بعد ما يقارب ثلاثة أشهر على اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الملالي في طهران يجهد قادة هذا النظام في تقديم روايتهم البديلة إنكاراً للحقيقة وتبريراً لاستمرار القمع الذي أودى بحياة نحو 400 مواطن، وأسفر عن اعتقال حوالى 30 ألف آخرين، يتعرضون للاضطهاد وبعضهم أعدم أو مهدد بالإعدام.
لم تغير الانتفاضة في نمط تفكير القيادة التي تستمر في وصف المنتفضين بالمشاغبين والعملاء و”الطابور الخامس“، بل استعانت بمن يسمون “إصلاحيين” في محاولة لاحتواء المعترضين، لكن الإصلاحيين اعترفوا أن الانتفاضة تتخطاهم وتستهدفهم أيضاً، ولم يعد الصراع بين محافظين وإصلاحيين، فثوار الشوارع والأقاليم سبقوا هؤلاء جميعاً ليقدموا نموذجاً مختلفاً عن انتفاضات سابقة كانت تستعمل في صراعات أهل السلطة وتحت عباءة المرشد.
يتفق كثيرون داخل إيران وخارجها، أن الاحتجاجات الجارية قد لا تهدد النظام في المدى القريب، لكن عدم تقديم المسؤولين أية بدائل سيزيد في الشرخ بين غالبية شعبية من أجيال ولدت بعد استيلاء الخميني على السلطة، ويزداد استياؤها من النظام الديني القمعي ونتائجه السياسية والاقتصادية، وبين أقلية دينية عسكرية أمنية متماسكة لن تتخلى بسهولة عن امتيازاتها.
في اعتقاد المراقبين، وبينهم كتاب في صحف إيرانية، فإن طهران دخلت منذ منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي في حالة اضطراب سياسي طويلة الأمد سيكون صعباً معها إعادة فرض الهدوء بالقوة المجردة، ومن نتائج هذا الاضطراب تعمق الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية وهبوط القدرة الشرائية والتضخم، غير أن الشيء الأهم الذي يرصده المراقبون هو اتساع الهوة بين نخبة عقائدية مذهبية وأكثرية لم تعد ترى في التشدد المذهبي جزءاً من أسلوبها في الحياة.
يعرف مسؤولو النظام أن وصول مشاعر الجمهور إلى هذا الحد يشكل خطراً جدياً على نظامهم وعلى وجود إيران نفسها كدولة موحدة، ذلك أن تراجع التدين المذهبي يعني في رؤية النظام تراجعاً للهوية الدينية الجامعة (المذهب الشيعي)، بالتالي تراجع الهوية الوطنية المفروضة التي لا تأخذ في الاعتبار التنوع الإثني والقومي لشعوب بلاد فارس، وهو ما تنبه إليه علي أكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي في مقالة نشرتها وكالة “تسنيم” الرسمية، ذكر فيها بالشاه إسماعيل وكيف جعل المذهب ركن توحيد لإيران المعاصرة، داعياً إلى عدم نسيان هذه الواقعة في مواجهة التحولات والتحديات الطارئة، مقالة ولايتي حملت هروباً من الواقع، فهو كما سائر من ينطق باسمهم يستشعر أخطاراً، لكنه وغيره لا يقرون بالخطأ وبحجم مسؤوليتهم عنه.
فإلى القمع الداخلي يثيرون مشكلات قد تقود إلى تهديد وحدة بلادهم ما ينعكس في تداعيات كبرى مع المحيط الإقليمي.
أدى القمع في بلوشستان والأهواز إلى إحياء المشاعر الانفصالية، وإثارة مزيد من التوتر مع الجيران العرب والباكستانيين والأفغان، وندفع قادة النظام الأمني الإيراني إلى توجيه تهديدات مباشرة ضد دول الخليج العربي، وفي الشمال زادوا في توتر العلاقات مع أذربيجان ومن خلفها تركيا على خلفية قمع المنتفضين الأذريين، ونظم الحرس الثوري مناورات ضخمة على الحدود الأذرية، فيما كانت صواريخه تقصف مناطق الأكراد في العراق رداً على إسهام كرد إيران في انتفاضة الشعب الإيراني.
اندبندت عربي