سجلت العاصمة العراقية بغداد خلال الشهرين الماضيين زيارات متكررة لسفراء وبعثات دبلوماسية غربية مختلفة إلى مكاتب ومقرات القوى السياسية، أبرزها قوى “الإطار التنسيقي”، الائتلاف الحاكم في البلاد، ركزت أغلبها على تشكيل الحكومة الجديدة وضرورة دعم برنامج مكافحة الفساد وحقوق الإنسان.
وتصدرت البعثات الدبلوماسية الأوروبية المختلفة هذا الحراك إلى جانب السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي، وتصدر عقب تلك اللقاءات ببيانات رسمية عادة ما تكون من خلال الحزب أو الكتلة السياسية، وتأخذ بالمجمل قالباً مشابهاً مثل: “بحث تقوية العلاقات، والحرب على الإرهاب، ومكافحة الفساد، وتعزيز الديمقراطية في العراق”.
وبدا لافتاً إلى أن جزءاً من هذا الحراك الدبلوماسي في بغداد شمل أجنحة سياسية تابعة لمليشيات مسلحة حليفة لطهران، أبرزها منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري.
نائب عراقي: تتحفّظ أوساط دولية على فقرات من بعض القوانين
وعن هذه اللقاءات، تحدث نائب عراقي في لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، لـ”العربي الجديد”، مشيراً إلى أنها تمحورت حول “إيصال رسائل أكثر من كونها دعم للعملية السياسية الحالية”.
وأضاف طالباً عدم ذكر اسمه، أن “وجود التيار الصدري خارج العملية السياسية وتهميش القوى المدنية الفائزة بالانتخابات (التشريعية التي أُجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) ومحاصرة أي دور لها، فضلاً عن قوانين حرية التعبير وجرائم المعلوماتية، التي بدأ البرلمان بقراءاتها للتصويت عليها، تواجه تحفظاً واسعاً من قبل الشارع وكذلك أوساط دولية، لوجود فقرات فيها تشبه فقرات نظام حزب البعث السابق أو أشد”.
زيارات السفراء الغربيين للقوى العراقية
ولفت النائب إلى أن “واشنطن ودولاً غربية مؤثرة تتعامل مع حكومة (محمد شياع) السوداني من خلال أفعالها، وحتى الآن هناك قلق في منح فصائل مسلحة أدواراً في أجهزة أمنية ووزارات مهمة، وإبعاد آخرين، إلى جانب انتقائية في فتح الحكومة ملفات الفساد”.
من جهته، قال النائب المستقل في البرلمان هادي السلامي، لـ”العربي الجديد”، إن “القوى السياسية التقليدية سبق أن أقدمت على شيطنة مثل هذه الزيارات ما بين بعثات دبلوماسية وبعض الناشطين والفاعلين في المجتمع العراقي والجهات الأجنبية”.
وأضاف أن “الأحزاب والفصائل المسلحة ومنصاتها شنّت خلال الأعوام الماضية حملة ضد الحراك المدني والعلماني على أنه يعمل لصالح السفارات، وفي الحقيقة أن هذا النظام يستقوي بالتأييد الدولي للسفارات”.
وتابع: “في المقابل، فإن من أهم المواضيع التي يتم طرحها خلال اجتماعات تضم القوى السياسية الجديدة والناشطينوالسفراء الأجانب، هي محاولة إيصال الصور الحقيقية للواقع العراقي إلى العالم الخارجي، وأن النظام الحالي تقوده شركات سياسية تقترب إلى أن تكون مافيات هدفها الربح على حساب ملايين العراقيين المتضررين”.
وأكد السلامي أن “هناك اتهامات عادة ما يقوم الناشطون بتوجيهها إلى السفراء الأجانب، تتلخص بأن المجتمع الدولي عادة ما يقف إلى جانب السلطة العراقية الحالية على الرغم من الملاحظات الكثيرة عليها، فيما لقاءات الناشطين مع السفراء الأجانب لا تحتوي على مجاملات كما تفعل أحزاب السلطة”.
محي الأنصاري: دعمت مختلف الحكومات الدول الحكومة الحالية، مع علمها بأنها نتاج المنظومة التي أضرت البلاد
من جهته، بيّن النائب في البرلمان، عضو تحالف “الإطار التنسيقي”، محمد الصيهود، لـ”العربي الجديد”، أن “العراق والقوى السياسية المعروفة في البلاد ملزمة باحترام وجود البعثات الدبلوماسية والسفارات وتأمينها من أي مخاطر، إضافة إلى الحوار معها حول النشاطات السياسية والفعاليات والرؤى المشتركة لدعم مصالح البلاد”.
واعتبر ذلك: “أمراً معمولاً به في كل دول العالم”، لكنه رأى أن “هناك جهات تستغل وجود البعثات الأجنبية للحصول على تزكية ودعم وتمويل مشاريع، قد تتضارب مع المصلحة العامة”.
إيصال مواقف ووساطات
أما رئيس حراك “البيت العراقي” محي الأنصاري فأشار إلى أن “الزيارات الرسمية التي تتبادلها القوى المدنية مع البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية هي سلوك طبيعي في كل دول العالم، وتكون غايتها الأساس إيصال وجهة نظر القوى العاملة على الأرض للعالم بعيداً عن سطوة الحكومة، التي تصدر للرأي العام الدولي ما تريد فقط وتمارس التضليل أحياناً، كما حصل من قبل المبعوث العراقي للأمم المتحدة ومجلس الأمن أثناء فترة الاحتجاجات بين عامي 2019 و2020”.
وأوضح الأنصاري في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “دول العالم لا سيما الغربية، تتعامل بسلوك براغماتي حسب الواقع في العراق، فقد دعمت حكومات الدول الغربية والشرقية الحكومة الحالية، مع علمها بأنها نتاج ذات منظومة الفساد والمحاصصة التي أضرت البلاد على مدار 20 عاماً، ويعتبرون ذلك تعاملاً مع مخرج ديمقراطي، وبهذه الطريقة يتضح لنا كيف ينظر العالم إلى العراق”.
وفي قراءة لهذا الوقع، لفت الباحث عبد الله الركابي إلى أن “الوضع السياسي العراقي ملتبس، وهناك ظواهر في العراق لا تحدث في بلدان أخرى، ومنها توسط بعض سفراء دول أجنبية وغربية للجلوس مع قادة الفصائل المسلحة في سبيل الحديث عن ضمانات أمنية وتبادل اقتصادي مشبوه لأجل ضمان سلامة العاملين في السفارات”، معتبراً أن “هذا الإشكال الدبلوماسي ينسحب إلى جملة من فعاليات السفارات التي تحدد بناءً على طبيعة الخلافات في البلاد أو المشاكل بين القوى السياسية”.
وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أن “الوضع العالمي ككل يجعل من إمكانية وجود توجّه واحد تجاه العراق غير صحيح، واللقاءات بالمجمل تأكيد لمواقف غربية وطلبات تتعلق بإصلاحات الوضع العام في العراق، كون تلك البعثات تدرك أن القوى السياسية هي من تمتلك زمام الأمور وليس السوداني”.
وأردف الركابي أن “الدعم الذي تتلقاه العملية السياسية ككل في العراق من المتناقضين الإيراني والأميركي الغربي العام، ولكل طرف منهم أسباب دعمه، على الرغم من الانتهاكات الإنسانية والفساد والتغول للجماعات المسلحة، لكن بالمجمل الزيارات هذه للتأكيد أو حتى التذكير بملفات معينة”. ورأى أنه “من الأفضل رفض القوى المدنية والشعبية الانخراط بمثل هذه اللقاءات، حتى تبقى الأقرب للشارع العراقي”.
العربي الجديد