عملت عدة دول بسرعة على فرض عقوبات جديدة على إيران رداً على قمع النظام للاحتجاجات السلمية، لكن يتعيّن عليها بذل المزيد من الجهود لتنسيق هذه الإجراءات وتوسيعها.
في أقل من ثلاثة أشهر، فرضت الجهات الفاعلة الغربية الرئيسية عقوبات على 113 فرداً و17 كياناً في إيران على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان في تلك البلاد، مع 7 دفعات من التصنيفات الصادرة عن كندا، و 5 من الولايات المتحدة، و 3 من بريطانيا، و 2 من قبل “الاتحاد الأوروبي”. وكان سرعة هذه الإجراءات ونطاقها جديران بالملاحظة، ولا سيما بالمقارنة مع رد الغرب الضعيف نسبياً لجولة الاحتجاجات الخطيرة السابقة التي شهدتها الجمهورية الإسلامية عام 2019. ولكن عند التمعّن بالقوائم، تظهر تناقضات كبيرة بين هوية الأفراد والكيانات الذين فُرضت عليهم عقوبات وما هي هذه العقوبات.
تحديد أهداف واقعية
عموماً، هدفت عقوبات حقوق الإنسان المفروضة على إيران إلى تجميد أصول الجهات المنخرطة فيها. لكن رهناً بالدولة المعنية والصلاحيات المستخدمة، قد يتم أيضاً فرض حظر السفر، إلى جانب تقييد الأطراف الثالثة من التعامل مع الجهات الخاضعة للعقوبات.
وتختلف هذه الإجراءات عن الأدوات الأكثر تأثيراً مثل العقوبات الأمريكية التي تستهدف قطاعي النفط والمصارف في إيران. ولا يترتب على العقوبات المفروضة على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان عموماً تداعيات على صعيد الاقتصاد الكلي، وفي الكثير من الحالات لا تكتسي أهمية كبيرة من الناحية العملية – خاصةً عندما لا يمتلك الأفراد المستهدفون أصولاً خارج إيران ولا يسافرون إلى الدولة التي تفرض عقوبات عليهم. ففي تشرين الأول/أكتوبر، على سبيل المثال، وبعد أن فرض “الاتحاد الأوروبي” وبريطانيا عقوبات على رئيس “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” الإيرانية، محمد باقري، على خلفية بيع طائرات مسيرة إلى روسيا، ردّ ساخراً واقترح على الحكومات الأوروبية استخدام أصوله “لشراء الفحم” قبل “فصل الشتاء القاسي المتوقع”. ومن هذا المنطلق، غالباً ما يسافر المسؤولون الإيرانيون السابقون إلى الخارج، وبالتالي قد يكون فرض قيود على الهجرة مجدياً إلى حدّ ما.
وعلى نطاق أوسع، تُعد عقوبات حقوق الإنسان وسيلة لإظهار الدعم للمحتجين من خلال “تسمية الجناة وفضحهم”، وإنشاء سجل عام موثوقبالاتهامات الموجهة ضدهم، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي قد تفضل طهران إخفاءها. وبهذا المعنى، ربما تكون البيانات الصحفية التي تعلن عن فرض عقوبات بنفس القدر من الأهمية كالعقوبات بحد ذاتها.
وقد تساهم العقوبات أيضاً في تغيير سلوك أي من عناصر الأمن الإيرانيين الذين قد يكونون حذرين من التعرض للانتقاد بسبب أفعالهم. وقد فرض “الاتحاد الأوروبي” أساساً عقوبات على عدد من صغار عناصر الأمن، بمن فيهم الضباط الذين تورطوا في اعتقال مهسا أميني، الشابة التي أشعل وفاتها فتيل الانتفاضة. وتُظهر هذه المقاربة إمكانية رصد الضباط ومعاقبتهم بسبب ارتكابهم انتهاكات معينة كانوا يعتقدون أنها ستبقى مجهولة المصدر. ولكن يقيناً لا توجد مؤشرات على أن مثل هذه العقوبات كان لها أي تأثير على حسابات قوات الأمن أو سلوكها بشكل واضح.
العقوبات حتى الآن
إن أغلبية المسؤولين الإيرانيين الذين فُرضت عليهم عقوبات منذ أيلول/سبتمبر هم قادة في الأجهزة الأمنية مثل «الحرس الثوري الإسلامي»، وميليشيا “الباسيج”، و”قوة إنفاذ القانون”، و”دوريات الإرشاد”(أي شرطة الآداب)، وشرطة الجرائم السيبرانية، ومؤسسة السجون. وقد أعلنت كندا أيضاً أنها ستمنع “عشرات الآلاف” من كبار المسؤولين في النظام من دخول حدودها، على الرغم من أنها قاومت الضغوط لتصنيف «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية بموجب القانون الجنائي للبلاد.
وسرعان ما تحركت واشنطن وبروكسل ولندن وأوتاوا لتطبيق هذه الإجراءات ونسقت خطواتها على المستوى الاستراتيجي. فقد فرضت جميع هذه الدول عقوبات على شرطة الآداب ومديرها وقائد فرع طهران فضلاً عن قائد “قوة إنفاذ القانون” في منطقة العاصمة. فضلاً عن ذلك، استهدفت العقوبات وزير الداخلية أحمد وحيدي ووزير الاتصالات عيسى زارع بور. ومع ذلك، لا تزال هناك الكثير من الثغرات التي لا تزال تشوب أفعالها حتى كتابة هذه السطور:
- فرض “الاتحاد الأوروبي” عقوبات على خمسة عشر من كبار قادة “قوة إنفاذ القانون” في المحافظات وتسعة من قادة المقاطعات في «الحرس الثوري» وقوات “الباسيج”، لكن بريطانيا استثنت خمسة من هؤلاء الأفراد، بينما فرضت كندا عقوبات على ستة منهم فقط والولايات المتحدة على ثلاثة فقط.
- فرضت واشنطن عقوبات على سبعة من قادة السجون وستةمسؤولين وصحفيين تابعين لـ “إذاعة جمهورية إيران الإسلامية”، بينما فرضت كندا عقوبات على سبعة من هؤلاء الأفراد، في حين لم يفرض “الاتحاد الأوروبي” وبريطانيا عقوبات على أي منهم.
- فرضت الولايات المتحدة وكندا عقوبات على وزير المخابرات والأمن القومي إسماعيل الخطيب بينما لم يفعل ذلك “الاتحاد الأوروبي” وبريطانيا.
- فرض”الاتحاد الأوروبي” والولايات المتحدة وكندا بأجمعهم عقوبات على “الباسيج” و”قوة إنفاذ القانون” و “قيادة الدفاع السيبراني” التابعة لـ «الحرس الثوري»، في حين امتنعت بريطانيا عن ذلك.
ولا يمكن تلافي مثل هذه التناقضات في بعض الأحيان نظراً لاختلاف أولويات الإنفاذ والعمليات الإدارية والمعايير الاستدلالية. ومع ذلك، من شأن مواءمة قوائم العقوبات أن تساعد الحلفاء في الغرب على تشكيل جبهة موحدة ومنع الجهات الفاعلة السيئة من استغلال أي اختلافات فنية بينها. على الحكومات سدّ هذه الثغرات خلال الجولات المقبلة من التصنيفات.
مقارنة مع الرد عام 2019
إن العقوبات الحالية التي يفرضها الغرب أكثر اتساقاً وتنسيقاً بكثير من ردّه على الاحتجاجات الشعبية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، والتي دامت أقل من أسبوع ولكنها قوبلت بأعمال عنف فاقت بحدتها ما يواجهه حراك اليوم (على سبيل المثال، قُتل ما يصل إلى 1500 مدني، وفقاً لبعض التقارير). وفرضت الولايات المتحدة عدة جولات من العقوبات خلال تلك الأحداث وبعدها، ولكنها مع ذلك أقلّ مما تفرضه في الوقت الحالي. وعلى وجه التحديد، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية ثلاث دفعات استهدفت وزير الاتصالات، وقاضيين من “محكمة الثورة”، وثمانية من كبار المسؤولين في النظام، في حين صنّفت وزارة الخارجية سجنين إيرانيين وعميد في “الحرس الثوري” فضلاً عن توسيع القيود على الهجرة. وفي ذلك الوقت، ربما كانت واشنطن أكثر تركيزاً على فرض “أقصى قدر من الضغط” من خلال فرض عقوبات واسعة النطاق على الاقتصاد الإيراني أكثر من تحديدها تصنيفات تتعلق بحقوق الإنسان.
وكان الاختلاف الآخر اللافت للنظر هو غياب التنسيق مع أوروبا. ففي عام 2019 اندلعت احتجاجات في وقت شهدت فيه السياسة تجاه إيران توترات شديدة عابرة للأطلسي. وفي ذلك الحين، عارضت الحكومات الأوروبية بشدة انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 وحاولت جاهدة عكس هذه الخطوة، سواء من خلال إنشاء آلية مالية خاصة لتجاوز العقوبات الأمريكية أو من خلال تقديم الدعم السياسي لطهران. وعندما مارس النظام القمع ضد المتظاهرين في عام 2019، ربما شعرت بروكسل بأنها مضطرة للنأي بنفسها بصورة أكثر عن سياسة ترامب وتجنّب مضايقة طهران. ولم يفرض “الاتحاد الأوروبي” عقوبات رداً على أعمال العنف حتى نيسان/أبريل 2021 بغض النظر عن حساباته، في حين لم تفرض كندا أي عقوبات على الإطلاق. واليوم، أصبح الحلفاء أكثر انسجاماً – ليس فقط في الاحتجاجات، بل أيضاً بشأن مقاربتهم الأوسع نطاقاً تجاه الملف النووي، ودعم طهران لحرب روسيا في أوكرانيا، وقضايا أخرى.
والاختلاف الملحوظ الآخر هو الوقت – فقد انتهت احتجاجات 2019 بسرعة، لكن الحركة الاحتجاجية الحالية استمرت لما يقرب من ثلاثة أشهر، مما أعطى الحكومات الغربية فرصة أكبر للرد. وفي الواقع، في المواقف التي يستمر فيها السلوك المسيء، قد يعتقد صانعو السياسات أن التحرك بسرعة بشأن العقوبات يمكن أن يلعب دوراً في تشكيل النتائج.
التوصيات
من أجل مواصلة الضغوط وإبقاء الأنظار مصوبة نحو انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام الإيراني، على الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا و”الاتحاد الأوروبي” الاستمرار في فرض عقوبات ومواءمة قوائمها قدر الإمكان. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تستوجب بعض التغييرات الثقافية والإدارية، إلا أن هناك قيمة رمزية لتوحيد الموقف.
كما يتعين على العواصم الغربية النظر في توسيع رقعة تجميد الأصول وحظر السفر لأفراد عائلات الأفراد الخاضعين للعقوبات. وتسمح بعض الأوامر التنفيذية الأمريكية باستهداف زوجات أو الأبناء الراشدين لهؤلاء الأفراد، في وقت تتمتع فيه وزارة الخارجية الأمريكية بصلاحية فرض قيود على الهجرة على أفراد العائلة المباشرين بموجب “قانون الهجرة والجنسية”. على سبيل المثال، استخدمت واشنطن في الآونة الأخيرة أداة الهجرة هذه للضغط على قائد شرطة محافظة أصفهان، في حين تمّ استهداف أفراد عائلة أشخاص آخرين بموجب أدوات أمريكية مختلفة أو أنها حذرت من إمكانية اللجوء إليها في عدة مناسبات خلال السنوات القليلة الماضية (على سبيل المثال، فيما يتعلق بـ بورما و السودان و سورياو روسيا، وبشكل بارز بـ بنات الرئيس فلاديمير بوتين).
كذلك، على الغرب أن يكون أكثر إبداعاً في تصميم شرائح العقوبات. ويتمثل أحد الخيارات في استهداف قادة الأمن الإيرانيين من المرتبة الأدنى بالتوازي مع عناصر أخرى من الجهاز القمعي للنظام، مثلالمسؤولين القضائيين الذين يتحملون مسؤولية محاكمة المتظاهرين وإصدار الأحكام بحقهم وإعدامهم. وقد تكون العقوبات التي فرضتها بريطانيا في التاسع من كانون الأول/ديسمبر على قضاة ومدع عام من “محكمة الثورة” خير دليل في هذا الصدد. وقد يكون حظر السفر أيضاً أكثر تأثيراً إذا استخدمت الحكومات بيانات السفر الدولية لتحديد الجناة الإيرانيين الذين سبق لهم أن زاروا أوروبا أو الولايات المتحدة أو كندا، حيث قد تكون لديهم خطط لتكرار الزيارة في المستقبل.
وأخيراً، على واشنطن وشركائها النظر في استخدام العقوبات بشكل رادع. وفي حين لم يطلق النظام حتى الآن كامل العنان لقوات «الحرس الثوري الإسلامي» لمواجهة المحتجين، لا يزال أمام الغرب الوقت لمحاولة تحذير طهران بالابتعاد حتى عن المزيد من إراقة الدماء. على سبيل المثال، يمكن للحكومات إعداد ونشر قوائم بضباط «الحرس الثوري»الذين قد يكونون متورطين في أعمال قمعية أوسع نطاقاً، والتهديد بفرض عقوبات شخصية عليهم إذا استمرت هذه الأعمال. وقد يكون تشجيع الانشقاقات أو حتى مجرد نشر التردد في صفوف قوات الأمن الإيرانية مهمة شاقة، ولكن على الغرب النظر على الأقل في هذا الاحتمال.
هنري روم
معهد واشنطن