بعد المصافحة الأخيرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي على هامش افتتاح نهائيات كأس العالم في قطر، تأمل أنقرة في تطبيع علاقاتها مع القاهرة من أجل خلق مشاكل لجهود التعاون المصرية الاستراتيجية مع أثينا.
وبعد هذه المصافحة، وفقًا لما نشرته صحيفة “حريت” التركية الموالية للحكومة، تطمح تركيا أن تكون التحركات نحو تطبيع العلاقات بين البلدين “أكثر كثافة وسرعة”.
هناك اليوم ما يعرف بـ”خريطة الطريق” تركية للتطبيع مع مصر، التي يجب اتباعها بعد “المصافحة” التي “أذابت” الجليد بين الرجلين. وتشير صحيفة “جمهوريت” التركية إلى أنه في اللقاء القصير الذي جمع بين أردوغان والسيسي، بحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، أعرب الزعيمان عن عزمهما تطوير العلاقات بشكل دائم بين بلديهما.
وتشير الصحيفة إلى أن الخطوة التالية ستكون الاجتماع الرسمي لوزيري خارجية تركيا ومصر، مولود تشاووش أوغلو وسامح شكري على التوالي.
وقالت الصحيفة: “في الماضي، عقد جاويش أوغلو وشكري اجتماعات على هامش مؤتمرات دولية. ومع ذلك، لم يُعقد أي لقاء رسمي بينهما. والآن، من المتوقع عقد اجتماع رسمي على مستوى الوزراء”.
وستكون الخطوة التالية هي تبادل السفراء، حيث إن البلدين ممثلان اليوم على مستوى المفوضين في القاهرة وأنقرة. وسيسلم السفير التركي الجديد في العاصمة المصرية رسالة اعتماد من الرئيس أردوغان إلى الرئيس السيسي. وشددت الصحيفة على أنه “بهذه الخطوة، سيكون هناك تطبيع كامل بين البلدين”.
يبدو أن سياسة حكومة العدالة والتنمية الرامية إلى محاولة تبييض صفحتها أمام الدول التي أساءت إليها وتدخلت في شؤونها الداخلية وحرضت ضدها بكل أشكال التحريض، وفي مقدمتها مصر، قد وصلت إلى طريق مسدود. وهو ما دفع أردوغان إلى اللجوء إلى الوسيط القطري بعد أن يئس ولم يشهد لهاثا مصريا سريعا واستجابة فورية لرغباته في التطبيع. وما تزال الحكومة المصرية تضع في أجندتها شروطاً سيكون على أنقرة الالتزام بها حرفيًا على أمل أن يكون ذلك تصحيحًا لمسارها الخاطئ والضار بمصر.
يبدو أيضا أن وسائل الإعلام التركية بدأت تعزف على وتر الاقتصاد، حيث نشرت وكالة أنباء الاناضول تقرير مطولاً تحت عنوان: “تطبيع العلاقات التركية المصرية قد يخلق آفاقًا اقتصادية جديدة”، عرضت فيه مسيرة العلاقا بين البلدين والمشكلات التي شهدتها، ولكن في نفس الوقت محاولة استمالة مصر بواسطة الاقتصاد.
من المعروف أن العلاقات التركية المصرية شهدت تراجعا ملحوظا بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في تموز (يوليو) 2013، وكان للتوتر بين البلدين في المجال السياسي تأثير سلبي على العلاقات الاقتصادية.
وستكون زيادة التجارة بين البلدين هدفًا آخر لتطبيع العلاقات الثنائية. وتشير التقديرات إلى أن الاستثمارات التركية في مصر توظف حاليًا 60 ألف شخص.
وبعد تطبيع العلاقات بينهما، تعتزم تركيا ومصر -دائمًا وفقًا لـ”حريت”- توقيع اتفاقية للطاقة، كانت قد تمت دراستها بدقة في الماضي.
وكتبت الصحيفة أن “المسؤولين يشيرون إلى أنه إذا تم توقيع هذه الاتفاقية بشأن الاختصاصات البحرية، فإن موقف اليونان في شرق البحر المتوسط سوف يضعف”.
على الرغم من وجود العديد من المشاكل، مثل الحواجز الجمركية واللوائح البيروقراطية، والإجراءات الطويلة للحصول على تأشيرة دخول بين تركيا ومصر في السنوات السبع الماضية، إلا أن عجلة العلاقات الاقتصادية لم تتوقف عن الدوران بين البلدين.
وفي هذا الصدد قال وزير التجارة التركي، محمد موش، أن بلاده تريد تحسين علاقاتها الاقتصادية مع مصر، وذلك في الوقت الذي تعمل فيه على إصلاح العلاقات الدبلوماسية بين القوتين الإقليميتين.
وظلت العلاقات بين أنقرة والقاهرة متوترة منذ 2013 حين أطاح الجيش المصري بالرئيس الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والذي كان مقربا من تركيا في ما وصفته أنقرة بأنه انقلاب عسكري. لكن تركيا عكفت في الآونة الاخيرة على تحسين العلاقات مع مصر ودول عربية خليجية.
وبحسب بيانات معهد الإحصاء ووزارة التجارة التركيين، فقد بلغ حجم الصادرات التركية إلى مصر 21.9 مليار دولار بين العامين 2014-2020، بينما بلغت الواردات من مصر 12.1 مليار دولار في نفس الفترة.
وبالنظر إلى فترة السبع سنوات المذكورة، يتبين أن تركيا التي تصدر ما قيمته 3 مليارات دولار سنويًا إلى مصر، حرصت على المحافظة على علاقاتها الاقتصادية مع القاهرة.
كما أن منتجات الحديد والصلب والسيارات والبلاستيك والمنتجات والزيوت البترولية شكلت سمة الصادرات التركية إلى مصر خلال الفترة المذكورة.
ومن ناحية أخرى، يعتبر البلاستيك ومنتجاته ومنتجات الصناعات الكيماوية ومشغولات الذهب والنسيج من أهم المنتجات المستوردة من مصر.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن أنقرة، في إطار سعيها المحموم لتطبيع علاقتها مع مصر، ترى أن من شأن التقارب المصري التركي أن يفتح آفاقا وفرصا جديدة من التعاون في العديد من المجالات والقطاعات، بالتزامن مع تواصل أعمال التنقيب عن احتياطيات الغاز في شرق المتوسط.
وتقوم مصر، التي تمكنت من بناء محطات للطاقة المتجددة والغاز الطبيعي، ببناء محطة للطاقة النووية في مدينة الضبعة على ساحل المتوسط.
كما تعمل على تعزيز أواصر التعاون في مجال تنفيذ مشاريع خطوط النقل مع الدول المجاورة، في الوقت الذي ترغب فيه تركيا بزيادة مبادراتها ومشاريعها المشتركة مع مصر في مجال الطاقة بعد تطبيع العلاقات الثنائية.
في المقابل، تراقب مصر عن كثب مصداقية المواقف السياسية التركية والكف عن التدخل في شؤونها الداخلية والتوقف عن الاستثمار في ورقة جماعة الاخوان المسلمين الذين تدعمهم أنقرة، وحل المشكلات في شرق المتوسط وليبيا، وكلها ملفات ثقيلة يجب على إثبات حسن النية بشأنها والقيام بخطوات عملية ملموسة ربما تسمح للقاهرة باستعادة بعض الثقة في الحكومة التركية وسياساتها.
احوال تركية