الباحثة شذى خليل*
مرعلى عملية بيع العملة الأجنبية ” الدولار” حوالي 18 عاماً ، أو ما يسمى من قبل البنك المركزي العراقي “مزاد العملة” الذي سمحت بموجبه سلطة الائتلاف المنحلة التي كانت تدير العراق، كممثل عن التحالف الدولي بعد عام 2003 ، بمبادرة بيع الدولار الأمريكي -العملة الصعبة التي يحصل عليها العراق من بيع النفط – أي ثروة البلاد ، بكل حرية ومن دون قيود او ضوابط حقيقية، مما تسبب بفتح اكبر نافذة للفساد المالي وهدر العملة وتهريبها، وبما أن الدينار العراقي مرتبط بالدولار الأمريكي فمن حق الفدرالي الأمريكي متابعة الأنشطة المشبوهة التي تدمر العملة.
إن الأزمة المالي التي يمر بها العراق، تفوق قدرات البنك المركزي والأدوات المتاحة له لمعالجتها وتطويقها، والحديث عن إعادة الثقة بين الفدرالي الأمريكي والمركزي العراقي، تعني ان الإجراءات المطلوبة يجب أن تكون حازمة وجذرية لفرض رقابة فعالة على المصارف وآليات تحويل العملة الى الخارج، وتفكيك منظومات الفساد، ومحاسبة من يقف وراءها، وهي قوى نافذة يتعذر على الحكومة القضاء عليها.
حيث كشف البنك الفدرالي من خلال اجراءاته اين تذهب الأموال فكانت بعضها
• بعد اخذها دولاراً من السوق العراقي تتحول الى دول اخرى ومن هذه الدول يتحول الى عملات ومن ثم يذهب الى سلطنة عمان ثم تختفي، وبعد التحقيقات تبين انها تذهب الى ايران .
• تهريب عن طريق منافذ إقليم كوردستان، بسيارات الى تركيا .
• بعض المصارف واصحابها التابعيين لبعض الأحزاب المسيطرين على استنزاف العملة وتهريبها، حيث تم السيطرة عليها بشكل كامل، والدليل الذي اتضح على نجاح تلك الإجراءات هو انهيار التومان الإيراني والليرة التركية.
الإجراءات التي اتخذها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تعد تعديلات على الحوالات التي تمر بنظام سويفت، والتي تضم تدقيقا لمصدر الأموال وحتى المستقبل النهائي، وهو ما جاء بعد تبعات سرقة القرن، والتي كشفت مخططات لتهريب الأموال، البنك الفيدرالي الأمريكي ووزارة الخزانة كانا يراقبان الوضع، حيث أرسلت إنذارات وتنبيهات الى البنك المركزي العراقي ، ولكن اتخاذها الإجراءات الحازمة الأخيرة قد يكون لتوقيته أبعاد سياسية للضغط على الحكومة العراقية، من جهة، ومن جهة أخرى هناك أطراف متنفذه مرتبطة بالمصارف وشبكات تهريب العملة والالتفاف على الضوابط المحلية والدولية في المجال النقدي، لمقاومة أية إجراءات جدية ضد الفساد وقنواته وشبكاته.
مما لاشك فيه أن الآثار السلبية لهذا المزاد، بدأت تظهر في الظروف غير الطبيعية التي يمر بها البلد، مثل تعطيل الكثير من القوانين التي من شأنها، السيطرة على مفاصل الدول السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية بشكل واضخ وصريح، فعندما تكون البيئة غير مناسبة، تأتي النتائج عكسية تماما.
الاقتصاد العراقي يعاني من أزمات متتالية، ومبالغات في عملية شراء الدولار وتعديات من خلال تهريبه إلى خارج العراق أو تحويله لجهات مشبوهة ، وبلغ معدل البيع اليومي في بعض الأحيان نحو 250 مليون دولار، كل هذه الأرقام الكبيرة والانفلات المالي، واحتكار بعض المصارف وعملية البيع والشراء الخاصة بالدولار، جعلت الحكومة العراقية ومن ثم البنك المركزي عرضة لضغوط كبيرة من البنك الفيدرالي الأميركي والمنظمات الدولية، لتغيير آلية بيع الدولار، خاصة مبالغ الاستيراد والتصدير، وجعلها ملائمة مع التطورات المالية والمصرفية في العالم.
وضعت بعض الضوابط والشروط لتلافي الأخطاء الجسيمة التي تحدث في هذا القطاع المهم، و شروط ينبغي تقديمها من قبل الأشخاص إلى المصارف المجازة لشراء الدولار.
إن طريقة التدقيق الجديدة خالفت الإجراءات السابقة التي كان العراق يعمل عليها منذ سنوات، فكان التدقيق يجري في البنك المركزي العراقي وقبله في المصارف، ثم ترسل البيانات إلى البنك الفيدرالي ومن ثم يحول المبلغ إلى المصرف المراسل، بينما يجري التدقيق حالياً على ثلاث مراحل ومن دون علاقة بينهما، إذ يجري في المصارف العراقية، ومن ثم البنك المركزي، ثم يجري في الفيدرالي، ومن ثم في المصرف المراسل، حيث يذهب المبلغ للمستفيد الأخير.
وضع البنك الفيدرالي الأميركي سلسلة من الاجراءات المشددة في الآونة ، تلزمناً بعرض قوائم بالدولار المباع عليه، تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة، ويتم الانتظار 15 يوماً لبيان موقف البنك الفيدرالي من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب، مشيراً إلى أن عملية البيع ستتوقف في حال اعترض البنك الفيدرالي على اسم معين كونه مطلوباً أو يوجد تشابه أسماء أو وجد شبهة بالهدف من شراء الدولار.
البنك الفيدرالي حاليا بصدد إضافة ثلاث جهات رقابية على عمليات بيع الدولار للتدقيق في وجهته بعد البيع، لمنع وصوله لجهات إرهابية أو محظورة، وبسبب هذه الشروط والمحددات لا يستطيع البنك المركزي توفير الدولار لجميع من يطلبونه، من أجل مصلحة اقتصاد البلد والحفاظ على العملة من الضياع والتهريب، يجب ان يلتزم بتطبيق هذه المعايير لمنع صدور قرار بوقف تدفق الدولار للعراق لأنه سيحدث كارثة، وبيع الدولار في العراق خاضع لرقابة صارمة من البنك الفيدرالي الأميركي لأنه الجهة المصدرة للدولار وجاءت تلك الإجراءات بسبب فقدان الثقة والسيطرة في البنك المركزي العراقي، وهو ما تسبب في ازدهار سوق الصرافة الموازية لتخلق سوقا سوداء يستفيد منها أفراد يتحكمون بالأسعار، وسط عدم التدخل بمنع مثل هذه الممارسات، وهذه نقطة مهمة.
في هذه المرحلة الصعبة، يواجه العراق تحدياً كبيراً على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ان المافيات الداخلية التي لا تقبل أن يكون هناك اقتصاد عراقي منظم لأنها تقتات على الفوضى تمنع بشتى الطرق الخضوع الى القانون والالتزام بالضوابط ، مما يشكل ضغطا كبيرا على الحكومة ويضعها امام تحد كبير في إعادة رسم الاقتصاد العراقي للسيطرة على الدولار.
بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دعمه لتلك الإجراءات للحفاظ على مصالح الشعب العراقي ،وان الاجراءات التي اتبعها البنك المركزي العراقي بضغط من البنك الفيدرالي، كان يجب أن يتم بشكل تدريجي، لأنه يربك الأسواق، خاصة مع وجود منافذ غير رسمية للحصول على الدولار أسهمت بوجود هذه الفوضى في الاقتصاد العراقي، كما أن الحكومة ماضية في اتجاه دعم الإنتاج المحلي والسيطرة على الاستهلاك من خلال إعادة تأهيل النظام المالي بإشراف الخزانة الأميركية.
هذه بعض الاجراءات السريعة التي اتخذتها حكومة السوداني خلال الايام الثلاثة الماضية ، بطريقة مدروسة وفعالية كبيرة لتدارك الوضع مع اللجنة الاقتصادية والجهات المسؤولة .
-
الاجتماع مع محافظ البنك المركزي لتحقيق الاستقرار العام للاسعار وسعر الصرف .
-
تفعيل الخطوات الصحيحة لبيع العملات الاجنبية للمواطن ولخدمة الاقتصاد العراقي .
-
ضخ البنك المركزي كميات من الدولار الى السوق.
-
مراقبة عمل المصارف.
-
عدم استفياء الرسوم الكمركية ومبالغ الضرائب مسبقا.
كل هذه الاجرات التي اتخذها السوداني تهدف الى الموازنة بين التعديلات التي فرضها الفدرالية ومتطلبات السوق العراقي ، والسيطرة على منافذ الفساد والتهريب انها خطوات ايجابية ستفتح الافق لاستقرار سعر الصرف الذي ستشهده الايام القادمة .
ختاما يجب أن تنتبه لها الحكومة لتفاديها في المرحلة المقبلة، وعلى الحكومة ان ترتب الأولويات باتخاذ الخطوات الجادة لاستبدال الفوضى بالنظام، والسيطرة على سياسية اغراق السوق ، بمساهمة جميع القطاعات وجميع الوزارات والتجار والمسؤولين، وتوعية المواطن بالخطوات التي هي مسؤولية الجميع لإعادة الاستقرار في الوقت الراهن، ومن ثم الانطلاق نحو التنمية والتطور، والأهم هو اكتشاف الآليات البديلة لتمويل التجارة بغية تسهيلها، وتطوير الأدوات اللازمة لإدارة السيولة النقدية لاستقرار البلد .
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية