بيروت – سلط بحث جديد أجرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” الضوء على المستويات المقلقة للفقر وانعدام الأمن الغذائي في لبنان بسبب تراجع النشاط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي وارتفاع تكاليف المعيشة، معتبرا أن استجابة السلطات اللبنانية لا تضمن حق كل فرد في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في الغذاء.
وقالت المنظمة في تقرير صادر الاثنين “إن أغلب الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية محتدمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر”.
ورأت المنظمة أنه ينبغي على الحكومة اللبنانية والبنك الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوًى معيشيا لائقا للجميع.
ويتطلب الضمان الاجتماعي على النحو المنصوص عليه في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102 لعام 1952 من الدول الأعضاء توفير الرعاية الطبية وإعانات المرض وإعانات البطالة وإعانات الشيخوخة وإعانات إصابات العمل وإعانات الأسرة وإعانات الأمومة وإعانات الورثة للعمال وأسرهم وإعانات أخرى.
ونظام الحماية الاجتماعية في لبنان هو نموذج مزدوج يوفر التأمين الاجتماعي للميسورين والمساعدة الاجتماعية لمن يعيشون في فقر مدقع، ويستبعد نسبة كبيرة ممن يعيشون على دخل متوسط أو منخفض.
وتقول هيومن رايتس ووتش إن الحماية الاجتماعية الشاملة التي تؤمّن الحق في الضمان الاجتماعي لكل فرد في لبنان يمكن أن تساعد على تخفيف الصدمات الاقتصادية وضمان مستوى معيشي لائق، بما يشمل أوقات الأزمات. لكن نظام الحماية الاجتماعية في لبنان مجزّأ للغاية، ما يترك معظم العمال غير الرسميين والمسنين والأطفال دون أي حماية، ويعزز انعدام المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
وقالت لينا سيميت، باحثة أولى في العدالة الاقتصادية ضمن منظمة هيومن رايتس ووتش، “دُفع بالملايين من الأشخاص في لبنان إلى براثن الفقر واضطروا إلى تقليص كميات طعامهم. بعد ثلاث سنوات من الأزمة الاقتصادية، لم تتخذ الحكومة تدابير كافية، فنظام الدعم الحالي يصل إلى نسبة صغيرة للغاية من ذوي الدخل المحدود، تاركا الغالبية دون أي حماية”.
تغطية برامج المساعدة الاجتماعية الحالية الممولة جزئيا من البنك الدولي لا تزال ضئيلة وتستهدف بشكل ضيق للغاية الأسر التي تعيش في فقر مدقع
ولا تزال تغطية برامج المساعدة الاجتماعية الحالية الممولة جزئيا من البنك الدولي -وفق تقرير المنظمة- ضئيلة وتستهدف بشكل ضيق للغاية الأسر التي تعيش في فقر مدقع، ما يترك شرائح كبيرة من السكان غير المؤهلين معرضين للجوع، وعاجزين عن الحصول على الأدوية، ويخضعون لأنواع أخرى من الحرمان تقوض حقوقهم مثل الحق في الغذاء والصحة. ولم تعتمد الحكومة إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية تضمن الحق في الضمان الاجتماعي للجميع.
وأدى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية والارتفاع الهائل في معدلات التضخم ورفع الدعم عن الأدوية والوقود إلى زيادة الصعوبة التي يواجهها الكثير من الناس في سعيهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وضِمْن بلد فيه إحدى أعلى نِسب التفاوت في الدخل والثروة في المنطقة، تقول منظمة الأمم المتحدة “إن الأزمة الاقتصادية وسّعت الفجوة، حيث اختفت مدخرات الأسر ذات الدخلين المتوسط والمحدود، وشحّت فرص الارتقاء”.
ويبلغ عدد سكان لبنان حوالي 6.7 مليون نسمة. وقدّرت الأمم المتحدة في أواخر عام 2021 أن نحو نصفهم، أي قرابة 3.28 مليون شخص، دُفعوا إلى حافة الفقر منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019. وازداد الوضع سوءا بالنسبة إلى الآخرين الذين كانوا أصلا يعانون في سعيهم لتأمين حقوقهم الاقتصادية الأساسية.
وسلطت نتائج المسح، الذي أجرته المنظمة على 1209 أسرة لبنانية، الضوء على خطورة الوضع وتشير إلى أن نظام الحماية الاجتماعية الحالي عاجز عن مواجهة الأزمة بالنسبة إلى الكثير من الناس. وقالت قرابة 70 في المئة من الأسر إنها واجهت صعوبة في تغطية نفقاتها أو تأخرت عن دفع النفقات الأساسية في العام السابق.
وكشف الاستطلاع أن الحق في الغذاء يتعرض لتهديد شديد في لبنان في مختلف شرائح المجتمع، حيث تقول الأسر إن نقص الأموال أو الموارد الأخرى كان السبب الرئيسي في تفويت الوجبات أو نفاد الطعام.
ومع ذلك، فإن أقل من 5 في المئة من الأسر في لبنان تلقت أحد أشكال المساعدة الحكومية. وكانت الأسر التي تضم شخصا من ذوي الإعاقة، والأسر التي تعيلها نساء، والأسر ذات الدخل المحدود أكثر عرضة للمعاناة في تغطية نفقاتها.
ورأت المنظمة أن شدة الأزمة الاقتصادية الحالية تؤكد الحاجة الماسة إلى نظام حماية اجتماعية شامل وقائم على الحقوق ولا يترك أحدا، ويلبي حق كل فرد لبناني في مستوى معيشي لائق وفي الضمان الاجتماعي الذي يفي بهذا الحق.
ودعت الجهات المانحة والحكومة إلى إدراك المعاناة المنتشرة وإنشاء نظام يضمن توفير الضمانات الاجتماعية الأساسية، مثل إعانات الأطفال وذوي الإعاقة والعاطلين عن العمل والمسنين، حيث تتحمل الدولة مسؤولية ضمان حصول الجميع على الغذاء والدخل بشكل آمن.
وقالت إنه يمكن للحكومة حشد الموارد المحلية لتوسيع التغطية والوصول تدريجيا إلى الحماية الاجتماعية الشاملة. على سبيل المثال، قدّرت الأمم المتحدة في 2020 أن فرض ضرائب على شريحة الـ10 في المئة الأعلى دخلا بمعدل 0.9 في المئة من شأنه أن يخفف حدة الفقر المدقع على النحو المحدد في خط الفقر المدقع، في حين أن فرض الضريبة بمعدل 3.6 في المئة سيخفف حدة الفقر المعتدل الذي يقاس بقوة شرائية تبلغ 14 دولار أميركي في اليوم، وهي منهجية تحوّل العملات إلى وحدة مشتركة يمكن مقارنتها في بلدان مختلفة.
وأشارت أبحاث أجرتها الأمم المتحدة إلى أن الوضع لم يتحسن منذ أن أنهت هيومن رايتس ووتش المسح في يناير 2022. ووجد مسح أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في يونيو أن ما يصل إلى 70 في المئة من الأسر تقترض المال لشراء الطعام أو تشتريه بالدين. وقالت إنه يتم إرسال المزيد من الأطفال إلى العمل لإعالة أسرهم، ويتم تزويج الفتيات الصغيرات للحدّ من النفقات المالية.
العرب