يرى المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” جدعون رتشمان أن نهاية الحرب الروسية في أوكرانيا لن تنتهي بتسوية سلمية ولكن عبر هدنة.
وقال إن النهاية ستشبه نهاية الحرب الكورية في الخمسينات من القرن الماضي، التي أوقف فيها القتال عبر هدنة لكن الطرفين في شبة الجزيرة الكورية لا يزالان في حالة حرب. وبدأ بالقول إن المحافظين يتعاملون مع أي أزمة في السياسة الخارجية على أنها “ميونيخ”(عندما وقعت فرنسا وبريطانيا اتفاقا مع هتلر سمح له باحتلال اراضي دول أوروبية ومنع الحرب لوقت)، أما جانب اليسار فيتحدث عن فيتنام. وحرب روسيا في أوكرانيا لا تشبه هذه ولا تلك. ومع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامها الثاني، فالمقارنة البعيدة والي لا تستحضر عادة هي كوريا. ونقطة التشابه أو المقارنة هي أن الحرب الكورية لم تنته بشكل رسمي، وتوقفت فيها الحرب عام 1953 من خلال اتفاقية هدنة وبدون توقيع اتفاقية سلام رسمية بين الطرفين. وحل محل القتال نزاع مجمد أو قل اتفاق وقف إطلاق نار طويل مضى عليه عدة عقود.
نقطة التشابه أو المقارنة هي أن الحرب الكورية لم تنته بشكل رسمي، وتوقفت فيها الحرب عام 1953 من خلال اتفاقية هدنة وبدون توقيع اتفاقية سلام رسمية بين الطرفين
ويرى أن الأمل بتوقيع هدنة قد تقود إلى وقف الأعمال العدائية في أوكرانيا يقوم على 3 أفكار.
الأولى: لا أوكرانيا أو روسيا في وضع لتحقيق النصر النهائي. الثانية: فمواقف البلدين بعيدة جدا لكي تكون كافية لتوقيع اتفاقية سلام. الثالثة: كلا البلدين يعاني من خسائر حادة قد تجعل من وقف إطلاق النار أمرا جذابا.
صحيح أن روسيا لا تزال تتحدث عن لغة النصر، ويقرن الرئيس فلاديمير بوتين نفسه ببيتر العظيم، القيصر الروسي الذي انتصر في الحرب العظمى الشمالية بعد قتاله السويديين لمدة 21 عاما. إلا أن الواقع يقول أن بوتين فشل في أوكرانيا. فقد انسحبت قواته من كييف وخاركيف وخيرسون. وأدت دعوته للتعبئة الجزئية لفرار الرجال الروس من البلد وفشلت في عكس مسار الحرب. وقتل وجرح حوالي 100.000 جندي إلى جانب مقتل المزيد يوميا في حرب الخنادق.
ويعتقد الكاتب أن عدم قدرة بوتين على الاعتراف بحجم الكارثة التي تسبب بها على بلده وجرائم الحرب التي ارتكبت هي المعوق الرئيسي للسلام. وربما تم فهم قرار روسيا على خفض الحرب باعتباره تغييرا في الأساليب وليس اعترافا بالهزيمة الكاملة.
إمكانية لو تم إخراج الإنسحاب الروسي أو الإعتراف بعدم القدرة على النصر من خلال تعديل التكتيكات. وهو ما حدث عندما انسحبت روسيا من خيرسون، حيث أبعد بوتين نفسه عن إعلانه وتركه للعسكريين ووزير الدفاع. ويرى سير لورنس فريدمان، في كتابه الأخير “قيادة: سياسة العمليات العسكرية من كوريا إلى أوكرانيا” أن “التفاوض العسكري – العسكري هو حول فك الإرتباط”، وفي الوقت الذي يؤكد فيه فريدمان على الفروق الأساسية بين كوريا وأوكرانيا. ويرى أن الهدنة الكورية هي عن إمكانية “وقف القتال” من خلال فصل القوات بدون تسوية سلمية شاملة. وعلى العكس فسيجد بوتين صعوبة في الإعلان عن وقف الحرب بدون أن يكون لديه مزاعم في انتصارات مناطقية أو سياسية.
وربما سيكون قادرا على وقف القتال والذي سيقدمه بأنه رد على نصيحة عسكرية أو إشارة عن حسن نية. ولكن لماذا على الأوكرانيين قبول هذا؟ فالدافع الأخلاقي لمواصلة القتال لديهم قوي، كما أن زخم الحرب معهم. ووعد الرئيس فولدومير زيلنسكي باستعادة كل شبر خسرته بلاده بمن فيها القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.
وبعد المجازر التي ارتكبها الروس في أوكرانيا تبدو علاقات “طبيعية” مع نظام لم يتغير غير مقبولة. وهناك خوف آخر نابع من استخدام روسيا وقف إطلاق النار وإعادة تسليح قواتها قبل أن تعاود الهجوم. ومع ذلك هناك اعتبارات من الصعب على أوكرانيا التعبير عنها وتجعل من خيار الهدنة الكورية الطويلة جذابا. فمثل الروس، تكبد الأوكرانيون خسائر فادحة، ويعانون من التكتيك الوحشي والفعال الذي تمارسه روسيا ضد البنى التحتية الأوكرانية.
روسيا لا تزال تتحدث بلغة النصر، ويقرن ابوتين نفسه ببيتر العظيم، القيصر الروسي الذي انتصر في الحرب بعد قتاله السويديين لمدة 21 عاما. إلا أن الواقع يقول أن بوتين فشل في أوكرانيا
ومن خلال جعل الشتاء رهيبا بدون ماء أو كهرباء فلا عودة قريبة للاجئين إلى بلادهم. وبدلا من ذلك، فهناك موجة جديدة من اللاجئين في طور التشكل، ومع طول أمد المنفى من أشهر لسنوات، فمن غير المحتمل عودة اللاجئين الأوكرانيين إلى بلادهم أبدا.
وفي أحاديثهم الخاصة يعترف الأوكرانيون أن استعادة القرم تحتاج لمعركة شرسة، في منطقة هناك الكثير من الضباط المتقاعدين الذين لا يزال ولاءهم لروسيا. وعليه فلدى الروس الكثير من الحوافز لتجميد النزاع بدون التخلي عن الأهداف السياسية. والمشكلة هي أنهم لا يثقون بنوايا روسيا. إلا أن حقيقة معرفة حلفاء أوكرانيا في الغرب بطبيعة بوتين، تعني أن ما بعد وقف إطلاق النار لن يترك للمستقبل، فسيقدمون الدعم العسكري والضمانات الأمنية بشكل يحول أوكرانيا إلى “نيص” قوي تتردد روسيا بالهجوم عليه.
وسيسمح وقف إطلاق النار للمتعاطفين مع البلد لتقديم المعونات والمساعدة في إعادة بناء البلد. ودمرت كوريا الجنوبية بشكل كامل بعد الحرب ولكنها اليوم مزدهرة ودولة متقدمة. وبالمقارنة فستواجه روسيا التي سيظل بوتين قائدها وترفض الاعتراف بجرائمها عرض للعزلة الدولية وزيادة الفقر.
القدس العربي