ذات مرة في بدايات القرن العشرين تحدث قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين قائلاً، “هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود”.
ينطبق هذا القول على الأعوام الثلاثة الماضية، بدءاً من تفشي جائحة “كوفيد-19”، وصولاً إلى الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويمكن دون أدنى شك اعتبار تطورات المشهد الدولي، خلال تلك الفترة القصيرة جداً في عمر الزمن، منعطفاً حاسماً، ونقطة تحول، ستفرز ولا شك بمجرد أن تبرد الرؤوس الساخنة، عالماً جديداً مغايراً لما عرفته البشرية منذ ثلاثة عقود.
ولعل أفضل من عبر عن نهاية زمن القطب الواحد المتفرد بشؤون وشجون العالم، المستشار الألماني أولاف شولتز، في القراءة التي قدمها في مجلة “فورين أفيرز” في عددها الأخير، حيث اعتبر أن العالم يواجه تحولاً بنيوياً هيكلياً، أو ما سماه باللغة الألمانية ZEITENWENDE “تزفايتنفنده”.
هل ستكون السنوات الثلاث الماضية مشابهة للثلاثين عاماً من الحرب الأوروبية في منتصف القرن السابع عشر، والتي أفرزت عالم الدولة الويستفالية، أم أقرب شبهاً بسنوات الحرب العالمية الثانية، والتي انقسم العالم من بعدها إلى قطبين، وارسو والأطلسي؟
في هذه السطور نحاول البحث عن رؤية للعالم في السنوات المقبلة، في ظل ما جرى عما قريب منا.
الهشاشة الأميركية في زمن كورونا
حين قدر للولايات المتحدة الأميركية إحراز نصر مؤزر في الحرب الباردة، اكتمل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بتوسيع تخوم “الناتو”، حتى حدود روسيا، أطلق جورج بوش الأب تعبير “النظام العالمي الجديد”، وكان القصد النظام الأميركي الجديد، الذي يسود العالم، وبعد نحو سبع سنوات، أي في عام 1997، بلور المحافظون الجدد رؤية “القرن الأميركي”، حيث كان المخطط ألا ينازع أحد في الهيمنة الأميركية.
في أوائل انتشار “كوفيد-19” في الولايات المتحدة، بدأت حالة الإنكار من جانب الرئيس دونالد ترمب، ثم لاحقاً وحين ادلهمت الخطوب، تحول الحديث لجهة الفيروس الصيني، أو المؤامرة الصينية، الموجهة إلى الداخل الأميركي.
والشاهد أنه على رغم أن سر الفيروس الشائه لم يكشف عنه بعد، فإن الحقيقة المؤكدة التي أفرزها تفشي الوباء في الولايات المتحدة، هي هشاشة النظام الصحي الأميركي، لا سيما في ظل 100 مليون إصابة، أي ثلث عدد السكان تقريباً، ومليون ومئة ألف ضحية، وهو رقم هائل في دولة يفترض أنها توفر الرعاية الصحية لسكانها من المهد إلى اللحد.
خلال الأعوام الثلاثة الماضية ظهر عديد من الدراسات التي تقارب ما بين سقوط الإمبراطورية الرومانية، من جراء تفشي الأمراض فيها، وما شهدته الولايات المتحدة، لا سيما أن البعض مثل، بيل غيتس، يتوقع أن يعرف عديد من الأوبئة الفتاكة طريقه إلى البشرية في السنوات المقبلة، وقد تكون قراءته هذه بمثابة النبوءات التي تسعى إلى تحقيق ذاتها بذاتها، غير أنه وفي كل الأحوال ستنكشف القدرات الأميركية، كما جرى في وسط جائحة “كوفيد-19”.
والثابت أنه خلال الأشهر الأولى لانتشار كورونا بين الأميركيين تأكد للقاصي والداني أن واشنطن لم تعد سيدة قيصر التي لا تخطئ، فقد أظهر نقص موارد الرعاية الصحية، وضعف التنسيق بين حكومات الولايات على الصعيد الفيدرالي خللاً واضحاً في البنيوية الهيكلية للحوكمة الأميركية، ومعها ثبت من جديد زيف رؤية فوكاياما عن الليبرالية والرأسمالية كنهاية للتاريخ، وصولاً إلى الإنسان الأميركي الأعلى، إن جاز التعبير.
ومن جهة أخرى، أظهرت واشنطن وجهها الآخر، البعيد من طروحات وشروحات التعاون الدولي وخدمة البشرية، إذ أخفقت في الحفاظ على علاقات وثيقة مع حلفائها المقربين، وحتى الدول الصغيرة الصديقة، لم تقدم لها واشنطن يد العون، وقد بدت القارة الأوروبية على نحو خاص الأكثر تضرراً، قبل أن تستيقظ الولايات المتحدة بعد مرور عدة أشهر لتستشعر المأزق القطبي الذي تعيشه، بعد أن سقطت في فخ اختبار قيادة العالم في زمن المحنة الصحية الكبرى.
الصين وإشكالية قطبية متراجعة دولياً
ولعل الاضمحلال الإمبراطوري الذي بدأت معالمه في سماوات الولايات المتحدة، طرح علامة استفهام عن الصين، وهل سترث النظام الدولي، وتحل الأولى في عالم القطبية الأحادية، أم ستشارك أميركا ليقتسما العالم، كما كان الحال مع الاتحاد السوفياتي في زمن الحرب الباردة؟
قبل الجائحة، كانت الصين قد نجحت على الصعيد الاقتصادي وبصورة بدت بالفعل مهددة للحضور الأميركي، لا سيما في قارات العالم الثالث، كما هو الحال في أفريقيا، وأميركا اللاتينية على نحو خاص.
نجحت الصين في استخدام، وربما استغلال فوائضها المالية، لاختراق المواقع والمواضع التي حالت منظومة القيم الأميركية، كحقوق الإنسان، والدمقرطة، من الوصول إليها، وربما لهذا رأينا الرئيس بايدن يسارع أخيراً لعقد مؤتمر للأفارقة، بهدف تخليصهم من فم التنين الصيني.
عطفاً على ذلك، بدت الصين وكأنها على مرمى البصر بالمنظار من إقامة تحالفات مع بعض الدول الأوروبية، بصورة تفت في عضد الاتحاد الأوروبي في الحال، وتتهدد “الناتو” في الاستقبال، وهو ما جرى بالفعل مع إيطاليا.
على أن الصين تلقت طعنة نافذة مع تصاعد الشكوك حول دورها في إتاحة الفرصة لانتشار فيروس كورونا، ذلك أن نظامها الشمولي، وتكتمها على أخبار الإصابات، خوفاً على مكانتها الاقتصادية، أدى إلى شيوع كورونا في قارات الأرض، ما أكد المخاوف من هشاشة صدقيتها وموثوقيتها في الداخل، وهو ما انعكس حكماً على ثقة العالم الخارجي فيها.
على رغم ذلك، وبقدر ما كانت لأزمة كورونا تأثيرات سلبية على علاقاتها الخارجية بعدد من كبريات دول العالم، فإنه من المؤكد أن الصين قد نجحت فيما أخفقت فيه واشنطن، وبخاصة على صعيد تقديم يد العون للعالم الخارجي، خلال الجائحة فقد سارعت بإرسال طواقمها الطبية، وقدمت معونات صحية وغذائية، إلى دول أفريقية، وحتى إن عدداً من الدول الأوروبية في مستهل الأزمة، وجدت عوناً سريعاً من بكين، بأكثر مما وجدته من واشنطن أو بروكسل، وتصريحات رئيس صربيا، ألكسندر فوتشيك، لا تزال محفوظة عبر وسائل الإعلام، حين انتقد التقاعس الأميركي والأوروبي لإغاثة بلاده، فيما كان الصينيون والروس، يسارعون في استنقاذ المدن الصريبية التي وجدت حالها ضحية بين عشية وضحاها للفتك الكوروني.
أوروبا القارة الحائرة بين الأقطاب
أين موقع وموضع القارة الأوروبية التي كانت يوماً مهبط التنوير والمدنية، وموقع وموضع فلاسفة العالم ومجدديه، على الساحة العالمية والقطبية المضطربة، والتي تغشاها الضبابية في حاضرات أيامنا؟
المؤكد أن معاناة الأوروبيين سابقة على ظهور كورونا، ولاحقة على الحرب الروسية – الأوكرانية.
قبل كورونا بدت أوروبا في حالة تفكك، إذ لم يصمد الاتحاد الأوروبي، وحين انسلخت بريطانيا، وجد الأوروبيون أحد أعمدة خيمة الاتحاد يتهاوى.
اعتبر عدد من مفكري القارة الأوروبية أن خلاصها في الطرح الأوراسي، غير أن هذا الأمر لم يعجب العم سام، والذي استغل المخاوف الأوروبية، من بكين وموسكو، وعمقها، ووجد الأوروبيون أنفسهم بين عشية وضحاها في حالة من الحيرة، وأمام استحقاقات تساؤل جوهري: هل يخضعون للعم سام، والذي لا ينفك يطالب بأمر واحد، وهو زيادة مساهماتهم المالية في تجديد شباب “الناتو”، وبنسبة لا تقل عن اثنين في المئة من الناتج الإجمالي لكل دولة على حدة، وهو الأمر الذي طالب به ترمب ذات مرة، وجدد المطالب الأميركية به قبل أسابيع قليلة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، مما يعني أنه لا فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين، حين يتعلق الأمر بالهيمنة الأميركية، هذا من ناحية.
ومن الجهة الأخرى، تساءل الأوروبيون: هل يخاطرون بتحالفهم التاريخي مع غرب الأطلسي، من خلال تعزيز الشراكات الجيواستراتيجية مع الدب الروسي والتنين الصيني، وهي شراكات غير مأمونة العواقب، حيث يرى الليبراليون الأوروبيون، كما الحال عند نظرائهم الأميركيين، شمولية توجهات الصينيين والروس وأنظمتهم الحكومية، على رغم المنافع التي تدرها تلك الشراكات، وفي مقدمتها الطاقة وتدفقها؟
تبدو الحيرة سيدة الموقف لدى قارة قوامها 500 مليون نسمة، وتعد سوقاً واسعة، ويربطها توجه إنسانوي عميق، وتجربة تاريخية نادرة في بقية قارات العالم، حتى الداخل الأميركي، المدين ولا شك للتنوير الأوروبي، ولعلماء القارة التي اعتبرها وزير الدفاع الأميركي الأسبق رامسفيلد قارةً عجوزاً.
أوروبا الحائرة، وغير القادرة على الغزل على الأقطاب الدولية، تبدو اليوم في حالة مراجعة لحيرتها بين الغرب الأميركي والشرق الآسيوي. وربما لن تطول حيرتها، فالذين قدر لهم مطالعة المستشار شولتز عن التحولات الجذرية في النظام العالمي، وكيفية تجنب حرب باردة جديدة في عصر متعدد الأقطاب، يخلصون إلى رجاحة القول إن أوروبا قادرة على أن تنهض، وتبلور حضورها القطبي، وليس شرطاً أن يكون حضوراً تنافسياً مع أميركا أو آسيا، ولكنه حضور عودة الروح النهضوية، من خلال تواصل ديمقراطي خلاق، وهجرة منظمة قانونية لاستقطاب أفضل العقول من حول العالم، وإعادة بناء قوتها المسلحة بحيث تصبح درعها وسيفها، ومن غير ارتهان إرادتها أو قراراتها لأحد.
إنها أوروبا التي تمتلك أمرين قادرين على انتشالها من وهدتها الآنية (الرجال، والمرجعيات)، أما الرجال الأوروبيون فيظهرون دوماً في أوقات الأزمات، كما تشرشل وديغول في زمن الحرب العالمية الثانية، والمرجعيات متمثلة في مراكز الفكر والدراسات، وكبريات الجامعة التي تحوي عقليات قادرة على التفكير بحزم والعمل بعزم.
وما بين أميركا وأوروبا وآسيا وزمن كورونا، تصل بنا الأحداث إلى المتغير الأكثر إزعاجاً خلال 2022، والذي سيلقي، ولا شك، تبعاته الجسام على العام، وربما الأعوام المقبلة، وفي ضوء تطوراته ستتبلور ملامح القطبية العالمية، وهل هي واحدة أم ثنائية أم متعدد الأطراف والأطياف… ماذا عن ذلك؟
روسيا وأوكرانيا… عالم مغاير يتخلق
خلال مشاركته في أعمال الدورة 25 لمنتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي، وفي أول حضور له منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن خلال مشاركة نحو مئة دولة، قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رؤية بلاده لعالم ما بعد القطبية الواحدة، إذ اعتبر أن أوان تلك الفكرة قد انتهى، وأن العالم لم يعد كما كان.
هل كان بوتين على حق؟
أغلب الظن أن ذلك كذلك، فاليوم وبعد نحو 10 أشهر من القتال الضاري، تبين للجميع أن سيناريوهات الحروب العالمية في القرن العشرين لم تعد مجدية، ذلك أنه لو جرت المقادير بالحرب العالمية الثالثة، والتي قد تكون الأزمة الأوكرانية سبباً رئيساً لها، فإن مقولة العالم الكبير ألبرت أينشتاين، عن أسلحة الحرب العالمية الرابعة ستصدق، حيث لن يتبق للبشرية سوى العصي والحجارة، وذلك بعد أن تختفي من على وجه الكرة الأرضية جميع معالم الحضارة من جراء الأسلحة النووية التي ستستخدم.
وضعت الحرب الأوكرانية العالم أمام حقيقة التعددية والأحادية، فعلى رغم أن الولايات المتحدة، كرأس حربة لحلف “الناتو”، لم تلتزم تعهداتها عدم التمدد شرقاً بالقرب من روسيا، فإن ذلك لم يفت في عضد روسيا القوة النووية التي وضعت سيناريو الخيار الشمشوني على الطاولة، حال وجدت أمنها القومي مهدداً.
على أن الأمر لم يعد مرتبطاً بالولايات المتحدة وروسيا فقط، فهناك أوروبا التي تجد نفسها اليوم، بين المطرقة الأميركية والسندان الروسي، ومع أنها دعمت وزخمت الأوكرانيين بكثير من الأسلحة، إلا أنها لم تعد قادرة على المضي لجهة تشجيع أوكرانيا لتجاوز الخطوط الحمراء العسكرية، والتي تستدعي ردود فعل تقدر على مواجهتها.
واشنطن، القطب المتفرد بمقدرات العالم، نظرياً، على الأقل، بدورها وفي الشهر الحالي، أي قبل أن ينصرف العام، تكاد تعود إلى رشدها بعد أن ثبت لديها أن فكرة هزيمة بوتين عسكرياً غير واردة بالمرة، فيما الخسائر تتراكم عند الجانب الأوكراني وبشكل مفزع، ناهيك بالخسائر الاقتصادية الأميركية من جراء الدعم المتواصل لأوكرانيا وبمليارات الدولارات.
بجانب ما تقدم، يتضح لواشنطن، وكما ظهر جلياً في استرتيجيتها الأخيرة للأمن القومي، أنه وفيما روسيا اليوم تظهر كأنها الخطر الواضح والحاضر، فإن الصين تمضي وراء الأفق لتشكل التحدي العسكري الحقيقي، والذي يجعل قطبية أميركا المنفردة بمقدرات العالم أثراً بعد عين.
الأميركيون يقطعون بأن الصينيين في طريقهم لمراكمة ترسانة نووية، تتجاوز ألفاً وخمسمئة رأس نووي في المدى الزمني المنظور، وقد يصل الأمر إلى 10 آلاف رأس نووي بحلول 2023.
أما عن البحرية الصينية، فتتمدد يوماً تلو الآخر، ما يجعل الهيمنة الأميركية على البحار والمحيطات من أحاديث الماضي، وبخاصة في ظل التعاون الروسي الصيني القائم.
وفيما يبدو أنه لا نهاية قريبة للحرب الروسية – الأوكرانية، تخلص غالبية دول العالم إلى حقيقة مفادها أن الرهان على طرف بعينه، والانسياق المطلق من وراء قوة بذاتها، بات أمراً غير مرغوب، والأفضل هو تشكيل مروحة من الحلفاء المتعددي الأطراف، ما بين الشرق والغرب، بما يعني زوال فكرة القطب الواحد، حتى وإن بقت واشنطن لنهاية هذا العقد، الأول بين متساوين، هذا إن لم تقد تطورات المشهد الأميركي الداخلي إلى ارتباك يضعف من الحضور الأميركي العالمي، وهو مصير الإمبراطوريات العظمى من غير أدنى شك، وعلى غير المصدق الرجوع إلى كتابات المؤرخ إدوار غيبون، ورؤيته للإمبراطورية الرومانية، وكيف انتهى بها الحال.
عن عالم مرتبك وقطبية غائمة
هل من خلاصة لما تقدم؟
يمكن القطع بأن العالم يمر بظرف مشابه من حيث المعطيات للفترات التي استبقت الحروب الكونية الكبرى، كما الحال قبل الحرب العالمية الأولى والثانية. غير أن الفارق المؤكد هو أن القوة الخشنة بمفردها لم تعد قادرة على تحديد تراتبية القوى الدولية، أو تحديد ماهية القطب الواحد، فقد باتت القوة الاقتصادية، والمعرفية، التكنولوجية والعلمية، والمقدرة على ريادة الفضاء، ومن ثم التحكم في مقدراته، في مقدمة عناصر القوة الدافعة للكيانات القطبية الكبرى.
عطفاً على ذلك تبدو فكرة القطبية الأحادية، يوتوبيا زائدة على الحد، وبخاصة في ظل تنامي حركات التجمعات الاقتصادية العالمية، مثل دول “البريكس”، و”البريكس بلس”، وما سيستجد عما قريب.
أما عن نظام “بريتون وودز”، الذي رسخ جذور الهيمنة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، فهناك رياح شديدة تكاد تعصف به، سيما في ظل الرفض المتنامي للعولمة المغرقة في وحشيتها، والتي استخدمت الصندوق والبنك الدوليين كأدوات للهيمنة، وليس للتعاون.
وعند تفنيد رؤية القطب الأميركي الواحد، يكفي ملاحظة أن واشنطن تشهد على الصعيد الداخلي حالة من الاستقطاب الكفيلة بزعزعة كيانها، وهناك خلف باب انتخابات الرئاسة 2024 ما يخيف، وقد أصبحت أقل جاذبية، وشريكاً غير موثوق، دائم الانقلاب على حلفائه، كما لم يعد الوصول إلى أسواقها وتوفير التمويل السخي جزءاً من ترسانة سياساتها الخارجية أو قوتها الناعمة.
وبالقدر نفسه، على المراهنين على الصين، ألا يتفاءلوا كثيراً، ففي نظر كثيرين باتت مهدداً لجيرانها، ولا يغرنك شأن الحديث عن التحالف البراغماتي بينها وبين روسيا، فالعارفون ببواطن الأمور يدركون أن الطبقات الحضارية الروسية والصينية مختلفة كل الاختلاف، والأمر لا يعدو مرحلة من تبادل المنافع والوقوف صفاً في وجه العم سام، ذلك أنه لو سقطت روسيا في المواجهة الأوكرانية، لربما وجدت الصين نفسها منفردة في الغد في تايوان وبحر الصين الجنوبي، وهذه وجهة نظر مغرقة في التوجه الغربي، لكنها تحتمل النقاش في كل الأحوال.
كوكب الأرض في مواجهة مزدوجة، بينه وبين البشر القائمين عليه، المختلفين على التعايش فوقه من جهة، وبينه وبين مقدرات الطبيعة والمناخ، والتي لن تبقي فرصة للخلافات القطبية الأحادية أو المتعددة، فانظر ماذا ترى؟
اندبندت عربي