أقسمت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أمس الخميس، اليمين الدستورية أمام الكنيست (البرلمان)، في مشهد سياسيّ غريب يعبّر عن طبيعة الدولة القائمة في إسرائيل لأنه يعيد بنيامين نتنياهو، الذي ما زال يحاكم بتهم عديدة، إلى المنصب التنفيذي الأول في الدولة العبرية، وذلك برفقة وزراء محمّلين، بدورهم، بأشكال من الأحكام القضائية ضدهم، وهو أمر يصعب أن يحصل، قانونيا، في أي دولة من دول العالم.
مهّد الكنيست، الذي صار حلفاء نتنياهو يملكون الأغلبية فيه، للحدث غير المسبوق، بجلسة عقدها يوم الثلاثاء الماضي، أقرّت فيها الكتل التي يرأسها متهمون في قضايا فساد، أو مدانون في قضايا احتيال، أو متهمون بالإرهاب، تشريعات تسمح لأي شخص مدان بجريمة لم يحكم عليه بالسجن بالحصول على حقيبة وزارية، وهو ما يذكّر بالمثل العربي المعروف، الذي يقول إن «حاميها حراميها»، أما الجلسة الأخيرة فتذكر بالمثل الآخر الطريف عن الحرامي الذي قيل له أن يحلف فقال: «جاء الفرج»!
والواقع أن ترؤس نتنياهو للحكومة الحالية سيشكل فرجا كبيرا لشخص يخضع لمحاكمة في ثلاث قضايا، إحداها تتعلق بتسهيلات تقدر بـ500 مليون دولار لشركة اتصالات إسرائيلية، ويحاكم لأجلها بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والثانية تتعلق بحصوله، وزوجته، على هدايا بحوالي 700 ألف شيكل، والثالثة تتعلق بصفقة مع مالك جريدة «يديعوت أحرونوت»، ليؤمّن تغطية إعلامية متحيزة له، مقابل استهداف صحيفة منافسة.
أحد أكبر حلفاء نتنياهو، الذين أمّنوا له الوصول لرئاسة الوزراء، هو بتسلئيل سموتريش، زعيم حزب الصهيونية الدينية المتطرف، الذي قام ببروفة سابقة لما حصل مؤخرا في الكنيست، حين ضغط للتصديق بأثر رجعي على بناء المستوطنات غير القانونية، بعد أن انكشف أن منزله مبني بشكل غير قانوني، في مستوطنة تقع على أراضي قرية فلسطينية قرب نابلس. كان سموتريش كذلك أحد قادة منظمة يمينية متطرفة نسّقت هجمات ميليشيات للمستوطنين على سكان مدينة اللد في أيار/مايو 2021، وكان الكنيست قد شرّع في جلسة الثلاثاء قانونا يسمح بتسليم حقيبة وزارية لشخصين، مما يسمح له بتسلم شؤون الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة التابعة لوزارة الدفاع، وهي خطوة لتحقيق بعض الشعارات التي طرحها حول القضاء على آمال الفلسطينيين بتحقيق المساواة، وترحيلهم أو قتلهم أو عيشهم كخدم لليهود.
تم «تطريز» تشريع آخر أقره البرلمان الإسرائيلي لتوسيع مسؤوليات وزير الأمن الداخلي، لأن من سيشغله هو ايتمار بن غفير، الذي بدأ حياته السياسية عضوا في حزب كاخ الفاشي، الذي صنّف تنظيما إرهابيا، وقد أدين بن غفير في ثماني قضايا من أصل 53 قضية رفعت ضده في المحاكم.
سيتولى ألموج كوهين، أحد أعضاء حزب «القوة اليهودية» الذي يقوده بن غفير، منصب نائب وزير الاقتصاد، وقد تباهى مؤخرا بنشر صورة تصور اعتداءه على ثلاثة فلسطينيين وهم مقيدون، وقد شهد أولئك بأن المسؤول المعيّن المذكور، كان ضمن عناصر شرطة قيدوهم وضربوهم وتبولوا على وجوههم وهددوهم بإطلاق الرصاص على رؤوسهم، ورغم ذلك لم تتخذ إجراءات تأديبية بحقه.
يشكّل أصحاب السوابق، والبلطجيون، والمتطرّفون العنصريون، «وجوه» الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتعطشة للقتل والتهجير والاستيطان، وهو أمر وإن كان يعني وقوع الفلسطينيين تحت تهديد عملية إرهاب كبرى، فإنه سيعني أيضا انكشافا فاقعا لطبيعة دولة الاحتلال، وإحراجا لمنظومة الغرب التي كانت تساهم في حماية إسرائيل باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في أرض الاستبداد العربية، وعلى الأغلب أن اجتماع هذين العنصرين سيساهم في ديناميّة إقليمية وعالمية جديدة لو أحسن الفلسطينيون إدارتها فسيخرجون من المعركة المقبلة بانتصارات سياسية مهمة.
القدس العربي