نشر “منتدى الخليج الدولي” تحليلا للباحث د. جان لو سمعان، بعنوان “الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.. شراكة غير مؤكدة”، أكد فيه أن التقارير حول حدوث تقارب استراتيجي بين دول الخليج والصين على حساب العلاقات الاستراتيجية الطويلة بين تلك الدول والولايات المتحدة، تظهر مبالغات، مشددا على أن العلاقات الخليجية الصينية لن تكون أبدا بديلا عن العلاقات مع واشنطن، وكذلك فإن دول الخليج الست أظهرت مستويات متفاوتة من الاستعداد لتصعيد العلاقات مع بكين.
وفي قراءته لأبرز مخرجات زيارة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” الأخيرة إلى السعودية، والتي عقد خلالها لقاءات مع قادة دول الخليج ودول عربية، فإنها دفعت لظهور تحليلات تشير إلى بدء قضم الصين أجزاء من كعكة نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الخليج، غير أن المعهد يرى أنها تحليلات خضعت لمبالغات لا تعكس الواقع.
وينوه التحليل إلى أن الصين تعمدت تضخيم الحديث عن رواية مغازلتها الشركاء الموثوقين لأمريكا بالمنطقة في إطار الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، وأن ذلك التضخيم كان واضحا خلال زيارة “شي” للمنطقة.
الصين تعمدت تضخيم الحديث عن رواية مغازلتها الشركاء الموثوقين لأمريكا بالمنطقة في إطار الحرب الباردة مع الولايات المتحدة
وبحسبه بصرف النظر عن علاقات الطاقة والتجارة المتنامية، لا يوجد شيء “طبيعي أو عضوي” في العلاقة بين الصين والخليج، على حد وصف التحليل.
وعلى الرغم من أن بعض المعلقين وصفوا زيارة “شي” إلى السعودية بأنها دليل على العلاقات الأمنية المتنامية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الزيارة لم تقدم أي التزامات ملموسة تجاه تعميق هذه الشراكة، سوى بعض البيانات الرسمية عن مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في “مبادرة الأمن العالمي” في بكين، وهي مفهوم جديد للسياسة الخارجية، وإن كان غامضًا للغاية، روجت له الصين منذ أبريل/نيسان الماضي.
عدا ذلك لم يتم الإعلان عن أي جديد في المجال الأمني أو العسكري، يقول التحليل.
40 ألف جندي أمريكي
ويضيف أنه مع وجود ما يقرب من 40 ألف جندي أمريكي يتمركزون في جميع أنحاء المنطقة، فإن البصمة العسكرية للولايات المتحدة تقزم أي شيء يمكن أن تجلبه بكين إلى طاولة المفاوضات مع دول الخليج في المستقبل المنظور.
علاوة على ذلك، لا يبدو أن الصين مهتمة بأن تحل محل الولايات المتحدة أمنيا وعسكريا بالمنطقة التي تشهد اضطرابات من القضية النووية الإيرانية وحتى الحرب في اليمن، وتفضل بدلاً من ذلك البقاء بمعزل عن السياسات المحلية والحفاظ على مكانتها كشريك اقتصادي مناسب لجميع الأطراف – وهو الموقف الذي يأتي مع مزايا اقتصادية كبيرة ولكن تكاليف سياسية واضحة.
ويرى الباحث أنه في نهاية المطاف، لن يتحدد مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والصين ودول مجلس التعاون الخليجي بما ترغب واشنطن وبكين في اكتسابه من دول الخليج، بل ما تتوقعه دول الخليج من القوتين العظميين، بحسب التحليل.
لكنه يستدرك أن تلك الصيغة تفترض أن دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تجتمع معًا لطرح رؤية دولية متماسكة وشاملة، وهو أمر غير مسلم به، حيث لا توجد وجهة نظر موحدة بين دول الخليج حول نهج إقليمي تجاه الصين.
شكوك مشتركة
ويعتبر أنه من المؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجي الست تتشارك في شكوك مشتركة بشأن التزام واشنطن المستقبلي تجاه المنطقة، لكن مواقفها تجاه الصين تختلف بشكل كبير.
ويقسم الباحث دول الخليج من حيث موقفها من العلاقات مع الصين إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى “المقامرون”، وتشمل السعودية والإمارات، وكلتا الدولتين تتحوطان علانية ضد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وكلاهما أدرج عنصرًا استراتيجيًا في مشاركتهما مع الصين.
فبالإضافة إلى توسيع العلاقات التجارية التقليدية مع بكين، اشترت الرياض وأبوظبي صواريخ وطائرات بدون طيار وطائرات عسكرية من الشركات الصينية – وهي مشتريات أدت إلى إحباط في واشنطن.
أما الفئة الثانية فتشمل بالتحديد قطر وسلطنة عمان، اللتين تفضلان نهجا تدريجيا لتصعيد العلاقات مع الصين، حيث يبدون وكأنهم يربون تلك العلاقات حتى تكبر بدون أي تعجل، ولذلك فهم أكثر حذرا في تصعيد تلك العلاقة ولا يميلون إلى المغامرة.
قطر وسلطنة عمان تفضلان نهجا تدريجيا لتصعيد العلاقات مع الصين، حيث يبدون وكأنهم يربون تلك العلاقات حتى تكبر بدون أي تعجل، ولذلك فهم أكثر حذرا في تصعيد تلك العلاقة
وأقامت الدولتان علاقات تجارية وثيقة مع بكين وتعاونا معها في البنية التحتية للموانئ (ميناءا حمد والدقم على التوالي) وكذلك طورا من التعاون مع المشغلين الصينيين في مجال الشبكات الرقمية، وعسكريا اشترت قطر صواريخ باليستية صينية.
وبحسب الباحث، بشكل عام، كان كلا البلدين أكثر حذراً (وأقل صخباً) فيما يتعلق بالمنافسة الأوسع بين الولايات المتحدة والصين، لا سيما مع التطور الكبير الذي حدث في العلاقات بين الدوحة وواشنطن، حتى إن الأخيرة صنفت قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو، وهو تصنيف مهم.
وفي الوقت نفسه، وقعت سلطنة عُمان، التي لم تشتر أي معدات عسكرية صينية، اتفاقية إطار عمل استراتيجي جديدة مع الولايات المتحدة في عام 2019 والتي أتاحت وصول الجيش الأمريكي إلى ميناء الدقم – وهو مؤشر واضح على أنه على الرغم من الاستثمارات الصينية هناك، فإن القادة العمانيين لم يكن لديهم نية الابتعاد عن مزودي الأمن الغربيين.
أما الفئة الثالثة فهي بحسبه “المحافظون الحذرون”، ويرى التحليل أن أفضل تمثيل لها هو البحرين والكويت، حيث فتحت الدولتان اقتصاداتهما أمام المستثمرين الصينيين، بما في ذلك مشاريع التحديث الكبرى مثل مدينة الحرير في الكويت.
غياب الإجماع الإقليمي بشأن الصين ليس فريدًا من نوعه في منطقة الخليج ويعكس تباينات مماثلة داخل أوروبا
لكن العلاقات التجارية لم تؤد إلى علاقات استراتيجية أكبر، بحسبه.
ويقول إنه وفقًا لقاعدة بيانات SIPRI، كانت الصين ثامن أكبر مصدر للأسلحة إلى البحرين على مدار العقد الماضي، متخلفة كثيرًا عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بينما لم تبلغ الكويت عن أي عمليات شراء عسكرية من بكين.
وعلى الجانب الآخر، يقول إنه ليس من قبيل المصادفة أن تستضيف الكويت أكبر قاعدة برية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، بتعداد يصل إلى حوالي 10000 جندي، في حين أن البحرين هي موطن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
باختصار، لدى كلا البلدين الكثير ليخسراه من التحالف مع الصين أكثر من جيرانهما الأكبر.
ويرى الباحث أن غياب الإجماع الإقليمي بشأن الصين ليس فريدًا من نوعه في منطقة الخليج ويعكس تباينات مماثلة داخل أوروبا وجنوب شرق آسيا.
وعلاوة على ذلك، فشلت الولايات المتحدة في صياغة علاقة موحدة مع كافة دول الخليج، واكتفت بتطوير علاقاتها الثنائية مع كل دولة خليجية على حدة، وليس من المتصور أن تنجح بكين فيما فشلت به واشنطن.
القدس العربي