوبون من النظام السوري.
وحذر المراقبون من أن انخراط السياسيين الأتراك في المزيد من السياسات القومية يعد مخاطرة بإثارة رد فعل عنيف من مجتمعات اللاجئين قد تنتج عنه احتجاجات واسعة النطاق وحتى أعمال شغب.
وتستضيف تركيا 3.8 مليون لاجئ، معظمهم من السوريين الذين فروا من النزاعات في بلادهم. ويعتبر وضعهم مثيرا للانقسام، حيث يريد بعض الأتراك استضافتهم على أسس إنسانية ودينية، بينما يعارض آخرون استخدامهم للموارد والمساكن والإنفاق الحكومي في بلد يعاني من اقتصاد متعثر.
كما يرى العديد من الأتراك ذوي الدخل المنخفض أنفسهم في منافسة مع اللاجئين على الوظائف والموارد.
ومن المرجح أن تحتد المشاعر القومية التركية بسبب الضغوط المزدوجة المتمثّلة في الاقتصاد المتعثر وتزايد اللاجئين المحتملين من مناطق الحرب في أفغانستان وسوريا.
ومع تنامي المشاعر المعادية للمهاجرين ستواجه تركيا ضغوطا متزايدة إما للتمييز ضد اللاجئين أو طردهم من البلاد، مما قد يجذب انتقادات من الدول التي تهتم بحقوق الإنسان ويثير احتجاجات من اللاجئين في تركيا.
◘ جماعة الإخوان المسلمين في سوريا دخلت على خط الأزمة، ووقفت ضد الإضراب واعتبرت أن الوقت غير ملائم
كما سيهدد توجيه اللاجئين إلى أوروبا اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة ويمكن أن يعزز المشاعر المعادية لتركيا على نطاق واسع في التكتل. وسيؤدي إرسال اللاجئين إلى إيران إلى مواجهة دبلوماسية محتملة مع طهران التي تعاني أزمة اقتصادية.
وسيواجه أردوغان انتخابات محتدمة العام المقبل، والتي ستتمثل ملفاتها الساخنة في طريقة إعادة البعض من اللاجئين السوريين في تركيا.
ولا يحمل السوريون في تركيا صفة لاجئ، ويقيمون تحت “الحماية المؤقتة” بصفة “ضيف” منحوا بموجبها بطاقات تُعْرف بينهم بـ”الكيملك”، وتحد من قدرتهم على العمل، وتمنعهم من التنقلات بين الولايات التركية، إلا بموجب إذن سفر لا يمنح لهم إلا بشروط وحالات خاصة.
وغياب الصفة القانونية المستقرة والأوراق الرسمية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى منع التنقل بحرية، يترك الكثير من السوريين عرضة لاستغلال أرباب العمل، ويدفعهم إلى القبول بأعمال دون الحصول على إذن عمل وتسجيل في الضمان الاجتماعي ما يعني عملهم بشكل مخالف وبأجور متدنية.
العرب