الجزائر – كشف وزير العدل الجزائري عبدالرشيد طبي عن استرجاع ما قيمته 20 مليار دولار من الأموال والممتلكات المنهوبة في عهد الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك في محاولة لاسترضاء الشارع الذي كان تغول الفساد أحد أسباب الانتفاضة الشعبية في البلاد، بينما لا يزال مسار استرداد الأموال المهربة في الخارج متعثرا بسبب القوانين الدولية المتشابكة.
ويرى مراقبون أن هذا الإعلان جاء لرفع الحرج عن السلطة الجزائرية بعد تصاعد الأصوات في الشارع الجزائري حول أسباب صمت السلطة عن الأموال المنهوبة، والإشارات الضمنية حول إمكانيات تواطؤ لإخفاء الحقيقة وإهدار حق الشعب في الثروات المنهوبة.
وجاء تصريح وزير العدل الجزائري على هامش جلسة التصويت الغرفة السفلى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) الثلاثاء على مشروع جديد للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الوزير قوله إنه تم استرجاع أغلب الأموال المنهوبة على المستوى الوطني، مبرزا أن المبلغ المسترد مؤقت ومرشح للارتفاع.
وبالنسبة للأموال المنهوبة خارج البلاد، أكد وزير العدل أنه تم التواصل والتنسيق بين السلطات القضائية الجزائرية والفرنسية والإيطالية والأميركية.
وأشار إلى أن العمل جار على المستوى الدولي لتتبع كيفية استرجاع هذه الممتلكات، خاصة وأن مسار استرداد الأموال عرف تعثرا وتعقيدات على الصعيد الدولي، بسبب اختلاف الأنظمة القضائية.
وأوضح وزير العدل أن مبلغ الأموال المسترجعة يتمثل في 4213 ملكا عقاريا، و213 عقارا صناعيا على غرار مصنع الأسمنت، ومصانع تركيب السيارات، ومصانع صناعة الريوت في جيجل ووهران والعاصمة، بالإضافة إلى مصانع الأدوية في تيسمسيلت ورغاية.
ولفت إلى استرجاع 211 فيلا، و281 بناية في طور الإنجاز و21 عقارا سياحيا و596 محلا تجاريا و229 عقارا فلاحيا و23774 ملكية منقولة كطائرات خاصة وسفن استجمام، وبواخر نقل سلع، و40203 مركبات بين شاحنات وحافلات، إضافة إلى 821 سيارة تجارية و1330 آلة خاصة في الأشغال العامة و236 عتادا زراعيا و7000 سيارة فاخرة، وحجز أموال في 6447 حسابا مصرفيا، إضافة إلى شركات خاصة بتسيير قنوات تلفزيونية.
وهذه الأموال والعقارات المصادرة والممتلكات المحجوزة، والمصانع والشركات كانت على ذمة رجال أعمال ومسؤولين نافذين في عهد الرئيس السابق، والتي حصلوا عليها بطرق غير قانونية، إذ أصدر القضاء الجزائري أحكاما نهائية بشأن تأميمها، وتقرر وضعها تحت سلطة الدولة للتصرف فيها.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد قرر العام الماضي تأسيس صندوق تضخ فيه الأموال التي يتم تحصيلها مما يعرف بحملة الحرب على الفساد، التي شملت منذ أكثر من عام وجوها وشخصيات وازنة محسوبة على الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ولا يزال الغموض يكتنف مسار الأموال المذكورة، فلا يعرف الرأي العام الجزائري مصير وحجم الأموال المنهوبة قبل العام 2019، رغم أن تصريحات رسمية قدرتها بـ”المليارات” بالعملة الصعبة.
وكان الرئيس تبون قد ذكر في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “الأموال المنهوبة تقدر بالمليارات”، وأنها تتجاوز بكثير سقف العشرة مليارات، وكانت من ضمن التعهدات التي تقدم بها في برنامجه الانتخابي، كما صرح بأنه “يعلم مكان تواجدها”.
وكان الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبدالرحمن قد أكد في وقت سابق أن الدولة عازمة على استرجاع الأموال المنهوبة بتجنيد الثقل الدبلوماسي، ووضع مقاربة شاملة للتكفل بالملف وآلية تنسيق على مستوى عال مع الدول التي حولت إليها الأموال ضمن اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وفي إطار منظمات دولية متخصصة لتتبع الأملاك وتحديد أماكنها.
إلى ذلك، وجهت الحكومة تعليمات صارمة للممثليات الدبلوماسية في الخارج من أجل تتبع مسار الإنابات القضائية المتعلقة باسترداد الأموال المنهوبة، إذ ذكرت جهات محلية أنه تم تجنيد السفراء عبر العديد من الدول، منها 11 دولة صنفت كـ”جنات ضريبية” لتحقيق المهمة.
ويبقى استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج تحديا تسابق الجهات المعنية الزمن من أجل تحقيقه قبل فوات الأوان، وهو ما عبرت عنه وزارة العدل من خلال دعوة جميع الدول الأطراف في اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إلى تنفيذ التزاماتها الدولية وتسريع الإجراءات، بغرض تسهيل استرداد الأموال المنهوبة.
وشددت على ضرورة إقامة تعاون دولي فعال وسريع الاستجابة في مجال استرداد الأموال المنهوبة، مشيرة إلى أن إدارة وتسيير الأصول المسترجعة واستخدامها هي بالدرجة الأولى مسؤولية الدولة الطالبة وحدها من دون شروط مع الاحترام الكامل للحقوق السيادية للدول، وقدمت اقتراحا لإعداد بروتوكول عربي متعلق بالتعاون من أجل استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج، يكون مكملا للاتفاقية العربية لمكافحة الفساد.
العرب